السعودية وأمريكا.. من “زواج كاثوليكي” إلى “زواج إسلامي”!

تتالت خطوات أو ضربات السعودية الدبلوماسية الناجحة بوتيرة متسارعة فى الآونة الأخيرة.

بعد مصالحة السعودية مع إيران وعودة العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية، تقدمت السعودية بطلب الحصول على عضوية منظمة شنغهاى للتعاون كشريك محاور وهى منظمة سياسية واقتصادية ودفاعية أنشأتها الصين لمقابلة أو موازنة النفوذ الغربى فى الإقليم.

وتعد منظمة شنغهاى أكبر منظمة إقليمية من ناحية عدد السكان والمساحة الجغرافية (40% من سكان العالم و30% من الدخل العالمى) وتضم بجانب الصين كلا من روسيا والهند وباكستان وبعض دول آسيا الوسطى، كما تقترب إيران من الحصول على العضوية الكاملة بالمنظمة.
وبالرغم من أن السعودية حصلت على العضوية «كشريك محاور» إلا أنه من المعروف أن هذا النوع من العضوية هو الخطوة التى تسبق العضوية الكاملة.

***

كما لوحظ تنامى تقارب السعودية مع كل من الصين وروسيا فقد أصبح التنسيق السعودية الروسى باعتبارهما أكبر منتجين ومصدرين للنفط واضحا للعيان، فقد وافقت السعودية على خفض إنتاج مجموعة “أوبك +” بمقدار مليون برميل يوميا مع استمرار هذا الخفض طوال عام 2023 وكان هذا عكس ما طلبته الولايات المتحدة من السعودية تماما حيث طالبتها بزيادة الإنتاج ولطالما استجابت السعودية لمطالب أمريكية مماثلة فى الماضى، أما الآن فهى لم تكتف برفض الطلب الأمريكى وترك مستوى الإنتاج على ما هو عليه ولكنها عمدت إلى خفض الإنتاج، وهو الأمر الذى أدى إلى ارتفاع فورى ومتنام لأسعار البترول حيث تعدى سعر البرنت 85 دولارا للبرميل ومن المنتظر وصول السعر إلى 100 دولار بنهاية هذا العام وهو الأمر الذى يصب فى صالح روسيا وسائر المنتجين بينما يتعارض مع أهداف أمريكا والدول الغربية.

***

ثم توالت الخطوات السعودية فى اتجاه تدعيم العلاقات مع «التحالف» الصينى/ الروسى والتباعد عن الولايات المتحدة فبدأت خطوات لإعادة تأهيل سوريا وتطبيع العلاقات معها والتمهيد لعودتها إلى حاضنتها العربية خاصة وأن السعودية ستستضيف القمة العربية القادمة فى الرياض منتصف هذا العام.
كما بدأ التقارب السعودى الإيرانى يؤتى ثماره فى اليمن أيضا وبدأ الحديث عن خطة سعودية لوقف دائم للقتال يتلوه فترة ثلاثة شهور يتم خلالها الاتفاق على مرحلة انتقالية يساهم فيها الطرفان لمدة سنتين.
كما لاحظ المراقبون باهتمام رسو البارجة الروسية الحربية فى ميناء جدة أثناء عودتها من مناورات عسكرية قامت بها فى المحيط الهندى.. كل هذه التحركات تشير بوضوح إلى نهج جيو سياسى واقتصادى وعسكرى جديد قد تبنته السعودية وسيكون له آثار – معظمها إيجابية على المنطقة.
هذا فى حالة قبول أمريكا لهذا التحول الكبير فى سياسات حليفتها الاستراتيجية الأولى فى المنطقة، ولكن الموقف الأمريكى يتأثر أيضا بردود الفعل لدى إسرائيل، فلا شك أن هذه التغيرات المفاجئة فى توجهات السعودية أربكت مخططات إسرائيل وسياساتها «الإبراهيمية» التى كان عمادها هو التكتل لمواجهة الخطر الإيرانى الذى صورته إسرائيل على أنه العدو المشترك.

استمعت مؤخرا لحلقة نقاشية بين بعض الخبراء الأمريكيين الذين أجمعوا على خطورة هذه الاتجاهات الجديدة للسعودية، وقال أحدهم أن علاقة أمريكا بالسعودية كانت دائما علاقة زواج وكان من المعتقد أنه زواج كاثوليكى لا يفض أبدا مدى الحياة، إلا أنه تحول الآن إلى زواج إسلامى يسمح بإضافة زوجة أخرى (الصين مثلا) كما يتيح الطلاق بسهولة

ولكن القرار الأمريكى سيعتمد بالدرجة الأولى على توجهات السياسة الأمريكية فى المرحلة المقبلة وهل هى تتجه حقيقة لتقليص الاهتمام بالشرق الأوسط والتركيز على شرق وجنوب شرق آسيا والتصدى لطموحات الصين هناك، أم ستكون هناك مراجعة استراتيجية تعيد الاهتمام الأمريكى بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج بعد أن رأت مسارعة الصين لبسط نفوذها فى هذه المنطقة الحيوية.
فإذا كان الاختيار الأمريكى هو العودة بقوة إلى المنطقة لمحاولة وأد النفوذ الصينى فى المهد، فإن ذلك سيدخل المنطقة فى آتون الحرب الباردة الجديدة وسيضع السعودية فى بؤرة هذا الصراع، خاصة وأن كعب آخيل يكمن فى الاعتماد السعودى شبه الكلى على السلاح الأمريكى فى أنظمتها الدفاعية وعلى ارتباط النظام السعودى الاقتصاد والمالى الوثيق بالدولار الأمريكى.
وحتى هذه اللحظة، ما زالت التعليقات الأمريكية على خطوات التقارب السعودى مع روسيا والصين، تُقلّل من شأنها أو من آثارها السلبية على علاقتها مع السعودية حتى أن جون كيربى المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى علق على الاتفاق السعودى الإيرانى بأنه «قد يكون ذا فائدة فى كبح جماح الجماعات الموالية لإيران فى المنطقة».

***

لكن المراقبين والمتحدثين غير الرسميين يرون عكس ذلك فهم يرون فى التحرك السعودى تحولا استراتيجيا معاكسا لمصالح الولايات المتحدة فى المنطقة ومخيبا لآمال إسرائيل التى بنت سياستها «الإبراهيمية» على تخويف العرب من «البعبع» الإيرانى، وتخشى أن تؤدى السياسات السعودية الجديدة إلى انهيار «التطبيع الإبراهيمى» أو على الأقل عرقلة مساره.

إقرأ على موقع 180  عن عالم لا ينقصه ذكاء إصطناعي

***

كيف ستواجه أمريكا هذه الصفعات المتتالية، حتى الآن – وعلى المستوى الرسمى – تحاول التهوين من شأنها ولكنى أعتقد أنهم يعكفون الآن على دراسة العواقب بكل جدية ومراكز البحث لديهم تعكف على رسم الخطط البديلة للتحرك.. وقد استمعت مؤخرا لحلقة نقاشية بين بعض الخبراء الأمريكيين الذين أجمعوا على خطورة هذه الاتجاهات الجديدة للسعودية، وقال أحدهم أن علاقة أمريكا بالسعودية كانت دائما علاقة زواج وكان من المعتقد أنه زواج كاثوليكى لا يفض أبدا مدى الحياة، إلا أنه تحول الآن إلى زواج إسلامى يسمح بإضافة زوجة أخرى (الصين مثلا) كما يتيح الطلاق بسهولة.

فهل ترضى أمريكا بأن تكون شريكة فى هذا التعدد؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام والشهور القادمة.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
سيد قاسم المصري

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  the Unforgivable.. العزف بأصابع "قاتلة"