“فاغنر” بعد بريغوجين.. مصير غامض وأسئلة صعبة

هل دفع قائد مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين ثمن تمرده المسلح على النظام في روسيا في نهاية حزيران/يونيو الماضي، أم تمكنت أجهزة معادية منه رداً على أدوار لعبها في أوكرانيا وفي بلدان عربية وإفريقية عدة؟ 

سؤال تبدو الإجابة عليه صعبة، وقد لا نتمكن من الحصول عليها في وقت قريب. ذلك أن سيرة بريغوجين، كقائد لمجموعة أمنية تستقطب المقاتلين من أجل خدمة مصالح روسيا خارج الحدود، جعلت منه نموذجاً فريداً يصعب التكهن بخطواته، كما يصعب ترويضه، وكذا الإحاطة بأسرار حياته ومماته.

وسواء قُتل في حادث داخلي (نتيجة تنازع بين الفاعلين الرئيسيين في روسيا) أم باغتيال خارجي أو حتى قضى نتيجة حادث طبيعي، فإن غيابه يخدم اللاعبين على جانبي الصراع المحتدم بين روسيا وحلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة. من دون شك، أدى تعاظم دور “فاغنر” في حرب أوكرانيا إلى تكوّن “أعداء طبيعيين” من حولها، لا سيما أنها لاعب غير تقليدي لا يخضع لقواعد محددة.

إذا كان الأمر عبارة عن عبوة ناسفة، فالأرجح أنه تم تجهيزها خارج الأراضي الروسية، ذلك أن فريق “فاغنر” كان قادماً من إفريقيا، وقيل إنه توقف في سوريا. ونعرف أن هناك اختراقات أمنية تقوم بها المخابرات الأوكرانية التي تتلقى مساعدة من دوائر غربية، وبعض هذه الاختراقات تمت في مواقع حيوية داخل روسيا وخارجها

فرضيات أربع

تم تداول فرضيات عدة حول اغتيال بريغوجين ومن كانوا معه على متن الطائرة:

أولاً؛ إستهداف الطائرة بصاروخ أرض – جو. وقد سرت هذه الفرضية في الساعات الأولى لوقوع الحادث، وهي تُوجّه الإتهام حصراً إلى جهات داخلية، وبشكل أكثر تحديداً إلى الرئيس فلاديمير بوتين بأنه قتل بريغوجين جزاء له على ما اعتبرها “خيانة” بعد إحتلال مقاتلي “فاغنر” مدينة روستوف، مقر القيادة الجنوبية للجيش الروسي في 23 حزيران/يونيو الماضي. وقد اشتغلت وسائل إعلام غربية على ترويج هذه الفرضية. علماً أن تعرض الطائرة لصاروخ أمر يمكن ملاحظته، لأن الصاروخ يترك وراءه عادة دخاناً أبيض اللون، وهذا لم يكن ملحوظاً في حادث الطائرة، حسب عدد من الخبراء الروس.

ثانياً؛ وقوع انفجار على متن الطائرة بفعل فاعل. ووفق صحيفة واشنطن بوست الاميركية، يميل مسؤولون أمريكيون، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، الى هذه الفرضية وقالوا إنه تم رصد انفجار على طول مسار الطائرة، لكن لا توجد مؤشرات على إطلاق صاروخ.

وإذا كان الأمر عبارة عن عبوة ناسفة، فالأرجح أنه تم تجهيزها خارج الأراضي الروسية، ذلك أن فريق “فاغنر” كان قادماً من إفريقيا، وقيل إنه توقف في سوريا. ونعرف أن هناك اختراقات أمنية تقوم بها المخابرات الأوكرانية التي تتلقى مساعدة من دوائر غربية، وبعض هذه الاختراقات تمت في مواقع حيوية داخل روسيا وضد قواعد للجيش الروسي في سوريا، بحسب تقارير صحفية.

ثالثاً؛ وقوع إطلاق نار على متن الطائرة. وقد عرضت بعض مواقع التواصل صورة تُظهر تعرض جسم الطائرة لما يبدو طلقات نارية. لكن هذه الآثار قد تنجم أيضاً عن شظايا عبوة متفجرة.

رابعاً؛ وقوع عمل تخريبي تقني، أو بعبارة أخرى تخريب بعض الأجهزة في الطائرة.

المسؤولون المحتملون

أما الجهات التي يمكن أن تكون مسؤولة فهي واحدة من هذه:

أولاً؛ خصوم قائد “فاغنر في الدولة الروسية العميقة بعلم الرئيس بوتين ورضاه أو من دون علمه. ليس خافياً وجود صراع مرير بين وزارة الدفاع من جهة، وقائد “فاغنر” يفغيني بريغوجين من جهة ثانية، إنفجر خلال معركة باخموت المُكلفة وبعدها. وقد كشف الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بعد تمرد “فاغنر” أن بوتين كان يُفكّر بقتل بريغوجين لحل مشكلة التمرد، قبل التوصل إلى تسوية عبر لوكاشينكو.

أفتح مزدوجين هنا لكي أتساءل ما إذا كانت المقارنة جائزة بين حالتين: في شباط/فبراير 1996، عفا صدام حسين عن صهريه اللذين هربا في آب/أغسطس 1995 إلى الأردن، ثم سمح لهما بالعودة إلى بغداد، وقُتلا بعد عودتهما بثلاثة أيام على يد أفراد عشيرتهما بحجة أن العفو الرئاسي لا يُلغي ضرورة غسل شرف العشيرة عن طريق الإنتقام من “الخونة”. وفي حالة بوتين وبريغوجين، عفا الأول عن الثاني بعد التمرد الشهير، لكن أفراد “العشيرة” في الدولة الروسية لم يتحملوا “الخيانة” التي أشار إليها بوتين حينها. وعلى ذلك، يمكن أن يكون الإنتقام من قائد “فاغنر” قد تم من دون تخطيط من بوتين، لكن بعدم ممانعة ضمنية منه، وهذا أدعى إلى استعادة هيبة الرئاسة والنظام والجيش التي مزّقها بريغوجين. ومنطق إستقرار الدولة يتغلب عند حدوث الإختلالات الداخلية.

قد يكون غياب قائد “فاغنر” مفيداً للدولة الروسية على المدى البعيد، لناحية إزالة لاعب لا يتقيد بقواعد اللعبة السياسية ويمكن أن يُهدّد مسار الحرب المصيرية مع أوكرانيا

ثانياً؛ الإستخبارات الأوكرانية التي تنشط في داخل روسيا، ويمكن القول إنها توسع عملياتها أيضاً خارج روسيا بمساعدة دوائر غربية.

إقرأ على موقع 180  الغرب يشيخ وروسيا مُهدّدة والصين تكسب.. وقتاً!

ثالثاً؛ أجهزة استخبارات غربية متضررة من نشاط “فاغنر” المتجدد في إفريقيا والذي توسع مؤخراً وحقق نجاحاً جديداً في النيجر. لا بأس من الإشارة هنا إلى أن الدوائر الغربية تستطيع في ظروف “الإشتباك الداخلي” في روسيا إخفاء بصماتها، على فرض علاقتها باغتيال قادة “فاغنر”. ونذكر أنها قامت بعمليات استخبارية سرية عدة في خلال حرب أوكرانيا وألقيت فيها الشبهة على روسيا في البداية قبل أن تتضح معطيات تشير إلى مسؤولية الولايات المتحدة، كما في حالة تفجير خط “نورد ستريم 2” الذي يضخّ الغاز من روسيا إلى أوروبا.

ماذا بعد؟ 

قد يكون غياب قائد “فاغنر” مفيداً للدولة الروسية على المدى البعيد، لناحية إزالة لاعب لا يتقيد بقواعد اللعبة السياسية ويمكن أن يُهدّد مسار الحرب المصيرية مع أوكرانيا. وهو كذلك مفيد لأوكرانيا وحلفائها الذين لا يُخفون توجسهم من توسع النفوذ الروسي في دول عدة عبر أدوات من جملتها مجموعة “فاغنر”. وإذا كان تمرد “فاغنر” في حزيران/يونيو الماضي قد انتهى بنقل قواتها مؤقتاً إلى بيلاروسيا، فإن غياب قادتها المؤسّسين قد يُفضي إلى ترويضها بالكامل لمصلحة الدولة الروسية ويُلغي الخصوصية التي كانت تحتفظ بها سابقاً، لا سيما بعد أن بدأت وزارة الدفاع الروسية بإلحاق مقاتلي المجموعة الأمنية بها على الصعيد المالي. ويبقى السؤال عن فاعلية “فاغنر” وتأثر دورها بغياب بريغوجين ومعظم قادتها في المرحلة المقبلة.

Print Friendly, PDF & Email
علي عبادي

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  ما بعد الزلزال السوري ـ التركي.. ليس كما قبله