إنها صورة من جمع النفايات

تمزّقت الصور عند عتبة ارتفاع الأصوات. وتبعثرت كلمات الأيام في روزنامة السنوات الماضية. كاد البعض أن ينطق بما فاته من صمت يوم اقتلعت الريح أغصان الشجر. وكاد آخرون أن يتماثلوا وذاك المشهد الدرامي عندما طغت أصوات الطبول على أصوات شجية أرادت أن تنطق، فلم تكمل الجملة المفيدة.

يومها؛ زفرت الريح وتشكلّت من اختلاطها خطوط، وصواعق، وبريق أضاء سريعاً، وانطفأ بسرعة البرق. تلك الأصوات من تلك السنوات، كان صداها بين خيبة وأخرى، بين طلعة شروق من ثنايا ضيقة، ونزول كتناثر البلور المكسور.

اجتمع الجَمْع، والتقطوا من الصور و”السيلفي” ما أثقل خزائن الـ”داتا” وسهولة استرجاع كنوزها، وما فاضت به الهتافات والحناجر، وركلات الأرجل عندما لا يعين الكلام النطق، وربما النطق الكلام! هذا الجمع عندما احتشد وتمكن من مفارق الكلمات والسطور المكثّفة الحكي والبلاغة، انتابته لحظات من أوهام منتفخة فراح يُحطّم الأصنام ويبتدع عالماً من خيال وحقيقة ورشد.. تهاوت الصور، أو هكذا بدت الصورة/المشهد، وتعلّلت الوفود المنضمة تحت لواء الجمع أن غداً لناظره قريب في تقليب الصورة، وتغليب الآتي على الذي كان، وتوسيع الفضاء الواسع إلى أوسع، وتعبئة اللؤلؤ مكان الخرز، وتغطية السماوات بغيوم لا تمطر سوى الخير، وفي تنفيذ عملية تنظيف تقضي على فئران المكاتب، وعناكب المستودعات، وأفاعي المطابخ لانتزاع سموم الناهبين من لقمة عيش المنهوبين.

أما بعد؛

عندما ضاق الحشد بالملل، أو أن الملل ضاق من ذاك الحشد، فقررا الدخول في هدنة تَرَفيّه.. لِمَا لا، فجداول العمل ما تزال جاهزة حتى وإن نامت في أدراج ذاك الجمع، والمسرح قائم وإن تخلخلت خشبته المرجوجة بفعل دويّ، وركلات الأرجل منقادة إلى توقيت وإن كان لا ينفع، ولم ينفع، وإن نفعت الذكرى! ذاك الجمع الهادر، لم يهدر سوى الوقت، وهذا الجمع الغاضب لم يغضب لما يحتاج، فقد تلاشت أصواته وتحولت إلى نتفٍ من ورق، وتعذّر التقاط العندليبي منها، لأنها آثرت الزعيق، أكثر مما استمعت لنحيب داخل شرايين القلب.

في السياق، مزّق الجمع صوره، المُلتقطة على عجل، والمُفبركة في عتمة ليل، فتركوا خلف نعالهم صورة قعر مراياهم. مراياهم التي كانت أصدق منهم، وقد تناسوا ذلك، فعكست ما كانوا فيه، وعليه، وبما جادت تشوهاتهم المنتفخة بالأوهام، فتطابقت صورة الجَمْعَين، بأعاليها وأسافلها.. فامتدت سنوات مضت في حاضر ممتد لتلك التي كانت.

إنها صورة من جمع النفايات.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  باتاي عن جنون نيتشه
منى سكرية

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  عندما جاء لينين الرملي بـ"جامع الفراشات" إلى مسرح الفردوس!