أنذاك كان عبد اللهيان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية الإيراني للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي هذا القسم من المذكرات يتطرّق عبد اللهيان إلى الجهود السياسية الإقليمية والعربية الهادفة لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، والتي وصلت على حد قوله إلى محاولة إقناع طهران نفسها بالتخلّي عن الأسد. ماذا يقول عبد اللهيان في مذكراته؟
“كانت أهداف مصممي هذه الخطة زيادة الفوضى، سقوط النظام السياسي السوري ونشر الفوضى وانعدام الأمن في لبنان والعراق، ومن هناك إلى جمهورية إيران الإسلامية.
في تلك الفترة ، كان يتصل وزير الخارجية التركي آنذاك، أحمد داود أوغلو، بنظيره الإيراني الدكتور علي اكبر صالحي، ثلاث مرات على الأقل في الأسبوع، و كل مرة كان يحذّر من سقوط بشار الأسد في الأسبوع المقبل. كما كان ينصحه الدكتور صالحي بعدم التسرّع وبالمساعدة على إحلال السلام في سوريا والمنطقة، ويؤكد له أنّ الرجل الحكيم لا يترك الوضع الراهن ليُدخل دولة في مرحلة غامضة وغير معروفة. وكان دائمًا يشدد على الرؤية السياسية لإيران لحل الأزمة.
منذ بداية الأحداث في المنطقة وسوريا، بدأت طهران نهجًا نشطًا من أجل ضمان أقصى درجات الأمن في المنطقة. في بداية الأزمة السورية، بناء على اقتراح مشترك من إيران ومصر (في عهد محمد مرسي)، عُقد اجتماع رباعي لنواب وزراء خارجية مصر، تركيا، قطر وإيران في القاهرة، بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي. وشاركتُ أنا في ذلك الاجتماع مع فريق سياسي – أمني، وشرحت الخطة السياسية لإيران تجاه سوريا، التي كانت تتضمّن أربع نقاط. في ذلك الوقت، كان الوقف الفوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات والحوار السوري – السوري بهدف تعديل الدستور، وإجراء الانتخابات، من بين النقاط التي طرحتها إيران على شكل مبادرة سياسية. في اجتماعات منفصلة مع الأخضر الإبراهيمي، شرحت المواقف السياسية الدقيقة والعملية لإيران. كان ذلك في حين لم تكن تركيا وقطر راضيتين بأقلّ من تنحية الرئيس السوري.
وزيرا الخارجية التركي والقطري أكدا أولاً أنّ مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله روح الله الخميني، كان معارضاً للظلم، ثم قالا إنّ السيد بشار الأسد لم يقبله شعبه، وخَلُصا إلى أنّ عليكم الاقتداء بزعيمكم الإمام الخميني ويجب أن توافقوا على الإطاحة بالسيد بشار الأسد
وفق سيناريو الأميركيين وحلفائهم، فإنّ سقوط سوريا سيؤثر على العراق. في العراق، دخل عناصر تنظيم “داعش” الموصل بعد خيانة أدت إلى سقوط المدينة. كانت النقطة المهمة هي أن “داعش”، كجماعة إرهابية، لها علاقة خاصة بالمنظمات الأمنية للولايات المتحدة والغرب وبعض الدول في المنطقة. كان تأثير وهيمنة المنظمات الأمنية الغربية – العبرية – العربية على التنظيم كبيرًا لدرجة أنها تسببت بسلوكيّات معيّنة لهذا التنظيم.
على سبيل المثال، بعد سيطرة “داعش” على الموصل، أصدرت الجماعة مذكرة دبلوماسية رسمية وأرسلتها إلى جميع السفارات الأجنبية في بغداد، باستثناء سفارة جمهورية إيران الإسلامية وعدد قليل من الدول الأخرى. سفيرنا في العراق السيد حسن دانايي فر أرسل المذكّرة، التي حصل عليها عن طريق سفارة أوروبية، إلى وزارة الخارجية في طهران، وأرسلناها على الفور إلى السلطات.
من النقاط المهمة التي لا ينبغي نسيانها، أنّ التطوّرات (الاحتجاجات) في سوريا، بدأت متأخرة أي بعد قرابة ثلاثة أشهر من مثيلاتها في تونس، مصر، اليمن والبحرين. وأظهر ذلك أنّ الرأي العام السوري لم يكن مستعدًا بعد للتأثر بالتطوّرات في شمال أفريقيا وغرب آسيا. هناك نقطة أخرى جعلت الشعب السوري مختلفًا عن شعوب الدول العربية الأخرى. الشعب السوري، على الرغم من ملاحظاته على البنية السياسية وحكم الحزب الواحد في بلاده، يشعر دائمًا بضرورة مواجهة إسرائيل، بسبب وجوده في محور المقاومة وعدائه تجاه الصهاينة نتيجة احتلالهم الجولان. وبهذا المنطق، حاول السوريون في ذلك الوقت اتخاذ خطوات حذرة حتى لا يشهدوا استغلال النظام الصهيوني (لاحتجاجاتهم).
كما ذكرنا سابقاً، اندلعت أولى الاحتجاجات والاشتباكات في محافظة درعا الحدودية على الحدود الأردنية – السورية، مما يشير إلى تدخل خارجي مسلّح وإرهابي (داعش – جبهة النصرة). من هذه الفترة فصاعدًا، شنّ صنّاع هذه السياسة هجومًا واسع النطاق، بأبعاد مختلفة، في بداية الأزمة السورية. وقع(ت) الهجوم (المؤامرة) داخل سوريا على مستويات عدة:
أولاً، تحولت التحدّيات والمطالب السياسية في سوريا على الفور إلى صراعات مسلّحة. لم يحدث هذا في أي بلد تقريبًا في شمال إفريقيا أو غرب آسيا.
ثانياً، لم تتشكّل هناك حرب أهلية سورية بين الناس والأعراق، والشيعة والسنة. بدلاً من ذلك، بدأت الحرب بين الإرهابيين الأجانب إلى جانب بعض قوات الجيش السوري المنشقّة المدعومة من تركيا، قطر والسعودية، كمعارضين لبشار الأسد و الحكومة السورية. ثم امتد الصراع إلى دمشق.
كما ذكرنا سابقًا، حاولت هذه الدول تشكيل النموذج الذي تكوّن بشكل طبيعي في بلدان أخرى (حشود في إحدى الساحات بالعاصمة) في سوريا. لكن لم يحدث ذلك في دمشق، وشوهدت مظاهرات قليلة و متفرّقة. في المقابل، نشط الإرهابيون في جميع أنحاء سوريا.
تحرّك مؤيدو هذه الخطة سياسيًا على المستويين الإقليمي والدولي. في المنطقة، كانت الدول التي حاولت جاهدةً إقناع جمهورية إيران الإسلامية بالتوقف عن دعم سوريا هي تركيا أولاً، ثم قطر. عام 2012، في ذروة الأزمة السورية، حاولت بعض الدول التماشي والعمل مع الموجة المعارضة للحكومة السورية بسبب رؤية الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة أنّ حكومة بشار الأسد ستسقط في أسابيع قليلة.
لن أنسى أنّ كلًا من وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء ووزير الخارجية في قطر الشيخ حمد بن جاسم وكذلك وزير الدولة للشؤون الخارجية في قطر الشيخ خالد العطية، في شهر رمضان المبارك، سافروا إلى طهران على انفراد، والتقوا بوزير الخارجية الدكتور علي أكبر صالحي وممثل القائد الأعلى وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الدكتور سعيد جليلي.
حاولوا في هذه اللقاءات جعل الأجواء في المفاوضات لصالحهم، أي أنّ وزيري الخارجية التركي والقطري أكدا أولاً أنّ مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله روح الله الخميني، كان معارضاً للظلم، ثم قالا إنّ السيد بشار الأسد لم يقبله شعبه، وخَلُصا إلى أنّ عليكم الاقتداء بزعيمكم الإمام الخميني ويجب أن توافقوا على الإطاحة بالسيد بشار الأسد.
بالإضافة إلى ذلك، كان في جعبتهم تحذير خطير، زاعمين أنّ اشتباكات مسلّحة واسعة النطاق ستقع أثناء صلاة التراويح، والتي تقام عادةً في المساجد السنية خلال شهر رمضان المبارك. وقالوا إنه إذا حدث هذا في سوريا في شهر رمضان، ستقع مذبحة ويُقتل عدد كبير من المصلّين في المساجد. واستنتجوا إنّ إيران يجب أن تساعد في الإطاحة ببشار الأسد قبل رمضان. كما تم الترويج لهذه القضية أيضاً في قنوات “سي إن إن” الأميركية و”بي بي سي” البريطانية و”الجزيرة” القطرية”.
(*) بالتزامن مع “جاده إيران“