إلى “الإخوان المسيحيين” في لبنان!

من الظلم تحميل وزر الانهيار في لبنان لشخص واحد أو جماعة واحدة. الطريق إلى جهنم عبَّدته دولة فساد لا مجرد فساد دولة.

خَسِرَ المسلمون حين فاز “الإخوان المسلمون” بالرئاسة المصرية، وجلس زعيمهم على الكرسي التي تربَّع عليها يومًا جمال عبد الناصر. وفي لبنان خَسِرَ المسيحيون حين فاز “الإخوان المسيحيون”- مجازًا، بالرئاسة وجلس زعيمهم “الجنرال ميشال عون” على الكرسي التي تربَّع عليها يومًا فؤاد شهاب.. كما في بلاد النيل كذلك في بلاد الأرز وفي كل مكان إذا لم نُغلِق صفحات الماضي كما ينبغي وعلى ضوء الحقائق، سوف تظل أشباحه تُطاردنا وتمنعنا من النظر إلى المستقبل.

خَسِرَ “الإخوان المسلمون” السلطة في مصر حين نَجَحَ الشعبُ المصريُّ في الإطاحة برئيسهم محمد مرسي. في لبنان جُلَّ ما جناه المنتفضون نصيحة ذهبية من رئيسهم: هاجروا! ثم عاد وقدَّم الأسباب المُوجِبة للهجرة: “إلى جهنَّم”.

صَدَقَ الجنرال العظيم.

إلى جنابكم تحيَّة من جهنَّم.

 وبعد؛

دولة من دون رأس، لا بل دولة برؤوس عِدَّة، كأن عمر هذا الشعب لا يساوي شيئًا حتى يُلقى هباءً منثورا في دوامة العبث السياسي. والعبث (Absurde)، حسب تعريف الأديب الفرنسي أندريه جيد، هو ذلك الذي يَفعله رجلٌ صادف رجلًا آخر في الشارع فصفعه وإذا ما وصل إلى بيته، حرَّر الصافع للمصفوع رسالة اعتذار عما فعله.

كما “الإخوان” في مصر، جعل البعض من “الإخوان المسيحيين” في لبنان الرئاسة صورة أكثر من إلهية وتصوّروا لها عصمة وهمية، حتى وجدوا أنفسهم في صدام مع المجتمع، بحيث أنهم لم يقدروا على توصيف الواقع بشكل صحيح

في العام 2013، كتب “أبونا سمير عطالله” في “المسألة المسيحية”- صحيفة “النهار”، والأبوَّة هنا – ولا أتجاسر على الدين – لقبٌ استحقَّه هذا الكاتب اللبناني الكبير لما أظهر في مقاله من حرصٍ على مسيحيي الشرق، لا لبنان فحسب. حِرصُ أبٍ على أولاده/ رعيَّته، لا أقلَّ من ذلك. عرَّج الأستاذ عطالله على كِبار الشخصيات المسيحية التي أغنت المشرق العربي أدبًا وفِكرًا. مَثَلُ مي زيادة وجبران والريحاني في مجال الأدب.. إلى مجال الأعمال حيث برَعَ إميل البستاني كما بَرَع موسى عبده في السياسة وغيرهم الكثير، مُذَكِّرًا بالدَّور الذي لعبه مسيحيو الشرق عبرَ التاريخ، مُحذرًا من ضياع هذا الإرث مستقبلًا في السباق نحو الكرسي: “لم يلفت المسيحيون الغرب إليهم بجحافل جيوشهم ولا بثرواتهم. اجتذب المسيحيون الغرب بظهورهم فيه كفريق يتجاوز حضارة الشرق ويمكن أن يُشكِّل جسرًا ثقافيًا بين حواضر المتوسط”. من وجهٍ آخر، عبَّر الكاتب سليمان كتاني أجملَ تعبير عن جوهر المسيحية الحقيقي في كتابه “فاطمة الزهراء وتر في غمد”.. الكاتبان عطالله وكتاني وجهان لعملة ذهبية باتت نادرة في دنيا الفكر والأدب والثقافة.

بلَّغ الأستاذ سمير ما عليه ولم يَقبلوا، فما عليه! وكانت فترة حكم “بي الكل” جهنمية بكل معنى الكلمة. أما لقب “بي الكل”، فهو شبيه بلقب شاه إيران “فارمنده” وهو يعني كبير العائلة، لتقديمه كأنه أب الشعب. وقد كان ذلك اللقب توصية أميركية من أصل ثماني توصيات.

في كتابه “من داخل الاخوان المسلمين” كتب يوسف ندا- عضو “الإخوان” سابقًا: “بدا الاخوان المسلمون وكأنهم يريدون السيطرة الكاملة وليس المشاركة في الحكم..”.

وكما “الإخوان” في مصر، جعل البعض من “الإخوان المسيحيين” في لبنان الرئاسة صورة أكثر من إلهية وتصوّروا لها عصمة وهمية، حتى وجدوا أنفسهم في صدام مع المجتمع، بحيث أنهم لم يقدروا على توصيف الواقع بشكل صحيح. تأخروا في العلاج، والأعباء زادت بفعل تصرفاتهم، برغم كل هذا لم يخرجوا بحل وأوهموا الناس أن كل شيءٍ على ما يُرام. شجعوا على التطرف وهو أقوى أداة لمواجهة الخطاب الوطني وصار طابخ السم ـ الخطاب آكله.

يذكر ندا في كتابه الآنف ذكره، عن نصيحة اليهودي فيتوريو حداد – “من رجال الصناعة الأذكياء” كما وصفه الكاتب. عندما كان في ليبيا اشترى يوسف ندا كمية كبيرة من الحديد وبعد فترة وجيزة ارتفعت أسعار الحديد أضعاف ما كانت عليه.. نصحه اليهودي ببيع نصف الكمية والمغامرة بالنصف الآخر. “لم آخذ بنصيحته فلم أبعه” يقول ندا. وبعد عشرة أيام استولى القذافي على الحكم في ليبيا مما اضطر ندا للهرب من دون غرام واحد من الحديد! في الاقتصاد كما في السياسة، المغامرة بالكل مخاطرة. فهل من يتعظ؟ لبنان كيان خاص فيه ما هو أهم من الديموقراطية؛ شرعية التوافق. وشرعية بقاء لبنان قائمة على التوافق.

(*) ملاحظة من الكاتب: أنا مسيحي الوطن، درزي المذهب، لبناني الجنسية.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  العرش اللبناني.. وحسابات الربح والخسارة
توفيق صايغ

مهندس معماري، لبنان

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  لنفضح شراكة أمريكا في "محرقة غزة"!