

استحوذت زيارة دونالد ترامب على حيز كبير من اهتمام الصحافة العبرية، لا سيما كتبة الأعمدة الذين عزا معظمهم ما حصل إلى تعنت رئيس حكومتهم بعدم وقف الحرب على غزة واستمراره في خطة “مركبات جدعون” لتحقيق “النصر الكامل”، علماً أن وقائع الساعات الأخيرة تشي باحتمال تأجيل هذه العملية وإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة.
ويرى البروفيسور ابراهام بن تسفي، الخبير في الشؤون الأميركية، في “يسرائيل هيوم”، “أن ترامب و(مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف) ويتكوف على حد سواء، يصعب عليهما أن يفهما المنطق الاستراتيجي القاضي باستمرار المراوحة الإسرائيلية في المستنقع الغزي، ما يبدو في نظرهما كقتال عديم الغاية والجدوى”، ويضيف الكاتب أن “إسرائيل لم تكن أبداً جمهورية موز تقول نعم، هكذا يظهر التاريخ. أما الآن فيبدو أنه يوجد تطابق بين رؤية الأهداف الاستراتيجية لإدارة ترامب وبين مواقف جماهير واسعة في إسرائيل. هذا الواقع سيُصعّب على نتنياهو أن يقود ضد البيت الأبيض الحالي معركة سياسية كتلك التي أدارها ضد إدارة (الرئيس الأميركي الأسبق) باراك أوباما، إذ أنه هو وحكومته، الذين وضعوا في رأس سلم اولوياتهم بقاءهم السياسي يفتقرون لدعم إسرائيلي داخلي واسع بما يكفي كي يفعلوا هذا بنجاح وبمدى بعيد”.
وفي المقابل، عنوّن الكاتب في “يديعوت أحرونوت”، نوعا درومي، القريب من رئيس الحكومة، مقالته “تقزيم نتنياهو يعني تقزيم إسرائيل”، واعتبر أن الشامتين بنتنياهو “لا يدركون أن تصرُّف ترامب، بتجاهُله نتنياهو، هو فعلياً تصرُّف يتجاهل إسرائيل نفسها”. ومن ثم يردف “ما الذي ينساه الشامتون أيضاً؟ ينسون أنهم، على الرغم من صعوبة تصديق ذلك، فإنهم يعلّقون آمالهم على احتمال أن يتحوّل ترامب إلى رئيس مُعادٍ، لكننا في إسرائيل نملك خبرة طويلة مع رؤساء مُعادين. كان لدينا أوباما، وبايدن، وفي حال ابتعد الرئيس الأميركي عن إسرائيل، وعن مصالحها، إذا حدث هذا أصلاً، فإن التزام إسرائيل تجاهه سيتقلص بالمثل. ومثلما فعلت إسرائيل حين لم تُطلع بايدن دائماً على خطواتها، ومثلما كانت علاقاتها متوترة بإدارات أميركية أُخرى، فهي قادرة على التعامل مع تحديات إضافية مستقبلاً”.
أما زميله في “يسرائيل هيوم” يوآف ليمور، الرأي، ويرى “أننا (الإسرائيليون) أمام خيار بين أن نكون محقين وأن نكون حكماء. الأمل في أن يسمح ترامب لإسرائيل بأن تكون كلاهما معاً خاب لكن ترامب نفسه لا يزال فرصة كبرى: إذا سار نتنياهو ضده – فقد يكون الثمن باهظاً وأليماً. إذا سار معه – لن تكون حدود للمكاسب التي يمكن لإسرائيل أن تستمدها. كما هو الحال دوماً هذا يبدأ بالمخطوفين الذين تهتم إدارة ترامب لمصيرهم أكثر بأضعاف من الحكومة التي تركتهم لمصيرهم. كان يكفي أن نرى المبعوث ستيف ويتكوف ينزع من رقبته سلسلة نجمة داود التي كانت لابنه الراحل ويعطيها لعيدان ألكسندر – بادرة إنسانية بسيطة نتنياهو ووزراؤه لن يتخذوا مبادرة مثلها أبداً”.
ويستغرب ليمور أن لا يكون لإسرائيل كلمة في صفقة كبرى غير مسبوقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وإذ يرى أن “من شأنها (الصفقة) أن تُشكل تهديداً لدولة إسرائيل”، يختم مقالته بأنه “بينما يعاد تصميم الشرق الأوسط من جديد أمام ناظرينا في سلسلة من الاتفاقات واللقاءات، بقيت إسرائيل كمراقبة في أفضل الأحوال وكمتضررة في أسوأ الأحوال”.
ساعة نتنياهو لا تدقّ
من جهته، تامير هايمن، دعا في مقالة له في “قناة N12″، قُبيل استعداد الرئيس الأميركي لزيارة الخليج، حكومة نتنياهو إلى “أن تطرح خطة خاصة بها لاتفاق نووي مقبول منها، ويكون واقعياً، يمكننا التوصّل إليه، ويمنع الحرب. على سبيل المثال، يمكن لإسرائيل أن تدعم فكرة بنك وقود نووي إقليمي تحت الرقابة، يخدم دول الخليج كلها. وإلّا فإن ترامب يمكن أن يوقّع اتفاقاً سيئاً، ولن يبقى لنا إلّا إبداء امتعاضنا”. ومن ثم يتأسف الكاتب “نحن لسنا في الملعب. بل نشاهد دوري الأبطال، بانتظار انتهاء اللعبة، بعدها، سنعود إلى حيّنا، ونلعب على الأسفلت الساخن – لعبة عنيفة ومحلية، ستنتهي بإصابات تلحق بالجميع. وكالعادة، تخضع السياسة الإسرائيلية لرغبات القوى العظمى، وللقوة. ويبدو كأن السيناريو السلبي أعلى بأضعاف مضاعفة من السيناريو الإيجابي”.
وتوافقه الصحفية آنا برسكي الرأي في “معاريف”، لجهة دور إسرائيل الذي يقتصر على المراقبة أو المشاهدة من بعيد، بقولها “صفقات سلاح خيالية بقيمة نحو 142 مليار دولار، طلب 30 طائرة بوينغ 737 في أثناء زيارة دونالد ترامب كبادرة طيبة للضيف المحترم، طائرة رئاسية جديدة وحتى نمر عربي هدية على شرف الرئيس – هذه هي القائمة الجزئية للانجازات. الاتفاقات والهدايا التي تمكن الرئيس الأمريكي من الحصول عليها في اليوم الأول لزيارته السياسية في الشرق الأوسط. القائمة الرائعة بالتأكيد ستتسع في سياق الحدث. ترامب، فنان الصفقات الكبرى، وصل إلى الشرق الأوسط كي يجني المال ويترك الأثر. حتى الآن هو بالتأكيد ينجح في المهمتين. من ينظر إلى الجانب، مشاهد خارجي فقط، يتابع لكن لا يشارك – هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو”.
من جهته، يُعزي يوسي شاين السبب في تراجع موقع بيبي لدى ترامب، في مقالة له في “قناة N12″، إلى أن “نتنياهو والمقربين منه نسوا أن ترامب لا يركز على الأيديولوجيا. ففي رأيه، يجب أن تُترجم القوة سريعاً، وبشكل واضح، في المجالين الاقتصادي والجيوسياسي، الجيدَين لأميركا. صحيح أنهم بدأوا بسياسة فوضى وعدوانية، لكنهم عادوا إلى المسار سريعاً، ويحصلون الآن على إنجازات، كرجال أعمال. على الساحة الدولية، قام ترامب بإذلال (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، لكنه وقّع اتفاقية معادن مع أوكرانيا؛ حتى أنه تصالح مع رئيس حكومة كندا الجديد الليبرالي؛ ووقّع مع بريطانيا اتفاق ضرائب؛ وبعد النزاع الكبير مع الصين، انتقل إلى مرحلة التنازلات؛ وسوق الأسهم الذي انهار في آذار/مارس، عاد إلى الشاشات الخضراء، مثلما وعد المخلّص؛ ووقّع ترامب اتفاقاً مع الحوثيين أيضاً. إنه يحب تقليل الخسائر وتعريف ذلك بأنه انتصار – فأعداء الأمس هم الشركاء التجاريون اليوم”. ويختم الكاتب بالقول “ساعة نتنياهو لا تدقّ بذات وتيرة واتجاه الرئيس الأميركي، ولا يبدو كأنه توجد إنجازات حقيقية في الأفق”.
نتنياهو يُفوّت الفرصة!
وبدورهما، الباحثان عاموس يادلين وأودي أفينتال، لا يقطعان الأمل لجهة استدراك ما فات إسرائيل، وذلك في مقالة مشتركة لهما في “قناة N12″، وذلك بقولهما “إن زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط تعبّر عن رؤية أميركية – عربية مشتركة للتقدم الإقليمي والازدهار الاقتصادي والتطور التكنولوجي المتقدم وازدياد التنسيق السياسي. إسرائيل أمام فرصة تاريخية لتستقل هذا القطار السريع الذي لا ينتظر في المحطة، بعد أن ألحقت إسرائيل ضرراً عسكرياً بالغاً بأعدائها، وبنجاح كبير، وبلغ استخدام الأدوات العسكرية ذروته، وخصوصاً في قطاع غزة. والآن، تقف إسرائيل عند نقطة حاسمة لترجمة الإنجازات الميدانية إلى مكاسب استراتيجية توسّع الفجوة في القوة بينها وبين أعدائها، وذلك من خلال خطوات سياسية ترسّخ العلاقات مع الولايات المتحدة، وتعزز اندماجها في المنطقة وشراكاتها، كجزء من نظام إقليمي محدّث يشكل ثقلاً موازناً لإيران”.
ويضيف الباحثان “لا يزال في إمكان نتنياهو الظهور كقائد، ويتحرر من قبضة اليمين المتطرف المسياني داخل حكومته، من أجل أمن إسرائيل القومي. وعلى النقيض من ذلك، فإن توسيع الحرب في غزة من أجل “إنعاش” هذه الحكومة سياسياً، سيزج بها في عزلة إقليمية ودولية غير مسبوقة، وسيدفع الثمن من حياة الأسرى والقتلى والمصابين في صفوف جنود الجيش، النظاميين والاحتياط، ومن الموارد الوطنية والاقتصاد، ومن مكانة إسرائيل وقوتها”.
ويحذر المؤرخ والباحث السياسي آفي شيلون، في مقالة له في “يديعوت أحرنوت”، من التعاطي السلبي مع الدولة العظمى التي تعتمد عليها إسرائيل، ومن أن “تتحول إسرائيل، التي تُعتبر ذات أهمية استراتيجية، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، باعتبارها القاعدة الأكثر استقراراً وقوةً في المنطقة، إلى عبء أكثر من كونها مكسباً لأميركا”. ويضيف المؤرخ ” كان التحالف مع قوة عظمى جزءاً من الاستراتيجيا السياسية – الأمنية لإسرائيل منذ تأسيسها، فمنذ أيام دافيد بن غوريون، ربطت إسرائيل نفسها بتحالف مع قوة عظمى لمواجهة طيف واسع من التهديدات: في خمسينيات القرن الماضي وبداية الستينيات، كانت فرنسا، ومنذ ستينيات القرن العشرين، أصبحت إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة”.
لكن زميله المؤرخ إيال زيسر، لا يعطي أهمية كبيرة لما جرى الأسبوع الماضي، ويقول في مقالة منشورة في موقع “يسرائيل هيوم” إنه “بعد هذا كله، من المهم أن نتذكر أن الشرق الأوسط لم يُغيّر وجهه فعلياً، لا نحو الأفضل، ولا نحو الأسوأ، في ظل الزيارة الرئاسية وما تلاها. وهكذا، ستنتهي أصداء المهرجانات، وسيعود ترامب إلى واشنطن، وسنبقى جميعاً في منطقة لا تزال تعجّ بالتهديدات والمخاطر التي لم تتبدد، لكنها تحمل فرصاً لمستقبل أفضل”، ويضيف زيسر “صحيح أن إسرائيل لم تكن حاضرة في الرياض والدوحة، ولم يُذكر اسمها تقريباً في خطابات الترحيب، لكن الخلاصة من كل ما جرى في الخليج هي أن اتفاقيات أبراهام لا تزال، ليس فقط اللعبة الوحيدة على الساحة، بل أيضاً أفضل سبيل، وفي الواقع، السبيل الوحيد لضمان الاستقرار والأمن في المنطقة”.