الشوط الثاني لحرب غزة يقترب.. وأيضاً وقف النار!

سـباق بين الهدنة واستئناف القتال بين المقاومة الفلسطينية وجيش الإحتلال. فهل الهدنة مجرد استراحة محارب؟ أم انها أضحت مقدمة ضرورية لترتيب وقف لإطلاق النار ولو بعد حين؟ 

من الضروري بدايةً أن نتوقف عند الظروف التي دفعت الى التوصل للهدنة، خلافاً لإرادة الجانب الإسرائيلي الذي رفض في البداية أي هدنة إنسانية قبل عودة أسراه:

  • بالنسبة للعدو، كانت الهدنة تنازلاً لا بد منه أمام الضغوط الأميركية التي صارت أكثر وضوحاً في الفترة الأخيرة، خلافاً لما كانت عليه الصورة في بداية الحرب. الإدارة الأميركية ظلّت “وفية” لإسرائيل في رفض وقف النار، لكنها لم تعد تستطيع تغطية الموقف الحالي بكل مأساويته على الصعيد الإنساني، فطلبت “هدنات عدة” وكان لها ما أرادت. من جهتها، لم تتمكن حكومة العدو من مواصلة تأجيل البتّ بالهدنة، في ضوء تأثير الولايات المتحدة المتزايد عليها والأفضال الكثيرة التي جادت بها على الحليفة الإستراتيجية المميزة من خارج حلف الناتو. على الأقل، في وسع الولايات المتحدة أن تلمح للجانب الإسرائيلي الى أن عدم التجاوب مع طلب الهدنة قد يفضي بها الى أن تمتنع عن التصويت في مجلس الأمن الدولي في حال طرح مشروع قرار جديد لوقف إطلاق النار، كما قد تلجأ إلى سحب بعض قطعها البحرية من مياه المتوسط، وهذه القطع تضطلع بدور هام في صد هجمات صاروخية عن كيان الإحتلال وتوفر أداة تهديد بالتدخل في وجه حزب الله وإيران.
  • أيضاً، خضعت حكومة بنيامين نتنياهو للضغوط الداخلية المطالبة بإعادة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية على وجه السرعة وعدم الإنتظار الى نهاية الحرب، لا سيما بعدما ذُكر أن عدداً منهم قُتلوا في الغارات الجوية. لم تقتصر المطالبات على ذوي الأسرى، وإنما تعدّتها الى آلاف آخرين إنضموا إليهم في سياق التنازع بين وجهتين: واحدة ترى أنه يجب إعطاء الأولوية لاستعادة الأسرى، وأخرى ترى انه لا بد من الفوز بالحرب أولاً وسحق “العدو” لأن إعادة الأسرى ستتم بثمن باهظ على الصعيدين المعنوي والسياسي. وتمكنت الوجهة الأولى من تسجيل نقاط لمصلحتها ولكن بعد أن خاب الجهد العسكري في استعادة أي أسير بالقوة، حيث اقتحم جيش الإحتلال مجمع مشفى الشفاء ولم يعثر على مبتغاه خلافاً للمزاعم التي أذاعها مسبقاً.

يصبح الشوط الثاني من الحرب بعد الإستراحة الإضطرارية ضرورة من وجهة نظر إسرائيلية تتفهمها الإدارة الأميركية لحفظ ماء الوجه، لكنه سيكون أقصر من الناحية الزمنية في ضوء الضغوط الآتية من غير اتجاه. ومع هذا، ليس من الواضح إذا كان الشوط الثاني سيُمكّن إسرائيل من تحقيق أي نتيجة كبرى

أما من الجانب الأميركي فهناك اعتبارات عدة لطلب الهدنة:

  • ضرورة إعادة ترميم صورة الولايات المتحدة الخارجية التي أصيبت بأضرار بسبب وقوفها المطلق الى جانب قوة طاغية لا تقيم اعتباراً للقانون الدولي والإنساني.
  • حاجة الولايات المتحدة الى إمساك العصا من الوسط في ظل الإخفاق العسكري الإسرائيلي في إحداث فرق في المعادلة. وتُعدّ الهدنة ضرورية لإعادة تقييم الموقف الحرج الذي وصلت اليه الحرب وسـبر إمكانات تحقيق انتصار عسكري جزئي تحتاجه اسرائيل بشدة قبل وقف النار، وجاءت مواقف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لتصب في هذا الإتجاه بالدفاع عن فرصة الهدنة من جهة ورفض وقف النار الفوري من جهة ثانية.. وصولاً إلى إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل لنقل عملياتها البرية من شمال غزة إلى جنوبها، ولكن مع لفت انتباه مجلس الحرب الإسرائيلي إلى أن ما حدث خلال الهجوم على شمال غزة “يجب ألا يتكرر في جنوب القطاع”، فإسرائيل “قوة متطورة تستطيع الحاق الضرر بحماس من دون استهداف النساء والأطفال”!
  • حصول ارتدادات سلبية داخل الولايات المتحدة تجسدت بالتظاهرات الهامة التي شهدتها الولايات الأميركية وإحداث صور المذابح الاسرائيلية المنتشرة عبر السوشيل ميديا تأثيراً في شرائح اجتماعية واسعة ربما لم تهتم سابقاً بالسياسة، كما ظهرت مؤشرات تصدع في أوساط بعض النخب الأميركية وموظفي وزارة الخارجية الذين رأوا أن ما يجري في غزة يتصادم بشكل مروع مع القيم الأميركية. وامتدّ التصدع الى داخل الحزب الديموقراطي في سنة انتخابات رئاسية مصيرية، بينما يطلّ دونالد ترامب مجدداً ليتقدم على الرئيس بايدن في خمس ولايات رئيسية فاز فيها بايدن عام 2020، بحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.

أما من جهة المقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركة حماس، فإن الهدنة تخدم الأغراض الآتية:

  • تحرير معتقلين فلسطينيين من النساء والأطفال في مقابل المستوطنين الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة. مع تأكيد المقاومة أن لا مبادلة بالعسكريين قبل وقف العدوان.
  • توفير إمدادات من المحروقات والغذاء والدواء يحتاج اليها قطاع غزة في ظل نفاد المخزون بشكل متسارع نتيجة التدمير الإسرائيلي لمراكز الخدمات الأساسية. وما من شك أن الهدنة تفيد إلى حد ما في إراحة الجبهة الداخلية في غزة التي تعرضت لدمار كبير، كما تضيف رصيداً معنوياً للمقاومة بين جمهورها يظهر جلياً من خلال التفاعل مع عملية تحرير الأسرى، فضلاً عن تسجيل نقاط إعلامية وسياسية في مرمى العدو خلال هذه المرحلة.
  • التحضير لمرحلة ما بعد الهدنة في حال استئناف الحرب، وإعادة ترميم ما تضرر من قدرات قتالية.
  • إحداث ثغرة في إرادة القتال لدى العدو. فكلما طالت الهدنة، يمكن أن يؤدي ذلك الى نمو التململ في مجتمع العدو نظراً لطول مدة خدمة جنود الإحتياط وازدياد الكلفة الإقتصادية وعدم وجود أفق واضح لتحقيق النصر.
إقرأ على موقع 180  أميركا وإيران.. "شراكة" في منع الحرب الإقليمية!    

كل هذه الإعتبارات تجعل الهدنة نقطة التقاء مشتركة بين جميع الأطراف، لكن معاودة الأعمال الحربية تبدو خياراً راجحاً بسبب حاجة إسرائيل إلى تحقيق صورة انتصار لم تتوفر إلى الآن. وقد تُجرّب حظها الآن في جنوب القطاع بعدما تعثر الهجوم شمال القطاع طيلة الأسابيع الماضية. وفي حال توقفت الحرب في هذا الوقت ستُعتبر هزيمة قاسية لإسرائيل التي حدّدت أهدافاً قصوى تتمثل بالقضاء على قدرات حماس العسكرية وتغيير الواقع الأمني في قطاع غزة وتوجيه رسالة ردع لحلفاء المقاومة الفلسطينية في الإقليم وتحرير الأسرى الإسرائيليين. كما قد يؤدي القبول بوقف النار حالياً إلى ارتدادات عدة داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي وإلى تفاقم أزمة الثقة بالحكومة والجيش معاً. وعلى هذا، يصبح الشوط الثاني من الحرب بعد الإستراحة الإضطرارية ضرورة من وجهة نظر إسرائيلية تتفهمها الإدارة الأميركية لحفظ ماء الوجه، لكنه سيكون أقصر من الناحية الزمنية في ضوء الضغوط الآتية من غير اتجاه. ومع هذا، ليس من الواضح إذا كان الشوط الثاني سيُمكّن إسرائيل من تحقيق أي نتيجة كبرى على غرار الأهداف الصعبة التي حدّدتها، وهو ما تدرك واشنطن أنه يستلزم إعادة نظر بالخطة العسكرية (قال بلينكن للإسرائيليين لديكم أسابيع وليس شهوراً) وبناء أفق سياسي لما بعد الحرب يبدو المجتمع السياسي الإسرائيلي غير قادر على توفير متطلباته بعدما أحرق كل الجسور المؤدية إلى بناء دولة فلسطينية.

Print Friendly, PDF & Email
علي عبادي

صحافي وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  جدعون ليفي: الجيش الإسرائيلي قتل شيرين.. لننحنِ إحتراماً لها!