في التوقيت، منذ أن تسلّم سلطان عُمان منصبه قبل ثلاث سنوات، كان يجري الحديث عن زيارة له إلى طهران، إلى أن حسمت السلطات العمانية موعد الزيارة، وحسب الصحافة الإيرانية، فإن متابعة اثنتي عشرة صفقة تجارية وسياسية بين ايران والسلطنة تم إبرامها أثناء زيارة الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي إلى سلطنة عمان قبل عام من الآن، هي من بين أبرز النتائج، لكن ذلك لا يُغفل حقيقة أن السلطان هيثم بن طارق ناقش مع الجانب الايراني إمكان استئناف المفاوضات النووية وحتى إمكان فتح باب المفاوضات المباشرة بين مسؤولين ايرانيين من جهة ومسؤولين أوروبيين وأميركيين من جهة ثانية. كما تباحث مع المسؤولين الإيرانيين في إمكان قيام بلاده بإجراء صفقة لتبادل السجناء بين ايران والولايات المتحدة على أمل أن تكون هذه الصفقة هي المدخل لتحريك المياه الراكدة في المفاوضات الايرانية الغربية.
وحسب الصحافة الإيرانية، تطرق سلطان عُمان إلى ملفات هامة يأتي في مقدمها إمكان استئناف العلاقات الايرانية ـ المصرية والعمل على وضع خطة لإنهاء الحرب اليمنية في ظل الإتفاق الايراني ـ السعودي الأخير، الأمر الذي رحبت به ايران بشدة لأن ايران تدرك أن هذه الملفات إذا كتب لها أن تنجح، فإنها ستساعد في ترسيخ العلاقة الايرانية ـ السعودية وبالتالي علاقات ايران مع محيطها العربي والخليجي.
وكانت مسقط قد إستضافت في الشهور الأخيرة إجتماعات عمل إيرانية ـ مصرية وإيرانية ـ أردنية، جاءت إستكمالا لتلك التي عقدت في بغداد سابقاً، على هامش إستضافة حكومة مصطفى الكاظمي للإجتماعات الإيرانية ـ السعودية. كما إستضافت مسقط إجتماعات أمنية سورية أميركية ظلّت بعيدة عن الأضواء. وزارت مسقط خلال الأشهر الماضية وفود إيرانية وأميركية، وبحسب محللين إيرانيين، فإن زيارة السلطان هيثم بن طارق تحمل في طياتها رسالة تشير إلى إحراز تقدم كبير في هذه المفاوضات على أكثر من خط، ولا سيما لجهة إعادة تنشيط خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي).
وكتبت صحيفة “هم ميهن” في تقرير بعنوان “هدية تذكارية للسلطان” إن العمامة البيضاء التي يرتديها السلطان “علامة على السلام والمصالحة في الثقافة العمانية، وتعتبر هذه الرحلة التي تم التخطيط لها منذ فترة طويلة وتم تأجيلها أكثر من مرة، رحلة مهمة ومؤثرة من أجل اتخاذ خطوات إيجابية لحل القضية النووية الإيرانية وكذلك لتطبيع العلاقات بين إيران والدول العربية”.
وتضيف الصحيفة أنه على الرغم من أن سلطنة عمان تواصل نشاطها دائماً بدبلوماسية غير معلنة حتى تتوصل إلى نتائج ملموسة، إلا أن المؤشرات “تدل على أن سلطنة عمان دخلت دخلت ساحة الوساطة وربما يكون سلطان عُمان قد دخل إلى بلادنا برسائل جديدة. فقد شهدنا قبل أيام الإفراج عن دبلوماسي إيراني من بلجيكا ومواطن بلجيكي من إيران، وذلك بجهود ودعم سلطنة عُمان”.
واستشهد أحمد زيد أبادي المحلل السياسي في صحيفة “هم ميهن” بما قاله وزير خارجية عُمان من أنه لدى السلطان هيثم “العديد من القضايا على جدول أعماله مثل أمن مضيق هرمز، وعملية تطبيع علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي، وانهاء الحرب الأهلية اليمنية، وإقامة علاقات بين القاهرة وطهران. ويمكن اعتبار مصير المفاوضات المتعلقة بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة والاتصال المباشر بين إيران وواشنطن والعلاقات الثنائية بين البلدين من أهم الأمور في جدول اعمال سلطان عُمان في طهران”.
وفي صحيفة “إيران”، قال مصطفى مصلح زاده، سفير إيران السابق في الأردن والخبير في الشؤون الإقليمية إن سلطنة عُمان تتطلع حالياً إلى تنفيذ العديد من المشاريع الكبيرة مثل استئناف العلاقات بين إيران ومصر، وحل الملف النووي وكلما وصلت المفاوضات النووية إلى طريق مسدود حاول العُمانيون اتخاذ خطوة لحلها. الآن وقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود ولم يعد الأميركيون والأوروبيون مستعدين للاعتراف بحقوق إيران النووية وفي هذه الظروف يتوسط العمانيون بين الاطراف للتوصل إلى نتيجة مطلوبة وجديدة ويحاولون حل هذه المشكلة بدورهم في الوساطة.
وقال عبد الرضا فرجي راد، أستاذ الجيوبوليتيك والسفير السابق لإيران لدى النرويج، لـ”موقع انتخاب” إنه كان من المفترض أن تتم رحلة سلطان عُمان من قبل، “لكنها تأخرت”، أما سبب تأجيلها، فيعود “إلى حقيقة أن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، بوساطة عمان، لم تسفر عن أي نتيجة. لكن الآن وبعد زيارة سلطان عُمان أشعر أن المفاوضات وصلت إلى مراحل معينة ومهمة ويجب اتخاذ قرارات أكثر أهمية، لذا في رأيي تتعلق الرحلة بالمحادثات التي دارت في الأشهر الثلاثة الماضية بشأن الملف النووي بواسطة عمان”.
واعتبر المحلل السياسي فريدون مجلسي أنّ زيارة سلطان عمان “هي فرصة عظيمة بقدرات محدودة”، مؤكداً أنّ مسقط “تتحدث نيابة عن جميع دول الخليج”.
وفي مقال له في صحيفة “تجارت” الاقتصادية، قال مجلسي إنّ هذه الدول تشعر بخطر على مستقبلها من مقاربات إيران، مما يستوجب عليها أن تتجنّب أي نوع من التصعيد والحروب، وعبّر عن أمله بأن تكون زيارة السلطان “مقدمة لعودة السلام ووقف الأعمال العدائية في المنطقة”، مشيراً إلى أنّ إيران بحاجة إلى إحياء الاتفاق النووي مع إحياء علاقاتها مع دول المنطقة، والعودة إلى الأسواق المزدهرة في أقرب وقت ممكن.
بدوره، رأى الباحث الإيراني في الشؤون الإقليمية ميثم غفار نجاد في مقال بصحيفة “جوان” المحافظة أنه يمكن تحليل زيارة سلطان عُمان الأخيرة إلى إيران وتقييمها بوضوح من خلال محاور عديدة. الأول، العلاقات الثنائية، ولا سيما عقد الغاز بين إيران وسلطنة عُمان الذي أُبرم عام 2005 وتم تجديده عام 2013، والذي لم يُنفَّذ نتيجة الضغوط الأميركية والإماراتية. الثاني، يتعلّق بالمنطقة، وأهم موضوعاته العلاقة مع مصر، التي أعلنت بالتوازي اهتمامها بتوسيع العلاقات مع إيران. الثالث، يتعلّق بالعملة الأجنبية، مرجّحاً أن يكون فتح موارد النقد الأجنبي من الجانب العراقي إحدى نتائج هذه الرحلة. أما المحور الرابع، وفق ميثم غفار نجاد، فيعود إلى المستوى الدولي، وأهم مواضيعه الاتفاق النووي ودور عمان في المفاوضات النووية، وكذلك دورها في تبادل الأسرى بين إيران وبلجيكا. وأشار إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من مليار و330 مليون دولار عام 2021، اي هناك زيادة بنسبة 50-60٪. (المصادر: الصحف الإيرانية وموقع جاده إيران).