ثمة معطيات وتسريبات كثيرة، غداة زيارة السلطان هيثم في مطلع الشهر الحالي، تشي بأنها أحدثت خرقاً في جدار الإنسداد الدبلوماسي التفاوضي المستمر منذ إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل 15 شهراً.
للتدليل على هذا الواقع، يمكن رصد وسائل الإعلام الاسرائيلية التي ضجّت بالتسريبات حول إحتمال التوصل إلى إتفاق نووي ايراني ـ أمريكي، قال البعض إنه “إتفاقاً مؤقتاً” وقال البعض الآخر إنه مجموعة إجراءات متزامنة، على قاعدة “خطوة مقابل خطوة”، غير أن تصريحات رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتدحرجة يومياً، تشي بانزعاج تل أبيب الواضح من الأجواء الإيجابية التي تلوح في أفق العلاقات الأمريكية الإيرانية وصولاً إلى محاولة أجهاض أي فرصة قد تؤدي إلى إتفاق من أي نوع كان بين ايران وأمريكا، وبلغ الأمر حد قول مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة «يسرائيل هيوم» إن «إيران تدرك جيداً أنها إذا أقبلت على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة، وهي الدرجة المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية، فإنها تكون بذلك قد تجاوزت (الخط الأحمر) الذي تضعه إسرائيل. وستواجه عندها ضربة إسرائيلية قاسية”.
وللمرة الأولى، وبشكل حاسم لا يقبل الإلتباس، خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، للقول بوجود مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن. وقال: “إذا كانت أميركا جادة، فسيتم قريبا تبادل السجناء بين البلدين”، وأشار إلى أن هذا المسار إنطلق منذ أسابيع بوساطة عُمانية، وأكد أن أساس المفاوضات هو الإتفاق النووي المُوقع، في إشارة إلى أن طهران ليست بوارد البحث عن “إتفاق مؤقت” أو أي شيء آخر غير إتفاق 2015.
يصبح الوقت الضائع في الماراتون النووي ضد الجميع إلا إيران، ففي الوقت الذي تسعى طهران إلى بلوغ القمة في الصناعات النووية السلمية، إلا أن ما يفصلها عن القنبلة النووية هي شعرة واحدة فقط، وعندها سيكون القرار بيد القيادة السياسية والعسكرية الايرانية في الحفاظ على هذه الشعرة أو تجاوزها
يقودنا ذلك إلى أن ثمة وقت أضاعه الغرب من لحظة وقف المسار التفاوضي إلى يومنا هذا، لا بل من لحظة إدارة الولايات المتحدة ظهرها للإتفاق النووي في عهد دونالد ترامب في العام 2018. بهذا المعنى، تقول طهران إن الماراتون النووي لا يمكن كسبه إلا بالعودة الكاملة إلى مندرجات إتفاق العام 2015. ما عدا ذلك ليس لمصلحة الجميع. صحيح أن إيران لا تريد تصنيع قنبلة نووية لأنها أعلنت مراراً وتكراراً أنها لا تسعى لذلك، إلا أن الغريب في الأمر هو إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تبرير العقوبات الإقتصادية التي تفرضها على طهران استناداً إلى الإتهامات الإسرائيلية بأن إيران تسعى وراء القنبلة النووية!
هكذا، يصبح الوقت الضائع في الماراتون النووي ضد الجميع إلا إيران، ففي الوقت الذي تسعى طهران إلى بلوغ القمة في الصناعات النووية السلمية، إلا أن ما يفصلها عن القنبلة النووية هي شعرة واحدة فقط، وعندها سيكون القرار بيد القيادة السياسية والعسكرية الايرانية في الحفاظ على هذه الشعرة أو تجاوزها، ولذلك تتكرر دعوة الإيرانيين إلى الغرب لإنتهاز فرصة إعادة إحياء الإتفاق النووي 2015 قبل فوات الأوان.
في هذا السياق، جاءت المبادرة التي أطلقها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي مخاطباً الغرب “ترغبون في الاتفاق حول بعض المجالات، فلا حرج في الاتفاق، لكن يجب عدم المساس بالبنية التحتية للصناعة النووية”، وقال إن ايران “مستعدة لإنجاح أي إتفاق مع الغرب شرط أن تكون المفاوضات عادلة ولا تتعارض مع القوانين الداخلية الايرانية وتحافظ على البنية التحتية والإنجازات النووية”.
نعم، قالها خامنئي بوضوح وبعبارات لا تحتمل التأويل، داعياً الدول الأوروبية وأمريكا إلى التعامل بواقعية مع الملف الايراني، واعتبر أن المخاوف التي تتحدث عنها الدول الغربية حيال سعي ايران لإنتاج أسلحة نووية “غير حقيقية”، وقال: “هم يعلمون جيداً أننا لا نبحث عن إنتاج الأسلحة النووية وهذا ما اعترفت به أجهزة الاستخبارات الأمريكية في أكثر من مناسبة في الشهور الأخيرة وأكدوا أنه لا يوجد أي دليل يشير إلى توجه طهران نحو صناعة الأسلحة النووية”.
واعتبر خامنئي أن إنتاج أسلحة الدمار الشامل (سواء النووية منها أم الكيماوية) يتعارض مع تعاليم الإسلام وقال: “لو لم تكن التعاليم الإسلامية ولو كانت لدينا الإرادة لإنتاج الأسلحة النووية لفعلنا ذلك والأعداء يدركون جيداً أنه لن يكن بمقدروهم منعنا من ذلك”.
وحدّد المرشد الايراني بوضوح الخطوط التي تجب مراعاتها في أي إتفاق محتمل بين ايران والغرب حول البرنامج النووي، وذلك بحضور جميع المسؤولين في منظمة الطاقة النووية الايرانية، وقال إن الصناعة الوطنية النووية في ايران هي إحدى مواضع القوة الأساسية وتمنح ايران مكانة عالية في المنطقة والعالم وتلعب دوراً بارزاً في السياسة الداخلية والخارجية الايرانية وبالتالي هي وسام فخر للشعب الايراني ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تدمرها، ودعا الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن تفي بوعودها لإعادة بناء الثقة بينها وبين ايران، في اطار اتفاقية الضمانات الدولية الشاملة.. وقال إن طهران لن تقبل بأي تعهدات تتجاوز حدود هذه الإتفاقية الدولية، وشدد على أن هدف الصناعة النووية السلمية في إيران هو إحداث قفزات نوعية في مختلف المجالات العلمية والزراعية والإقتصادية وإنتاج 20 ألف ميغاواط من الكهرباء.