أولاً؛ خاضت حركة الجهاد، ومعها بقية الفصائل الفلسطينية بإسناد من حركة حماس، جولة القتال الجديدة بعنوان “وحدة الساحات الفلسطينية” (غزة – الضفة – القدس). وكانت متصلة بأحداث في الأسبوع الذي سبق ردّت فيها “سرايا القدس”- الجناح العسكري للجهاد الإسلامي على استشهاد الأسير خضر عدنان الذي قضى في سجون العدو مُضرباً عن الطعام رفضاً لإعادة اعتقاله. وسبق أن خاضت الحركة جولة من “وحدة الساحات” في آب/أغسطس 2022 على خلفية إعادة العدو اعتقال الشيخ بسام السعدي أحد قياديي حركة الجهاد في الضفة الغربية واستمرت ثلاثة أيام.
ثانياً؛ إفتتح العدو هذه الجولة باغتيال ثلاثة من قادة “سرايا القدس” أثناء وجودهم بين عائلاتهم، ومعهم قضى بعض أفراد هذه العائلات وجُرِحَ آخرون، إلى جانب عدد من المدنيين في الجوار. ثم استكملها باغتيال ثلاثة قادة آخرين في شقق أو بالقرب من أماكن سكنهم. وفي جولة آب/أغسطس 2022، إستهل العدو القتال باغتيال تيسير الجعبري قائد جبهة شمال قطاع غزة في “سرايا القدس”، ثم اغتيال قائد الجبهة الجنوبية في القطاع خالد منصور ومعه قائد الوحدة الصاروخية رأفت الزاملي. بمعنى، كان الإغتيال هو التكتيك الرئيسي الذي استخدمه العدو في الجولتين للإضرار بالطرف المقابل، إستناداً الى معلومات إستخبارية يتم جمعها من مصادر بشرية (عملاء) وتكنولوجية مختلفة (التصوير الجوي، التنصت على الإتصالات، إختراق الهواتف..). لكن اغتيال القادة في الجولة السابقة لم يؤثر على استعدادات حركة الجهاد الإسلامي في الجولة الحالية، وأثبتت الحركة أنها قادرة على ترميم بنيتها القيادية، ومن غير المرجح أن تتغير الصورة مستقبلاً في ضوء ما جرى مؤخراً.
ثمة فرضية بأن مسيرة الأعلام التي سيقوم بها المستوطنون يوم الخميس المقبل في ذكرى احتلال القدس تنطوي على احتمال كبير بوقوع مواجهة أخرى مع الفلسطينيين، الأمر الذي يستبعد فرضية تحصيل أي إنجاز إسرائيلي يُعتدّ به في جولة القتال الأخيرة.. لننتظر ونرَ ما سيحدث
ثالثاً؛ لعبت حركة الجهاد الإسلامي دور القائد في كل من الجولتين الحالية والسابقة، ومعها فصائل أخرى (الجبهة الشعبية، كتائب المجاهدين..)، بينما اضطلعت حركة حماس بدور الإسناد. قبل ذلك، كانت حماس هي قائدة المواجهة في معركة “سيف القدس” في أيار/مايو 2021 في وجه الإنتهاكات الصهيونية في المسجد الأقصى، وشاركتها فيها حركة الجهاد وفصائل أخرى. وبحسب ما ذكرت إذاعة جيش الإحتلال نقلاً عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين يوم الخميس (11-5-2023)، ساندت حماس حركة الجهاد الإسلامي في إطلاق الصواريخ “من خلال استخدام الأنفاق ومرابض الصواريخ الخاصة بحماس”. ومع أنه ليس واضحاً حتى الآن حجم الدور العسكري الذي قامت به حماس في هذه الجولة، لكن بالنظر الى مجمل عمليات إطلاق الصواريخ وعدم خسارتها أي كادر مقاوم يمكن تقدير أنها لم تنخرط على نحو كبير في القتال. وتختلف تقديرات الحركتين للموقف في جزئية يجب ملاحظتها بدقة، وهي أن حماس ترى ضرورة التركيز على تفعيل المقاومة في الضفة الغربية وتخفيف العبء عن غزة التي خاضت أربعة حروب كبيرة منذ العام 2008 فضلاً عن جولات قتال متفرقة.
ويبدو أن حماس التي قادت آخر معركة بعنوان “وحدة الساحات” قبل عامين بالتمام، تشعر بالثقل الإجتماعي لكل جولة قتال لناحية حجم الدمار، خاصة أن وعود الإعمار في غزة لم تجد سبيلاً إلى التنفيذ إلاّ على نطاق ضيق جداً، في وقت تحاول الحركة إبقاء خطوط التواصل والتنسيق شغالة وفاعلة مع الجانبين القطري والمصري اللذين يملكان على التوالي مفاتيح مالية ولوجستية مدنية ضرورية للقطاع المحاصر. وعلى نحو أوضح، تنظر حماس إلى دورها على أنه يجمع مهام الحكومة والمقاومة في آن واحد وما يتطلبه من رعاية شؤون أهل غزة، وهي إنخرطت في العمل الحكومي والبرلماني منذ عام 2006، وتسعى لـ”التمكين” في مواجهة نفوذ حركة فتح التقليدي. بينما إنتهجت حركة الجهاد المقاومة نهجاً بعيداً عن العمل الحكومي والبرلماني “في ظل سلطة أوسلو”. وتمكنت حماس والجهاد من تنظيم خلافهما على قاعدة تفعيل نشاط المقاومة في الضفة الغربية وترتيب دور غزة في المواجهة من خلال التنسيق والتشاور وتبادل الدعم ضمن غرفة العمليات المشتركة. ولوحظ تناغم إعلامي وسياسي بين الحركتين في هذه الجولة، بخلاف تباين ظهر في جولة آب/أغسطس 2022 وتمت معالجته لاحقاً.
رابعاً؛ كان العدو قد حاول دق إسفين بين حركتي حماس والجهاد، على غرار الإسفين المضروب بين حماس وفتح. وروّج منذ بدء الجولة الجديدة أنه يستهدف حركة الجهاد الإسلامي حصراً، لكن ذلك لم يؤدِ الى تظهير الخلاف الجزئي في التقدير بين الحركتين ذواتَيْ المنبت الإسلامي الجهادي. ويمكن القول إنّ ظلّ حماس كان مخيّماً على المعركة بحيث قيّد الخيارات الإسرائيلية ومنع إسترسال العدو في عمليات التدمير منعاً لاستثارة رد من الحركة، بخلاف ما رأيناه في جولات سابقة من تدمير أبراج سكنية وأحياء بكاملها. ولا بد من القول هنا إن احتمال توسع العمليات الى جبهات أخرى ومنها لبنان كان عنصراً إضافياً في تقييد خيارات العدو، لا سيما في ضوء إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الجمعة (12-5-2023) أن المقاومة في لبنان “لن تتردد في تقديم المساعدة للمقاومة في غزة في أي وقت تفرض المسؤولية ذلك”.
السؤال الذي يطرحه محللون إسرائيليون هو عما سيكون عليه الموقف في حال كانت حماس، وربما حزب الله، جزءاً أساسياً من المواجهة المقبلة، إذا كانت المواجهة مع حركة الجهاد الإسلامي قد انتهت بهذه الطريقة؟
خامساً؛ إستتباعاً، لم تسفر جولة القتال هذه عن إضافة جديد إلى قوة الردع الإسرائيلية. على العكس، فقد أظهرت إسرائيل في موقف ضعيف ومتردد وتسعى بكل وسيلة لتحييد حركة حماس وطلب الوساطة لوقف النار من اليوم الأول بعد الضربة الأولى وتصفية ثلاثة قياديين في “سرايا القدس”. وإذا كانت نتائج أي عملية عسكرية تُقاس بتحقيق الهدوء على الجانب الإسرائيلي لفترة أطول، فإن هذه الجولة إنعدم فيها اليقين إلى حد كبير بسبب تعقّد المشهد الداخلي الإسرائيلي وتداخله مع مشهد المواجهة مع الفلسطينيين. والسؤال الذي يطرحه محللون إسرائيليون هو عما سيكون عليه الموقف في حال كانت حماس، وربما حزب الله، جزءاً أساسياً من المواجهة المقبلة، إذا كانت المواجهة مع حركة الجهاد الإسلامي قد انتهت بهذه الطريقة؟
سادساً؛ ثمة فرضية بأن مسيرة الأعلام التي سيقوم بها المستوطنون يوم الخميس المقبل في ذكرى احتلال القدس تنطوي على احتمال كبير بوقوع مواجهة أخرى مع الفلسطينيين، الأمر الذي يستبعد فرضية تحصيل أي إنجاز إسرائيلي يُعتدّ به في جولة القتال الأخيرة.. لننتظر ونرَ ما سيحدث.