ما بعد “أبو مازن”.. السيناريوهات الإسرائيلية

Avatar18020/07/2023
تطرح هذه الورقة البحثية التي أعدها الكاتب وليد حباس من أسرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) ما تسميها مرحلة ما بعد محمود عباس (أبو مازن) من زاوية إلقاء الضوء على الطبيعة الاستعمارية لإسرائيل التي تنظر إلى الحقل السياسي الفلسطيني على أنه يجب أن يخضع إلى مجال هيمنتها وتدخلها.

على مدار أعوام طويلة، قامت إسرائيل باستخدام أدوات مختلفة، مباشرة وغير مباشرة، إلى أن وصلت إلى حالة “وضع قائم” (status-quo) تتلخص بالآتي:

أولاً؛ انسداد الأفق السياسي الذي يقوم على مفاوضات مباشرة تتعلق بالحلول النهائية؛

ثانياً؛ نوع من الاستقرار الذي يتيح الاستمرار بالتوسع الاستيطاني و”الضم الزاحف” للمناطق “ج” بدون أن يقود الأمر إلى انفجار سياسي فلسطيني أو دبلوماسي دولي؛

لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على هذا “الوضع القائم” لأسباب عدة، أهمها:

1) استمرار الوضع القائم يتيح المضي قدماً في المشروع الاستيطاني بدون وجود عراقيل تستدعي فرض سيناريوهات غير مرغوبة بالنسبة لإسرائيل.

2) استمرار الوضع القائم يعفي الساحة السياسية الحزبية في إسرائيل من أي نقاش حقيقي حول المسألة الفلسطينية.

من هنا، تتوافق كافة الأحزاب الإسرائيلية الحالية (من اليمين وحتى اليسار ومروراً بأحزاب الوسط والمتدينين) على أن استمرار الوضع الراهن يتيح لجميع الأطراف أن تتنصل من استحقاقاتها السياسية التي لا ترغب بها أصلا، والتي تتعلق بحل الدولتين، والانسحاب من الأرض المحتلة، ومسألة الضم القانوني للضفة الغربية، ومسألة الاستيطان، وغيرها.

في هذا السياق، الذي تم وصفه بأنه “الوضع القائم”، فإن إسرائيل تحدد علاقتها بالساحة الفلسطينية الداخلية على النحو الآتي:

  1. سياسيا: إسرائيل تعترف فقط بالأطراف الفلسطينية التي تتبنى حصريا فكرة التسوية التفاوضية وتحارب الأطراف الأخرى أو تحاول ضبطها، أو ردعها، أو إضعافها. تجمع على هذا الموقف كافة الحكومات الإسرائيلية اليمينية، والوسطية واليسارية.
  2. إداريا: إسرائيل ترى ضرورة استمرار عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية على أساس بنود اتفاق أوسلو بالإضافة إلى النظم الأخرى المتفق عليها والمعمول بها حاليا. بالنسبة لإسرائيل، هذه حاجة إدارية تتعلق بتنظيم وإدارة الحياة الصحية، التعليمية، الاقتصادية والاجتماعية لحوالى 5 ملايين فلسطيني يتوزعون بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث أن مسؤوليات إسرائيل تجاه الفلسطينيين تنبع من قوة اتفاقيات أوسلو المتفق عليها بين الطرفين.
  3. اقتصاديا: إسرائيل تفضل حالة الهدوء والاستقرار في علاقتها مع الضفة الغربية وقطاع غزة، على حالة التوتر أو الصدام. ثمة العديد من القنوات الأمنية، والعسكرية والدبلوماسية التي تربط بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بهدف الحفاظ على الهدوء والاستقرار. ومع ذلك، لا تزال إسرائيل ترى أن أهم وسيلة لتحقيق الهدوء تكمن في تحسين الحالة الاقتصادية للفلسطينيين.
  4. أمنيا: تنظر إسرائيل إلى حالة الانقسام السياسي بين فتح/ أو الضفة وحماس/ أو غزة على أنها ضرورة أمنية فتحاول أن تدفع إلى ديمومة الانقسام وتسعى بشكل مباشر أو غير مباشر لتقويض جهود المصالحة.

تنظر إسرائيل إلى التفاعلات داخل الساحة الفلسطينية في “فترة ما بعد أبو مازن” على أنها قد تسمح باستمرار الوضع القائم (لا مفاوضات و”ضم زاحف”)، أو قد تدفع إلى تهديد الوضع القائم.

سيناريوهات “فترة ما بعد أبو مازن

ترصد إسرائيل خمسة سيناريوهات محتملة في “فترة ما بعد أبو مازن”، وهي:

  1. حصول إجماع فلسطيني على خليفة أبو مازن الذي يقف على رأس السلطة الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح. إسرائيل تدرك أن نظاما سياسيا فلسطينيا مستقرا يتطلب وجود توافق على خليفة أبو مازن من قبل الأجهزة الأمنية، الفصائل الفلسطينية وأهمها حركتا فتح وحماس، مؤسسات السلطة والمجتمع المدني، الجماهير الفلسطينية، والعديد من دول المنطقة، أهمها الأردن، ومصر، والسعودية، وطبعا المجتمع الدولي، وخصوصا الولايات المتحدة.
  2. حصول انتخابات تشريعية ورئاسية. والانتخابات قد تكون في الضفة الغربية وغزة في آن واحد، أو في جانب واحد فقط. وقد تسير الانتخابات بشكل ديمقراطي بحيث تحترم جميع الأطراف مخرجاتها، أو قد تكون منصة أخرى لتعميق الانقسامات السياسية والولائية والفصائلية.
  3. في حال تعذر إجراء انتخابات في “فترة ما بعد أبو مازن”، قد تنشأ حالة من التنافس الفلسطيني الداخلي بين العديد من مراكز القوى. هذا التنافس قد ينتهي إلى واحد من الاحتمالات الآتية:
  • قد تستمر مؤسسات السلطة الفلسطينية بالعمل من خلال قيادة جماعية بحيث يتم توزيع مراكز القوى المتعلقة بالاقتصاد، الأجهزة الأمنية، البنية التنظيمية لحركة فتح (“التنظيم”)، العلاقة مع إسرائيل، شؤون المفاوضات والعلاقات الدولية، التنسيق المدني والأمني، على أكثر من مسؤول فلسطيني والذين يعملون سوية بشكل يجمع بين الانسجام والتنافس، لكنه سياق مستقر وطويل الأمد.
  • لكن قد يؤدي التنافس بين مراكز القوى الفلسطينية، أيضا، إلى الدخول في سياق طويل من الفوضى الذي يتعذر ضبطه، أو التأثير عليه، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية.
  • قد ينشأ سياق طويل من الفوضى بسبب التنافس بين مراكز القوى الفلسطينية، لكن وبدل أن تنهار السلطة فإنها قد تنقسم جغرافياً إلى عدة كيانات محلية، تشبه إدارات مستقلة للكانتونات الفلسطينية.
  • قد ينشأ سيناريو شبيه “بالانقلاب العسكري” بحيث تسيطر الأجهزة الأمنية على كل (أو بعض) المؤسسات السياسية داخل الساحة الفلسطينية، وقد تكون هذه السيطرة طويلة الأمد أو مرحلية.
  1. في مقابل كل هذه السيناريوهات، قد يظهر سياق مغاير تصل حركة حماس في نهايته إلى الحكم في الضفة الغربية. يمكن لحماس أن تسيطر على مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، إما عن طريق الانتخابات، أو عن طريق القوة العسكرية، أو من خلال صعود تدريجي يترافق مع انهيار تدريجي لمؤسسات حركة فتح بسبب تنافسات داخلية.

على إسرائيل أن تتعلم كيف تتعايش مع سلطة فلسطينية تستخدم خطابا سياسيا “هجوميا ومعاديا لإسرائيل”، على الأقل في السنوات الأولى في “فترة ما بعد أبو مازن”، لأن هذا الأمر، حسب التوصيات الإسرائيلية، قد يساهم في الوصول إلى إجماع واستقرار فلسطيني داخلي

تحاول التقارير الإسرائيلية أن تقدم قراءة مستقبلية لـ “فترة ما بعد أبو مازن” من خلال وضع مؤشرات لأرجحية كل سيناريو وحظوظ تحققه. كما أن هناك تفضيلاً إسرائيلياً لسيناريوهات معينة مقابل عدم تفضيل سيناريوهات أخرى، على النحو الآتي:

  1. السيناريو الأكثر تفضيلا هو استمرار وجود سلطة فلسطينية فاعلة وتقيم علاقات تنسيق مدني وأمني مع إسرائيل. هذا يعني وجود حكومة فلسطينية قادرة على توفير الخدمات العامة للفلسطينيين، وتحتكر استخدام القوة (باعتبارها “الشرعية الوحيدة”) في الساحة الفلسطينية الداخلية. تفضل إسرائيل هذا السيناريو كونه يتيح وجود عنوان فلسطيني رسمي ومعترف به دوليا.
  2. السيناريو الأقل تفضيلا هو وجود سلطة فلسطينية فاعلة على الصعيد الفلسطيني الداخلي، وقادرة على توفير الخدمات العامة للفلسطينيين، ولكنها تتحول إلى معادية لإسرائيل. هذا قد لا يعني قطيعة نهائية في العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بقدر ما يعني عدم وجود سياسة فلسطينية عامة لتنظيم التواصل والتعاون مع إسرائيل، سياسيا، اقتصاديا، أمنيا، أو مدنيا. وقد يعني الأمر زيادة احتمالية حصول احتكاكات عسكرية بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، سواء بسبب التنافس الفلسطيني الداخلي، أو بسبب تحولات في استراتيجيات السلطة. في المقابل، بجعبة إسرائيل العديد من الأدوات الفعالة لضبط هذه الحالة غير المرغوبة بالنسبة لها، بحيث أن أحد أهم هذه الأدوات يتمثل في الاقتصاد الفلسطيني الذي تتحكم إسرائيل بكافة مفاصله، خصوصا المقاصة، المعابر والحدود التجارية، مشكلة البطالة/ العمالة الفلسطينية.
  3. السيناريو الذي تتخوف منه إسرائيل هو انهيار السلطة الفلسطينية. وبينما أن “انهيار” السلطة الفلسطينية يعتبر مفهوما فضفاضا، فإن الأمر بالنسبة لإسرائيل قد يعني عجز مؤسسات السلطة وأجهزتها عن فرض السيادة على مساحات أساسية داخل مناطق “أ” ومناطق “ب”. أو قد يعني الوصول إلى وضع تعجز فيه كل (أو بعض) مؤسسات السلطة عن تقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة، التعليم، الاقتصاد، إدارة البنوك، وغيرها.
إقرأ على موقع 180  مباط عال: هل يمكن تهيئة الأرضية لإتفاق لبناني إسرائيلي؟

التوصيات الإسرائيلية

تقدم مراكز الأبحاث المقربة من دوائر صناعة القرار في إسرائيل العديد من التوصيات التي تصوغها بشكل عام بدون الغوص في تفاصيل هذه التوصيات.

أولا، على المستويات التنفيذية في إسرائيل أن تدعم حالة من الاستقرار في الساحة الفلسطينية الداخلية من خلال عدم التدخل بشكل مباشر في خيارات الفلسطينيين في “فترة ما بعد أبو مازن”.

ثانيا، لا يجب على إسرائيل أن تقوم بخطوات أحادية الجانب تتعلق بمصير الأراضي المحتلة والتي قد تعقد الوصول إلى إجماع فلسطيني على قيادة سياسية واحدة للمرحلة القادمة.

ثالثا، في كل الأحوال، على إسرائيل أن تحافظ على “حرية عملها العسكري” داخل مناطق الحكم الذاتي.

رابعا، تذليل أكبر قدر من العقبات الاقتصادية، خصوصا المتعلقة بالحركة والتجارة، والمقاصة، قد يكون له دور إيجابي في الوصول إلى استقرار فلسطيني سياسي.

خامسا، على إسرائيل أن تدعم مؤسسات السلطة الفلسطينية وتكف عن اتخاذ الإجراءات التي تساهم في إضعافها أو إحراجها.

سادسا، على إسرائيل أن تتعلم كيف تتعايش مع سلطة فلسطينية تستخدم خطابا سياسيا “هجوميا ومعاديا لإسرائيل”، على الأقل في السنوات الأولى في “فترة ما بعد أبو مازن”، لأن هذا الأمر، حسب التوصيات الإسرائيلية، قد يساهم في الوصول إلى إجماع واستقرار فلسطيني داخلي.

سابعا، على إسرائيل أن تستنفد كل القنوات والعلاقات التي تربطها مع الدول العربية المجاورة، والمجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي، والمؤسسات الدولية (سواء الاقتصادية، أو الإغاثية، أو السياسية)، والتي قد تتقاطع مصالحها مع إسرائيل في ما يتعلق بضرورة الحفاظ على حالة استقرار في “فترة ما بعد أبو مازن”.

في هذا السياق، ترى إسرائيل أن لديها سلتان من الأدوات (سلة أدوات “عسكرية” وسلة أدوات “قوة ناعمة”)، والتي من خلالها يمكن أن تلعب دورا معينا في التأثير في مرحلة ما بعد أبو مازن:

أولاً، سلة الأدوات العسكرية:

تنبع بالأساس من قدرة إسرائيل على العمل العسكري في قلب مناطق السلطة الفلسطينية. كما أن إسرائيل تعتقد أن مفهوم التنسيق الأمني يقوم على الحفاظ على حالة من الهدوء في المنطقة، وبالتالي تعتقد إسرائيل أنها قادرة على “استغلال” قنوات التنسيق الأمني بأشكال مختلفة. كما أن إسرائيل قد قطعت شوطاً كبيراً في صياغة خطة عسكرية “دفاعية – هجومية” يقودها الجيش الإسرائيلي في حال خرجت الأمور عن السيطرة في “فترة ما بعد أبو مازن”، وتشمل تنفيذ اعتقالات لأطراف “إشكالية”، حسب التعبير الإسرائيلي، أو تفكيك مؤسسات، أجهزة، هياكل غير مرغوبة.  بيد أن التقارير توصي بعدم قيام إسرائيل باستخدام هذه الأدوات العسكرية لما للأمر من انعكاسات على “الشرعية” التي قد يمنحها الفلسطينيون لأي سيناريو مستقبلي.

ثانياً، سلة الأدوات التي يمكن تسميتها “القوة الناعمة”:

تبدو هذه الأدوات أكثر تفضيلا للاستخدام، من وجهة نظر التقارير الإسرائيلية. وتشمل هذه السلة سعي إسرائيل لـ “توجيه” دور الوساطة الذي قد يقوم به المجتمع الدولي و/ أو الدول الإقليمية والعربية. كما أن الأدوات الإسرائيلية في التحكم في الاقتصاد الفلسطيني قد يتم استخدامها بشكل يعزز/ يقوض سيناريوهات مختلفة في “فترة ما بعد أبو مازن”. كذلك فإن الأدوات الناعمة قد تتطلب وجود “مرونة” لدى إسرائيل في ما يخص توسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية في “فترة ما بعد أبو مازن” على مساحات إضافية في المنطقة “ج” أو السماح للسلطة الفلسطينية بتطوير بنى تحتية حيوية لم تكن متوفرة في فترة أبو مازن. وبما أن إسرائيل هي الوحيدة القادرة على “منح” هاتين المسألتين (أجزاء من مناطق “ج” أو بنى تحتية حيوية)، فإنها قد تستخدمهما بشكل انتقائي بناء على قبولها أو عدم قبولها للسيناريوهات التي قد تتطوّر في “فترة ما بعد أبو مازن”.

(*) المصدر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  عبداللهيان: قطر وتركيا حاولتا إقناعنا بالتخلي عن الأسد عام 2012