جدعون ليفي يروي حكايات من الدم الفلسطيني المُراق في رام الله

Avatar18002/12/2023
يقول الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في مقالة له في "هآرتس" إنه في ظل الحرب الدائرة في غزة، باتت أصابع الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في رام الله، "سريعة على الزناد، أكثر من أي وقت مضى"، قبل أن يستعرض وقائع وحكايات إستشهاد أكثر من ثلاثين فلسطينياً في رام الله بالضفة الغربية.

“تشبه الاختناقات المرورية في وسط رام الله الاختناقات المرورية المعروفة في تل أبيب. كذلك هي حال المحال التجارية، المطاعم، وصالات الرياضة. لكن في مكان غير بعيد عن هذا كله، هناك اختناق مروري آخر، لا يوجد مثله في تل أبيب، وهو ازدحام يمتد على مسار يبلغ كيلومترات كثيرة مؤدية إلى حاجز قلنديا. صحيح أن هذا الاختناق المروري دائم، لكن حالته تفاقمت منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إن جميع المداخل المؤدية إلى العاصمة غير الرسمية لفلسطين أغلقتها إسرائيل لدى اندلاع الحرب، بما يشمل المدخل الشمالي للمدينة، أي حاجز DCO. كل مَن يرغب ويُسمح له بالدخول، أو الخروج من رام الله، يضطر إلى أن يمضي وقته كلّه على طريق حاجز قلنديا، لعله النقطة الأكثر انخفاضاً في الضفة الغربية. يبدو السير على تلك الطريق كما لو كان تقليباً في الصفحات الأولى لألبوم صور كئيبة جداً من العالم الثالث.

في وسط رام الله، لا تشعر بالحرب، لكننا نتمنى لكم الحظ إذا نجحتم في العثور على مكان لركن سيارتكم هناك. أمّا في ضواحي رام الله، فالشعور بالحرب واضح جداً. قائمة الشوارع المغلقة، والطرقات التي تم قفل الشوارع المفضية إليها ببوابات حديدية صفراء، هي قائمة طويلة جداً. لقد طال كثيراً وقت انتقال السكان إلى العمل، أو الدراسة، أو التسوق، أو الزيارات العائلية. لكن ما تم إغلاقه حول رام الله لا يقتصر فقط على كثير من الشوارع، كما لا يقتصر على أماكن العمل، بعد وقف دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل. لقد قُتل حول رام الله، وفي وسطها أيضاً، كثيرون من الناس منذ اندلاع الحرب، أكثر بكثير من الأوقات العادية.

تفيد المعطيات المتوفرة لدى إياد حداد، الباحث الميداني في جمعية “بتسيلم” في تلك المنطقة، بأن 31 شخصاً قُتلوا هنا خلال أقل من شهرين. لكن، على عكس منطقة طولكرم، التي تحدثنا عنها هنا في “هآرتس” في عدد الأسبوع الماضي، حيث كانت أغلبية القتلى من المسلحين، فإن الضحايا هنا، في أغلبيتهم، لم يحملوا سلاحاً، ولم يُقتلوا خلال عمل مقاوم. تفيد تقديرات حداد بأن ستة من هؤلاء قُتلوا، على ما يبدو، برصاص المستوطنين، أو برصاص المستوطنين والجنود معاً. الحادثة الأخيرة في هذا السياق تم تسجيلها عشية السبت الماضي، إذ تم العثور على جثمان فلسطيني بجانب مستوطنة “بساغوت” في ظروف لم تتضح بعد. لدى إياد حداد في مكتبه الكائن في مدينة البيرة، مجلد سميك، يحتوي على توثيق للأبحاث المتعلقة بجميع حالات القتل منذ اندلاع الحرب في غزة. وهذا المجلد آخذ في التضخم يوماً بعد يوم.

محافظة رام الله تنزف، حالها كحال الضفة الغربية بأكملها، الدم في ظل الحرب في غزة، وبعيداً عن أنظار الجميع. هنا يمكنكم العثور على كثير جداً من البؤر الاستيطانية والمستوطنات، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقُم العنف. وهنا أيضاً، كما هي الحال في أي مكان آخر في الضفة، فإن أصابع الجنود على زناد أسلحتهم، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، باتت أسرع بكثير من أي وقت مضى. هذه هي الحال في الحرب.

في البداية، أصيب الابن الأكبر، وبعدها اضطر الأب إلى قيادة سيارته سريعاً إلى العيادة في سلواد، حيث صُدم هناك عندما اكتشف أن زوجته، التي كانت جالسة مع ابنهما في المقعد الخلفي، أصيبت هي أيضاً نتيجة إطلاق النار، ويبدو أنها قُتلت من دون أن يلاحظ ذلك. وأُعلنت وفاتها في العيادة

من دون سبب واضح

لقد قُتلت هنا امرأة، وهي رندة عجاج، أم لسبعة أطفال، من قرية دير جرير، عندما انتقلت عشية 12 تشرين الأول/أكتوبر، حسبما يشهد حداد. حدث ذلك بعد خمسة أيام من الهجمة في الجنوب، وكانت عجاج على الطريق مع زوجها واثنين من أطفالها، يبلغ عمر الصغير سنة ونصف، في السيارة العائلية. وبجانب قرية سلواد، لمحا حاجزاً عسكرياً، قام الجنود بإيقاف حركة السير في المسار المقابل. هناك الآن كثير من الحواجز العسكرية الطيارة [المفاجئة] في الضفة الغربية، ويحاول المواطنون تلافي الخروج من منازلهم بسبب هذه الحواجز. على مسافة بضعة أمتار من الحاجز، لمح أفراد العائلة أشخاصاً يأمرونهم بالتوقف، باستخدام مصباح. كانوا متأكدين من أنهم جنود، ولذا، خفّفوا سرعة السيارة إلى أن توقفت تماماً تقريباً. وعندها انتبهوا أن مَن يشيرون إليهم هم رجال يرتدون ملابس مدنية، وخافوا من أن يكونوا مستوطنين. عادوا فوراً وانطلقوا بسرعة؛ حينها، أطلقت النار على السيارة. في البداية، أصيب الابن الأكبر، وبعدها اضطر الأب إلى قيادة سيارته سريعاً إلى العيادة في سلواد، حيث صُدم هناك عندما اكتشف أن زوجته، التي كانت جالسة مع ابنهما في المقعد الخلفي، أصيبت هي أيضاً نتيجة إطلاق النار، ويبدو أنها قُتلت من دون أن يلاحظ ذلك. وأُعلنت وفاتها في العيادة.

يقول الباحث الميداني حداد إن معظم حالات القتل التي وثّقها كانت من دون سبب واضح. فمثلاً، في الحالة التي حدثت في اليوم التالي للمجزرة في “غلاف غزة”، أي في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر: قام ياسر الكسبة، وهو شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، من مخيم قلنديا للاجئين، برمي عبوة مصنوعة من كوكتيل المولوتوف في اتجاه البرج الأسمنتي المحصّن في حاجز قلنديا. انفجرت الزجاجة، خرج منها الدخان، ولم تتسبب بأي أضرار. فرّ الكسبة من المكان، وبعدها أطلق الجنود النار عليه واصابوه في ظهره، من فوق البرج المحصّن الذي كانوا يكمنون فيه. سقط الكسبة مضرجاً بدمه. جرى إطلاق النار هذا أمام كاميرا شبكة “الحرة” الأميركية في بث حي. تم إجلاء الشاب من الموقع على يد أصدقائه، وأُدخل في سيارة، جرى هذا أيضاً في بث مباشر. وسرعان ما لفظ أنفاسه.

بعد ذلك بأقل من ساعة، كان المشهد لا يصدّق في المكان نفسه، حسبما يُظهر الفيديو الذي يوثّق الحادثة: كانت الساعة 9:15 مساءً، وكانت السيارات تمر في الشارع، قبالة مجموعة من عناصر حرس الحدود الإسرائيلي، الواقف على أحد الأرصفة. ومن دون أي سبب محدد، فتح العناصر وابلاً من نيران أسلحتهم على إحدى السيارات التي أصيبت بعشرات الأعيرة النارية. وحين اقتربت السيارة التالية، كرر العناصر فعلتهم مجدداً. واصلت السيارتان طريقهما، إلى أن اصطدمتا بجدار الفصل. قُتل في السيارة الأولى محمد حميّد، من قرية بيت عنان، وكان يبلغ من العمر 25 عاماً، وقُتل في السيارة الثانية أمجد خضير، الذي كان يبلغ من العمر 36 عاماً، أمّا أخوه الذي كان جالساً إلى جانبه، فأصيب بجروح.

إقرأ على موقع 180  الصحافة العبرية: بن سلمان يحتمي بالبوليصة الإيرانية رداً على خذلان بايدن

جاء في بيان الشرطة الإسرائيلية أنه “فور تلقّي تقارير تفيد بدخول سيارة إسرائيلية إلى قرية قلنديا عن طريق الخطأ، وتنفيذ هجوم جماعي على ركابها، وصل مقاتلو سلاح حرس الحدود من أجل إنقاذ هؤلاء. وخلال تنقُّل المقاتلين في القرية، اندلعت أعمال شغب شملت إلقاء عبوات ناسفة، وزجاجات حارقة، وإطلاق الرصاص في اتجاه القوات. وفي إطار النشاط، ظهرت سيارتان مسرعتان في اتجاه الجنود في محاولة لدهسهم. أمّا مقاتلو حرس الحدود الذين انتبهوا للأمر، فإنهم ردوا بإطلاق النار على المشتبه فيهم، وقاموا بتحييدهم”.

هناك حادثة أُخرى حدثت في التاسع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، انضمت أيضاً إلى مجلد إياد حداد السميك: في الساعة 2:30 فجراً، في بلدة بيت ريما. وصلت قوات من الجيش الإسرائيلي بثلاث سيارات من اتجاه قرية النبي صالح، وتوقفت في الشارع الرئيسي إلى جانب مسجد القرية. انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تحذيرات للسكان من اقتحام قوة الجيش الإسرائيلي، واتجهت مجموعة من الشبان، يتراوح عددها بين 15 و20 شاباً، لمواجهتهم في الشارع، باستخدام الحجارة. عندما بدأت إحدى الدوريات بالتحرك، اعتقد الشبان أن القوة خرجت من البلدة. لم يكن الشبان يعلمون بأن هناك قوة أُخرى تكمن لهم في الظلام، بجانب مبنى قيد الإنشاء. وحين اقترب الشبان، فتحت عليهم القوة نيراناً كثيفة من الكمين. تمكن الجنود من إصابة 12 شاباً. فقُتل أحدهم وأصيب ثلاثة آخرون بجروح خطِرة، بينما سُجلت إصابة أربعة آخرين بجروح طفيفة. القتيل هو ناصر البرغوثي، البالغ من العمر 29 عاماً.

هذا، وقد قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع، رداً على تحقيق صحيفة “هآرتس”: “نفّذت قوات الجيش الإسرائيلي عملية وقائية مضادة في ليلة 29 تشرين الأول/أكتوبر في قرية بيت ريما. خلال العملية، قام عدد من المشبوهين بإلقاء الزجاجات الحارقة وعبوة ناسفة في اتجاه القوة التي ردّت بالنار. تم تشخيص سقوط إصابات في أوساط الشبان. والجيش على علم بادّعاء وفاة فلسطيني واحد نتيجة إطلاق النار. ولا تزال ملابسات القضية قيد الاستيضاح”.

في صبيحة التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر، جاءت قوات من الجيش الإسرائيلي لتنفيذ حملة اعتقالات في مخيم الأمعري الواقع في مداخل رام الله. فانتشر القناصون على السطوح، وأطلقوا النار في اتجاه كل مَن يتحرك في الشوارع. أصيب عدد من المواطنين، وعندما حلّ الصباح، وبدأ العمال بالانطلاق إلى أعمالهم، أصيبت سيدة في ساقها بالرصاص، أما مهند جاد الحق، الذي كان يقف مع مجموعة من العمال في الشارع، فحاول استراق النظر، فأصيب بالرصاص وقُتل. وتركت القوة خلفها سبعة مصابين آخرين.

قلب يتنبّأ بالشر

هذا الأسبوع أيضاً، قمنا بزيارة للضواحي الغربية لمدينة رام الله، حيث بلدة بيتونيا. في منزل مكون من طبقات، وفيه مصعد، مبنى بورجوازي مؤلف من 3 طبقات. هنا كبر الفتى صهيب الصوص، البالغ من العمر 15 عاماً، وهو ابن إياد الصوص، موظف رفيع في شركة المياه الفلسطينية ويبلغ من العمر 48 عاماً، وزوجته، سعيدة، ربة منزل، تبلغ من العمر 45 عاماً. في تاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر، قامت قوة عسكرية كبيرة بالانتقال من معسكر “عوفر” القريب من البلدة، في اتجاه رام الله. تكونت القافلة العسكرية من 15 سيارة. في المرة الأولى، عبرت القافلة بلدة بيتونيا في الساعة الرابعة فجراً، حيث توجهت إلى رام الله، ونفّذت عمليات اعتقال، وعادت في اتجاه عوفر. في التاسعة صباحاً، عادت القوة في جولة إضافية.

عندما بدأت إحدى الدوريات بالتحرك، اعتقد الشبان أن القوة خرجت من البلدة. لم يكن الشبان يعلمون بأن هناك قوة أُخرى تكمن لهم في الظلام، بجانب مبنى قيد الإنشاء. وحين اقترب الشبان، فتحت عليهم القوة نيراناً كثيفة من الكمين. تمكن الجنود من إصابة 12 شاباً. فقُتل أحدهم وأصيب ثلاثة آخرون بجروح خطِرة

انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنباء اقتحام القوة. وقد سمع الفتى صهيب خبر الجولة الثانية للقوة، ونزل إلى الشارع ليرى ما يحدث. وانتظر مع صديقه عودة القوة العسكرية. قام الشبان بقذف الحجارة على السيارة الأولى من القافلة العسكرية. ثم قام أحد الجنود بفتح باب سيارة الجيب وأردى صهيب. بعد ذلك، أظهر مقطع فيديو الفتى صهيب وهو يركض مع شابين آخرين في الشارع مسافة تبلغ نحو 100 متر، كان صهيب يضع كفه على الجهة اليمنى من صدره، حيث أصيب، إلى أن انهار وسقط على ظهره، والدم يقطر من صدره.

سمع الأب إياد إطلاق النار من المنزل. كانت الساعة، آنذاك، 9:40 صباحاً. كان ذلك يوم جمعة، والشارع كان هادئاً. لدى إياد وزوجته 4 أطفال. كان صهيب طالباً في الصف العاشر في مدرسة عين منجد في بيتونيا. وعلى إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، رأى الأب سؤالاً كتبه ابنه “أين الجنود؟”. شعر الأب، في قلبه، بأن أمراً ما، سيئاً، سيحدث. قام بالاتصال بصهيب عدة مرات، ولم يتلقّ أي رد. ثم رأى على تطبيق تيليغرام، مصدوماً، صهيب ممدداً في الشارع، غارقاً في دمه. وقد قال الناطق بلسان الجيش هذا الأسبوع، رداً على سؤال “هآرتس”: “قامت قوات الجيش الإسرائيلي بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر باعتقال مطلوب في قرية عين مصباح. ولدى عودتها، عبر قرية بيتونيا، اندلعت أعمال شغب عنيفة. ردت القوة باستخدام وسائل تفريق التظاهرات والرصاص الحي من أجل تفريق التجمع المثير للشغب ووقعت إصابة. ولا تزال ملابسات القضية قيد التحقيق”.

انطلق الأب مسرعاً إلى الشارع. اتصل به أحد الجيران ليقول له إن ابنه مصاب بجروح طفيفة. نُقل الصبي إلى عيادة بيتونيا، ثم إلى مستشفى رام الله. وعندما وصل الأب، كان ابنه في غرفة العمليات. حيث خضع لعمليتين، لكنه توفي متأثراً بجروحه في المساء. كان طفلاً هادئاً وانطوائياً، ويحب مساعدة الآخرين، حسبما قال أبوه لـ”هآرتس”. بعد أن قُتل الفتى، لم يوافق زملاؤه في الصف على العودة إلى الدراسة، ولم يتم إقناعهم بالعودة إلى الدراسة، إلا بعد إرسال عاملين اجتماعيَين إلى المدرسة لإقناعهم بالعودة إلى روتين حياتهم، بعد جهود استمرت أسبوعين. كما أن الأب الثاكل، حضر إلى المدرسة، ليقنعهم بالعودة إلى الدراسة”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  بين إيران وأميركا.. دول الخليج الحلقة الأضعف!