عودة الحرائق الإقليمية أو.. إخمادها؟

أي نظام إقليمي في المنطقة؟ سؤال يطرح باستمرار وإلحاح في ظل حالة الفوضى التى يعيشها الإقليم الشرق أوسطي، والتي أكثر ما يدل عليها عدد النقاط الساخنة في الإقليم من حروب وصراعات واضطرابات يحكم مسار تطورها التفاعل بين العناصر الداخلية والعناصر الخارجية في كل من هذه النقاط. كل مجموعة من هذه العناصر تغذي وتتغذى على الأخرى.

نشهد ذلك ولو بدرجات مختلفة من ليبيا إلى الصومال الذي كان شبه منسي حتى جاء صاعق التفجير الذي شكله الاتفاق الإثيوبي مع دولة «أرض الصومال» لتأمين موقع استراتيجي لإثيوبيا على البحر الأحمر. أضف إلى ذلك السودان الذى يبدو على عتبة انفجار حرب داخلية متجددة، إلى الدور الحوثي الناشط تحت عنوان دعم فلسطين عبر سياسة تقوم على توجيه رسائل «إقليمية» بواسطة الصواريخ ضد بواخر أمريكية وغربية فى منطقة باب المندب والبحر الأحمر، وهى منطقة جد استراتيجية لكل القوى الإقليمية والدولية.

فى السياق ذاته، يشهد العراق عودة بعض السخونة في لعبة تبادل الرسائل الإيرانية الغربية، وخاصة الإيرانية الأمريكية، عبر تبادل القصف الصاروخي بين بعض أطراف الحشد الشعبي من جهة والقوات الأمريكية من جهة أخرى. الأمر الذي أعاد إلى واجهة الأحداث موضوع الاتفاق العراقي الغربي حول القوات العسكرية خاصة الأمريكية الموجودة في العراق والبحث في إنهاء هذا الاتفاق أو ربما إحداث بعض التغييرات في عناصره إذا ما توافق الطرفان المعنيان على ذلك. سوريا أيضا ما زالت ساحة صراع غربي ــ إيراني وإسرائيلي ــ إيراني عبر «رسائل» الأعمال العسكرية بين الأطراف المشار إليها.

وبالطبع يبرز لبنان الذي كان دائمًا ساحة صراعات إقليمية في ربط الحرب الدائرة في الجنوب بحرب غزة تحت عنوان «وحدة الساحات» فيما تهدد إسرائيل بأنها لن تقبل بالعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل حرب غزة. وترفع السقف عاليًا في مطالبها على هذه الجبهة كشرط لوقف الحرب بغض النظر عن تطور الوضع على جبهة غزة. مطالب ذات سقف مرتفع وغير قابلة للتحقيق وقد تنتهي عندما يتم إقفال ملف غزة والتوصل إلى وقف إطلاق النار أيًا كانت المسميات التي ستعطى له، إلى تفاهم جديد على صورة تفاهم نيسان/أبريل ١٩٩٦ مع الأخذ بعين الاعتبار المستجدات الحاصلة منذ ذلك الحين.

المنطقة تعيش على صفيح ساخن في سباق بين مسارات تطبيعية لم تستقر بعد بقوة وفعالية ولم ينتج عنها بعض التفاهمات العملية الضرورية للإسهام في احتواء هذه الحرائق التي تطال مصالح الجميع بأشكال وأوقات مختلفة من جهة، وبين التصعيد الحاصل في هذه النقاط الساخنة والتي قد تهدد بدرجات مختلفة بعض هذه المسارات من جهة أخرى

مقابل هذه التطورات الساخنة والتي تهدد الاستقرار الإقليمي شهد الشرق الأوسط مسارات تطبيعية ثلاثة استقرت، ولو بسرعات ودرجات مختلفة فس العام الماضي.

أول هذه المسارات كان التطبيع التركي العربي (مع الدول التي كانت على علاقات خلافية كبيرة مع تركيا) وأدى التغيير في السياسة الخارجية التركية والانتقال من المواقف الأيديولوجية الحادة إلى مواقف براجماتية بعد إسقاط العنصر الأيديولوجي من السياسة التركية إلى ذلك.

المسار الثانى تمثل في التطبيع الذى شهدته العلاقات السعودية الإيرانية.

المسار الأخير تمثل في تطبيع العلاقات السورية العربية مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
على صعيد القوى الدولية يشهد الإقليم عودة قوية للدور الأمريكي وتراجع الدور الروسي بعض الشيء مقارنة مع الماضي لانشغال موسكو بالملف الأوكراني، فيما نشهد بدايات لمحاولة الصين الشعبية توظيف علاقاتها الاقتصادية الناشطة والمتقدمة في المنطقة في دور سياسي في الملفات الإقليمية.

على صعيد آخر، يبرز غياب أوروبي، لخلافات ضمن البيت الأوروبي، في شأن بعض القضايا الساخنة أو بسبب الانجرار وراء الموقف الأمريكي مع تمايزات بسيطة عن ذلك الموقف، أو دون تأثير يذكر بسبب ذلك الانحياز.

مسارات التطبيع المشار إليها تساهم بدرجات مختلفة في احتواء ما كان يمكن أن يكون تصعيدا أو استقطابا أكثر حدة في التوترات القائمة ولكنه غير كافٍ لاحتواء كلي لهذه التوترات المفتوحة على كل أنواع التصعيد بشكل مباشر أو بالوكالة عبر أطراف حليفة مختلفة.

المنطقة تعيش على صفيح ساخن في سباق بين مسارات تطبيعية لم تستقر بعد بقوة وفعالية ولم ينتج عنها بعض التفاهمات العملية الضرورية للإسهام في احتواء هذه الحرائق التي تطال مصالح الجميع بأشكال وأوقات مختلفة من جهة، وبين التصعيد الحاصل في هذه النقاط الساخنة والتي قد تهدد بدرجات مختلفة بعض هذه المسارات من جهة أخرى. إنه سباق بين عودة الحرائق إلى المنطقة أو النجاح التدريجي في احتوائها والعمل على إخمادها وهو أمر ليس بالسهل ولكنه ليس بالمستحيل إذا ما توفرت الرؤية والإرادة لذلك.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  بين جولة بايدن وقمة طهران.. لهيب أوكرانيا يلفح الشرق الأوسط 
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل يصبح طريق ويستفاليا العربية والمشرقية سالكًا؟