كانت الطرق مغلقة والمؤشرات تؤكد أن الصدام قادم بلا محالة وأشباح الحرب الأهلية تخيم فى المكان.
أرجو ألا ننسى أن قطاعات واسعة من الرأى العام ألحت على تدخل الجيش خشية الاحتراب الأهلى، أو الانزلاق إلى المجهول.
تعطيل المسار السياسى تتحمله الجماعة قبل غيرها.
هذه حقيقة لا يصح إنكارها.
ارتكبت كل الأخطاء الممكنة لاستنفار طاقة إطاحتها من الحكم، استهانت بالقوى السياسية المدنية وجماعات الشباب وعملت على «أخونة الشرطة» وتحرشت بالجيش واستعدت قطاعات واسعة من الرأى العام بعضلات القوة دون كفاءة السياسة.
تصورت أن بوسعها التكويش على السلطة والإمساك بمفاصلها ومصادرة فكرة الثورة نفسها فى الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، كما طمحت «يناير».
كانت آخر من دخل ميدان التحرير وأول من خرج منه.
بتصريح واضح لا لبس فى حروفه ورسائله ومراميه صرح عضو مكتب الإرشاد الدكتور «عصام العريان» لصحيفة «الحياة» اللندنية أن جماعة الإخوان المسلمين مستعدة للاعتراف بـ«إسرائيل» واحترام المعاهدات الموقعة معها فور وصولها إلى الحكم
فى ذروة الثورة حاولت الجماعة عقد صفقة ما مع نائب الرئيس اللواء «عمر سليمان».
الصفقات من طبيعة تاريخ الجماعة، وقد وصلت ذروتها فى سنوات ما قبل «يناير».
أبرمت عام (2005) صفقة انتخابية مع نظام الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» حصدت بمقتضاها (88) مقعدا فى المجلس النيابى.
كانت تلك فضيحة متكاملة الأركان وتواطؤ مشترك على أية تطلعات ديمقراطية.
ضم فريق التفاوض عن جماعة «الإخوان» ثلاثة من أكبر قياداتهم، النائب الأول للمرشد «محمد حبيب»، والنائب الثانى «خيرت الشاطر»، وعضو مكتب الإرشاد الدكتور «محمد مرسى»، الذى تولى رئاسة الجمهورية لعام واحد فيما بعد.
السؤال الذى غابت إجابته فى جميع الشهادات والاعترافات: ما الثمن الذى تقاضاه نظام «مبارك» مقابل النسبة العالية من المقاعد التى حازها «الإخوان» فى انتخابات (2005)!
كان النظام قلقا من فكرة بناء جبهة ديمقراطية واسعة تشمل الأحزاب الرئيسية والحركات الاحتجاجية وجماعة «الإخوان المسلمين» لخوض الانتخابات التشريعية الوشيكة.
حاول بكل الطرق إجهاض هذه الفكرة، ضغط على مفاصل رئيسية، وتركز الضغط على جماعة «الإخوان المسلمين»، فهى الأكثر تنظيمًا وحجمًا وتهيؤًا لخوض الانتخابات، والأكثر فى نفس الوقت استعدادًا للمقايضة والمساومة على حساب الحلفاء المدنيين المفترضين.
لم يكن لدى النظام مانع فى صفقة ما مع الجماعة مقابل خروجها من مشاورات الجبهة، التى احتضنها رئيس حزب الوفد فى ذلك الوقت الدكتور «نعمان جمعة»، وترأس اجتماعاتها الدكتور «عزيز صدقى» رئيس وزراء مصر الأسبق.
كانت تلك ضربة موجعة لمشروع التغيير السلمى الديمقراطى.
فى عام (2010) تردد داخل أروقة الجماعة أنها ربما تكون على وشك الانهيار النهائى.
لم يكن الحجم، الذى أخذته الجماعة بعد «يناير»، تعبيرا عن قوتها بقدر ما كان انعكاسا لضعف الآخرين.
استثمرت تفريغ الحياة السياسية، الذى أمعن فيه نظام «مبارك»، للتمدد والانتشار والتمكين.
بعقلية الصفقة وجدت أمامها فرصة جديدة للاقتراب من اللاعب الأمريكى إثر احتلال العراق عام (2003).
فى ذلك الوقت بدأ الأمريكيون يفكرون فى مقاربات جديدة يتخلون بمقتضاها عن النظم المستهلكة فى الشرق الأوسط وكان الرهان على ما يسمى بـ«الإسلام الوسطى» حاضرا بقوة.
فيما صرح به المرشد العام «مهدى عاكف» أنه تلقى اتصالًا من أحد قيادات «الإخوان» بالخارج، لم يفصح عن اسمه، يدعوه إلى حوار فى القاهرة بين «الإخوان» وبعض القيادات الأمريكية فى حضور السفير الأمريكى السابق «ديفيد وولش»، المكلف وقتها بملف الشرق الأوسط.
لم يكن السفراء والدبلوماسيون الغربيون بالقاهرة مرتاحين لإشارات تصدر من واشنطن وبروكسل عن حوارات جرت، أو قد تجرى بين الإدارة الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبى، مع جماعات إسلامية خاصة «الإخوان المسلمين».
كان تقدير الدكتور «هيو روبرتس» مدير مشروع شمال أفريقيا فى مجموعة الأزمات الدولية ICG عند منتصف العقد الأول من القرن الجديد أن موقف الدبلوماسيين الغربيين بالقاهرة مفهوم وطبيعى نظرًا لما هو مطلوب منهم من أدوار فى تحسين العلاقات بين الدول والحفاظ عليها دون توترات قد تضر بمصالح استراتيجية.
لم يكن ممكنا أن تصل الجماعة إلى السلطة العليا فى مصر دون دعم وضغط أمريكيين على مركز صنع القرار فى ذلك الوقت.
هذه حقيقة ثابتة بصورة لا تسمح بأى تشكيك فيها
فى ٢٠٠٥سألت «هيو روبرتس» وموقعه فى أحد المراكز البحثية الدولية المرموقة يمكنه من أن يقترب من دوائر صنع القرار: هل هناك قنوات حوار غير معلنة بين الإخوان المسلمين فى مصر والإدارة الأمريكية؟
كانت إجابته: «ليس لدي ما يؤكد أن هذا الحوار قد بدأ فعلًا بأفقه الجديد، الذى دعت إليه «كونداليزا رايس» وقيادات فى الاتحاد الأوروبى.. لكن ما أستطيع أن أؤكده أن هناك طريقتين فى التفكير داخل دوائر صنع القرار، بل وداخل مؤسسات التفكير والأبحاث الأمريكية والغربية.
الأولى، تحاول أن تبحث فى الدستور عن مساحة لوجهة نظر إسلامية تدمج التيار الإسلامى فى بنية المجتمع المدنى والسياسى.
والثانية، تنظر للمشكلة من زاوية الجغرافيا السياسية، أو من وجهة نظر غربية محضة».
كان اعتقاد الدكتور «روبرتس» أن الحوار المطلوب من «كونداليزا رايس» ليس استكشاف التيار الإسلامى، وإنما العمل على ضمه إلى صفوف السياسة الأمريكية، لا تقبله كما هو، بل تطويعه لما تريد الولايات المتحدة.
بتصريح واضح لا لبس فى حروفه ورسائله ومراميه صرح عضو مكتب الإرشاد الدكتور «عصام العريان» لصحيفة «الحياة» اللندنية أن جماعة الإخوان المسلمين مستعدة للاعتراف بـ«إسرائيل» واحترام المعاهدات الموقعة معها فور وصولها إلى الحكم.
كانت تلك إشارة لافتة للإنتباه على سطح الحوادث لعمق تفاهمات تجرى فى الكواليس استعدادا للحظة ما قد تصعد عندها الجماعة إلى السلطة بدعم أمريكى وأوروبى ورضا إسرائيلى.
لم يكن ممكنا أن تصل الجماعة إلى السلطة العليا فى مصر دون دعم وضغط أمريكيين على مركز صنع القرار فى ذلك الوقت.
هذه حقيقة ثابتة بصورة لا تسمح بأى تشكيك فيها.
فى تجربة السلطة، التى استغرقت عاما واحدا، اتسع نهج التنكر للوعود حتى وصل إلى محاولة فرض الدستور بلا أدنى توافق مع القوى المدنية، أو الشركاء فى الوطن.
كان ذلك داعيا إلى اتساع نطاق الاحتجاجات ونشأة «جبهة الإنقاذ الوطنى» كإطار سياسى جامع لموجات الغضب.
أفضى التلويح بالعنف واستخدامه على نطاق واسع ضد معارضيها المدنيين والاستهتار بأية قواعد دستورية أو قانونية إلى شيوع أجواء الكراهية فى البلد كله.
هكذا انفسح المجال واسعا لصدام محتم.
(*) بالتزامن مع “الشروق“