“معركة مخيم جنين الكبرى 2002”.. التاريخ الحي كتاباً

في تقديمه لكتاب "معركة مخيم جنين الكبرى 2002.. التاريخ الحي"، يركز القيادة الفلسطيني المناضل مروان البرغوثي من زنزانته في سجن هداريم، على سلسلة عناصر أبرزها أن الكاتب جمال مصطفى عيسى حويل هو إبن مخيم جنين وأحد قادته المقاومين ممن شاركوا في صياغة معركة العام 2002، وقد أكمل دراسته وحاز الدكتوراه وصار عضواً بالمجلس التشريعي الفلسطيني سنة 2006 وفي المجلس الثوري لحركة "فتح" وتم إعتقاله عدة مرات على يد جيش الإحتلال. فماذا جاء في تقديم البرغوثي للكتاب والكاتب؟

يُشكل المخيم الفلسطيني رمزاً لمأساة الشعب الفلسطيني ونكبته وكارثته، كما يُشكل رمزاً للبطولة والفداء والصمود على مدار سبعة عقود مضت تقريباً، منذ أن تعرض شعبنا لأكبر عملية تطهير عرقي وتشريد عرفها التاريخ الحديث والمعاصر.

وإنه من الصعب التقديم لهذا الكتاب وفق المعايير والقواعد الأكاديمية نظراً إلى العلاقة التي تربطني بالكاتب وموضوع الكتاب، ومع ذلك سأحاول جهدي، مساهمة مني في تلك الملحمة الخالدة وتقديراً لها، فقد جسدت هذه الملحمة عظمة هذا الشعب، وأكدت صوابية خيار المقاومة وقدرتها على تحقيق الانتصار في حال توفرت عناصر وشروطاً محددة، وفي مقدمها الوحدة الوطنية التي لطالما اعتبرناها قانون الانتصار لحركات التحرر الوطني وللشعوب المقهورة، في حال نجم عنها جبهة موحدة للمقاومة ووحدة للمقاومين في الميدان، وخصوصاً قيادة شجاعة وناضجة سياسياً وعسكرياً، وتمتلك حداً أدنى من التخطيط والإمكانات والقدرات والاستعداد للتضحية.

حقّق مخيم جنين في معركته الخالدة هذه الشروط، وهو يستحق هذا الانتصار الذي سيظل واحداً من أبرز محطات انتفاضة الأقصى ورموزها المباركة، انتفاضة الحرية والعودة والاستقلال.

يعبّر هذا الكتاب عن أصالة انتماء الكاتب وموضوع الكتاب، وهو كتاب نوعي بكل المعايير، وأتمنى أن يحذو الكتّاب والباحثون الشباب حذو هذا الكاتب واختيار موضوعات فلسطينية وعربية تستحق البحث فيها والكتابة بكل جرأة وشجاعة على أساس قواعد البحث العلمي. وليس من السهل أن يكون الكاتب جزءاً من موضوع الكتاب، وأن يحافظ، في الوقت نفسه، على رؤية موضوعية؛ فأن يكون الكاتب جزءاً من التفصيلات التي يحاول إيصالها إلى القارئ، وأن يلخص أهم دروسها وعبرها مستخدماً التعميم والتوصيف التجريدي الذي يتطلب قدراً كبيراً من التباعد والموضوعية، هو أمر يفوق قدرات الكاتب العادي أو الكاتب النظري غير المنغمس في مشهد الكتاب وموضوعه، إذ يصبح الكاتب في هذه الحالة أشبه بجرّاح لا يجري عملية لأحد أفراد أسرته، وإنما يجريها لنفسه ويشقّ لحمه بيديه.

إن مهمة المناضل الكاتب جمال حويل في دراسته وكتابه “معركة مخيم جنين الكبرى 2002: التاريخ الحي”، عبر تنقله من كونه التفصيل الحسي للأحداث إلى  كونه الكاتب المناضل بصفته التجريد المجرد لها، رافقها عناء وألم شديدان لا نعتقد أن أي كاتب عادي كان من الممكن أن يمر بمثل تجربته من دون أن تنهار قواه ومعها مشروع كتابه. فالمعاناة والألم هنا ليسا بسبب الكتابة وإشكاليات البحث والكتاب، وإنما ألم عضوي مباشر بفعل استحضار لحظات في غاية القسوة، لحظات فقد خلالها رفاق السلاح والدرب.

إن الكتاب وبفعل خصوصية المقاومة، أو كما سمّاها جمال حويل كتاب يعتمد منهجية النار، جاءت لغته في بعض الأحيان منفعلة، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الكاتب حرص على ألاّ يفقد النص فعله، عرضاً وتحليلاً واستخلاصاً للأحداث.  لقد تصرف حويل بروح المقاوم المسؤول عن نصه تماماً، مثلما تصرف في أثناء المعارك والمواجهات داخل أزقة المخيم كونه أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، وأحد قادة المعركة وغرفة عملياتها المشتركة، متنقلاً من موقع إلى آخر ومشتبكاً يرفع الهمم ويلهب المشاعر ويشد أزر المقاومين، ولحظة أُخرى يتخذ القرار عازلاً مشاعره حازماً لموقعه بما يتلاءم وواقع المعركة ومتطلباتها المادية في الميدان، فلم يفقد انفعال المقاوم توازن الكاتب وموضوعيته.

ويقدم هذا الكتاب عرضاً وافياً لكل الروايات المتضاربة بشأن ما جرى في اجتياح مخيم جنين بما فيها رواية قادة العدو الصهيوني، وما تناقلته وسائل إعلامه العبرية، فيحاول الكاتب الابتعاد عن فرض روايته الخاصة بصفته شاهد عيان وأحد صنّاع الحدث وقادته، كما يعرض الاتصالات والمواقف السياسية والميدانية، ولا سيما الاتصالات التي جرت بالمقاومة داخل المخيم من قادة الفصائل ومسؤوليها داخل فلسطين وخارجها، وقد قام بتحليلها نقدياً، بالإضافة إلى الخطة العسكرية والاستعدادات التي رافقتها.

لقد تصرف جمال حويل بروح المقاوم المسؤول عن نصه تماماً، مثلما تصرف في أثناء المعارك والمواجهات داخل أزقة المخيم كونه أحد قادة كتائب شهداء الأقصى، وأحد قادة المعركة وغرفة عملياتها المشتركة، متنقلاً من موقع إلى آخر ومشتبكاً يرفع الهمم ويلهب المشاعر ويشد أزر المقاومين

إن أهم ما يُثبته الكاتب المميز بموضوعيته والخاص بمنهجيته هو ما يلي:

أولاً– رفع الستار عمّا علق بالأحداث من أساطير وادعاءات، بل أحياناً معلومات مضللة، بعضها أُطلق إلى الفضاء بحسن نية، وبعضها الآخر أُطلق عن قصد وعمّمته وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال المعركة كجزء من الحرب الإعلامية والنفسية للنيل من صمود المقاومة داخل المخيم، والأهم للنيل مما قد يشكله مخيم جنين من نموذج للمقاومة والصمود في الذاكرة الجمعية الفلسطينية كي لا يتم تقليده والسير على خطاه في اجتياحات إسرائيلية مقبلة.

إقرأ على موقع 180  حماس تغازل طهران وتصالح دمشق ولا تغادر الدوحة وأنقرة!

ثانياً– قدّم حويل تحليله للتجربة بما يتجاوز بعدها العسكري ليصل إلى المعنى الإنساني الملحمي، إذ بيّن لنا كيف انتصرت الروح والإرادة والإيمان على فارق الإمكانات الشاسع بين المقاومة وقوات الاحتلال.

ثالثاً– لقد أوضحت تجربة مخيم جنين أن تلاحم أهله مع المقاومة جاء بمقدار تلاحم المقاومة وفصائلها المعبر عن الهوية الوطنية، لا بصفته شعاراً لفظياً إنسانياً تزين به البيانات والخطابات فحسب، بل أيضاً حقيقة جسدتها وحدة الدم في الميدان وضرورة وطنية وشرط لتحقيق الانتصار، فالإرادة الوطنية هي سلاح المقاومة الفتاك في مواجهة تفوقهم العسكري.

هذا الكتاب سيُشكّل إضافة إلى المكتبة الوطنية الفلسطينية وإلى سجل المقاومة، إذ تفوح منه رائحة عطر الشهداء يتقدمهم زياد العامر وأبو جندل والنوباني والصباغ وطوالبة والحلوة والنورسي ورياض بدير ومريم وشاحي وابنها منير وطه الزبيدي، وكل الشهداء الرجال والنساء والشباب والأطفال.

بقي أن أشير إلى أنني عشت تجربة مخيم جنين، عقلاً وفكراً وقلباً ووجداناً ونفساً وروحاً، وإن لم أكن حاضراً فيها جسداً، وأكاد أشعر حتى اللحظة بدفء مشاعر أهل المخيم ورائحة الدم وبسالة المقاومة ورصاص المقاتلين وقنابلهم وتحدي النساء والأطفال لجيش الاحتلال والعدوان ودباباته وطائراته وعرباته وقذائفه وجرافاته، وستظل معركة مخيم جنين كما معركة الكرامة وقلعة الشقيف وغزة ورفح وجباليا وعين الحلوة ومعارك الانتفاضة المجيدة وسام شرف على صدور كل الفلسطينيين والعرب، وسيظل عهدنا للشهداء صادقاً ووفاؤنا لمبادئهم راسخاً وعميقاً في العقل والقلب والوجدان، وإيماننا لا يتزعزع لحظة واحدة بعدالة قضيتنا وحقنا التاريخي والوطني والقومي والديني والإنساني في أرض الآباء والأجداد، وبحتمية النصر آجلاً أم عاجلاً، وبحتمية زوال الاحتلال وإلقائه بعيداً حيث ألقت الإنسانية وشعوبها المكافحة الفاشية والنازية والاستعمار والتمييز العنصري.

أخيراً فإننا على ثقة بأن إشراف الأخ والصديق د. عبد الرحيم الشيخ ساهم بقدر كبير في إنجاح هذا الكتاب، فهو المتميز بفكره وثقافته وأصالة انتمائه ويستحق كل الشكر والتقدير.

إنني على ثقة بأن هذا الكتاب الذي ستطالعه الأجيال سيشكل إفادة وغنى لتجربة المقاومة والنضال في معركة شعبنا من أجل الحرية والعودة والاستقلال. (مروان البرغوثي. سجن هداريم، زنزانة رقم 28)

(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  سفر برلك 2020.. دومينو 2021