عبدالله السناوي26/02/2024
مرة بعد أخرى، وحقبة بعد أخرى يطرح سؤال الدولة الفلسطينية نفسه دون أن تتبدى أية فرص ملموسة، أو خطط متماسكة على الأرض، حتى بدا الكلام كله أقرب إلى التهويمات المراوغة.
فى الحرب على غزة تأكد للعالم أنه لا يمكن إلغاء القضية الفلسطينية، أو القفز فوق جذور الصراع وأسبابه.
بإلحاح ظاهر جرى الحديث مجددا عن «حل الدولتين»، وأنه لا أمن ولا استقرار فى المنطقة دون أن تكون للفلسطينيين دولة معترف بها دوليا تعيش بسلام مع إسرائيل.
لم تتخلف دولة واحدة فى العالم عن تبنى ذلك الحل، الذى تقادمت عليه السنين والحروب دون أن يجد طريقة للتنفيذ.
البحث عن حلول سياسية من طبيعة ما بعد الحروب.
المعضلة ــ هنا ــ أن إسرائيل غير مستعدة لتقديم أى تنازلات قد ينظر إليها على أنها اعتراف بالهزيمة فى غزة، وأن ما لديها من فوائض قوة عسكرية ودعم أمريكى مفتوح يمكنها من تمديد العدوان بذريعة تقويض «حماس» واستعادة الأسرى والرهائن دون أثمان باهظة.
برغم الانقسام السياسى والمجتمعى فى إسرائيل حول أهداف الحرب والقدرة على تحقيقها، إلا أن الكنيست قرر بما يشبه الإجماع النادر رفض إقدام أية دولة فى العالم على الاعتراف بدولة فلسطينية، أو أن تكون كاملة العضوية فى الأمم المتحدة كـ«خطوة أولى لاتفاقية سلام شاملة مع إسرائيل».
بدا مستلفتا للإنتباه أن (99) من (120) عضوا فى الكنيست، صوتوا لصالح ذلك القرار.
الكنيست كله باستثناء النواب العرب ونواب حزب العمل، الذين تغيبوا عن تلك الجلسة الخاصة.
شبه الإجماع يعنى المصادرة المسبقة لأية فرصة حل تعطى الفلسطينيين شيئا من حقوقهم المشروعة وفق المرجعيات الدولية.
بنص عبارة «بنيامين نتنياهو»: «إنه رسالة للمجتمع الدولى، ترفض أية إملاءات، أو أية خطوة أحادية، لكن إسرائيل تريد السلام على أن يتم التفاوض وجها لوجه بعد الانتصار على حماس».
لا يتسق حرف مع آخر فى تلك العبارة الملغمة.
فهو يستهدف ــ أولاــ الحليف الأمريكى الأكثر إلحاحا على حل الدولتين دون أن تكون لديه خطة معلنة.
ثم إنه يعمم الرسالة حتى لا تفكر دولة أخرى فى اتخاذ أية خطوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد، قاصدا دولا أوروبية بعينها أعربت عن ذلك التوجه.
يستهدف ــ ثانيا ــ تمديد العدوان على غزة وتوسيع نطاق الحرب على الجبهة اللبنانية بذريعة حماية أمن إسرائيل المتهم هو نفسه داخليا بالمسئولية الكاملة عما جرى فى السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023).
ويستهدف ــ ثالثا ــ مصادرة أية فرصة لصفقة جديدة يجرى بمقتضاها تبادل الأسرى والرهائن فى هدنة طويلة الأمد، كما إدخال مساعدات إنسانية عاجلة للقطاع المحاصر، الذى يتعرض لمجاعة منهجية وحرب إبادة.
بإلحاح ظاهر جرى الحديث مجددا عن «حل الدولتين»، وأنه لا أمن ولا استقرار فى المنطقة دون أن تكون للفلسطينيين دولة معترف بها دوليا تعيش بسلام مع إسرائيل.
لم تتخلف دولة واحدة فى العالم عن تبنى ذلك الحل، الذى تقادمت عليه السنين والحروب دون أن يجد طريقة للتنفيذ.
البحث عن حلول سياسية من طبيعة ما بعد الحروب.
المعضلة ــ هنا ــ أن إسرائيل غير مستعدة لتقديم أى تنازلات قد ينظر إليها على أنها اعتراف بالهزيمة فى غزة، وأن ما لديها من فوائض قوة عسكرية ودعم أمريكى مفتوح يمكنها من تمديد العدوان بذريعة تقويض «حماس» واستعادة الأسرى والرهائن دون أثمان باهظة.
برغم الانقسام السياسى والمجتمعى فى إسرائيل حول أهداف الحرب والقدرة على تحقيقها، إلا أن الكنيست قرر بما يشبه الإجماع النادر رفض إقدام أية دولة فى العالم على الاعتراف بدولة فلسطينية، أو أن تكون كاملة العضوية فى الأمم المتحدة كـ«خطوة أولى لاتفاقية سلام شاملة مع إسرائيل».
بدا مستلفتا للإنتباه أن (99) من (120) عضوا فى الكنيست، صوتوا لصالح ذلك القرار.
الكنيست كله باستثناء النواب العرب ونواب حزب العمل، الذين تغيبوا عن تلك الجلسة الخاصة.
شبه الإجماع يعنى المصادرة المسبقة لأية فرصة حل تعطى الفلسطينيين شيئا من حقوقهم المشروعة وفق المرجعيات الدولية.
بنص عبارة «بنيامين نتنياهو»: «إنه رسالة للمجتمع الدولى، ترفض أية إملاءات، أو أية خطوة أحادية، لكن إسرائيل تريد السلام على أن يتم التفاوض وجها لوجه بعد الانتصار على حماس».
لا يتسق حرف مع آخر فى تلك العبارة الملغمة.
فهو يستهدف ــ أولاــ الحليف الأمريكى الأكثر إلحاحا على حل الدولتين دون أن تكون لديه خطة معلنة.
ثم إنه يعمم الرسالة حتى لا تفكر دولة أخرى فى اتخاذ أية خطوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف واحد، قاصدا دولا أوروبية بعينها أعربت عن ذلك التوجه.
يستهدف ــ ثانيا ــ تمديد العدوان على غزة وتوسيع نطاق الحرب على الجبهة اللبنانية بذريعة حماية أمن إسرائيل المتهم هو نفسه داخليا بالمسئولية الكاملة عما جرى فى السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023).
ويستهدف ــ ثالثا ــ مصادرة أية فرصة لصفقة جديدة يجرى بمقتضاها تبادل الأسرى والرهائن فى هدنة طويلة الأمد، كما إدخال مساعدات إنسانية عاجلة للقطاع المحاصر، الذى يتعرض لمجاعة منهجية وحرب إبادة.
بانسداد الأفق السياسى الآن أمام حل الدولتين، وشبه استحالة حل الدولة الواحدة، دولة كل مواطنيها، بالنظر إلى سياسات الفصل العنصرى التى يتبناها اليمين الإسرائيلى المهيمن، فإنه من الأرجح أن تتجدد وتتسع الانفجارات، التى قد تشمل الإقليم كله، دون توقف عن المراوغات الدبلوماسية باسم «حل الدولتين»
إنه الضغط الإنسانى والعسكرى معا لتخفيف شروط المقاومة الفلسطينية لعقد صفقة محتملة يجرى التفاوض عليها.
كان مستلفتا للإنتباه فى ذلك التصريح حديثه عن السلام، قاصدا ما يقوله دوما ويؤكد عليه: «السلام مقابل السلام»، أو ألا تكون هناك دولة فلسطينية.
إذا ما كان يطلب تقويض المقاومة المسلحة، فمع من يجرى الحديث وجها لوجه؟
إذا كان هو نفسه يرفض أن تكون للسلطة الفلسطينية أى أدوار فى خطة واشنطن لليوم التالى، فما المقصود بالتفاوض وجها لوجه؟
«الدولة.. يا رب».
كان ذلك دعاء باكيا للزعيم الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات»، وهو يمسك بأستار الكعبة المشرفة، على ما روى ذات مرة المفكر القومى الراحل الدكتور «عصمت سيف الدولة».
إثر الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التى انفجرت بغضبها وحجارتها، فى (8) ديسمبر/كانون الأول (1987) تصورت أطراف دولية نافذة و«عرفات» نفسه، أن هناك فرصة ما لـ«حل الدولتين».
فى (15) نوفمبر/تشرين الثاني من العام التالى (1988) أعلن «عرفات» من فوق منصة المجلس الوطنى الفلسطينى، الذى انعقد فى قصر «الصنوبر» بالجزائر العاصمة، دولة فلسطينية من طرف واحد.
استند إعلان الدولة ــ كما جاء فى الوثيقة التى صاغها الشاعر الفلسطينى «محمود درويش» ــ إلى: «الحق الطبيعى والتاريخى والقانونى للشعب الفلسطينى فى وطنه وقرارات القمم العربية وقوة الشرعية الدولية وممارسة الشعب الفلسطينى لحقه فى تقرير المصير والاستقلال السياسى والسيادة فوق أرضه».
لم تكن هذه المرة الأولى التى يعلن فيها الفلسطينيون الاستقلال من طرف واحد.
إبان الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام (1948) أعلنت فى غزة دولة باسم «حكومة عموم فلسطين» حسب قرار التقسيم، الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فى ظل التحولات العاصفة ببنية النظام الدولى بعد انهيار الاتحاد السوفييتى جرت الدعوة عام (1991) إلى مؤتمر سلام فى مدريد ضم دولا عربية مع إسرائيل، لكنه لم يسفر عن شىء وجرى القفز إلى التفاوض السرى فى أوسلو والتوصل إلى اتفاق أنشئت بمقتضاه سلطة فلسطينية!
لم يسبق فى التاريخ السياسى الحديث أن تولت حركة تحرير السلطة قبل أن تحرر أراضيها، وتعرف حدودها، وتنشئ قواعد سيادتها الكاملة عليها، أو على جزء منها كنقطة انطلاق لاستكمال مهمتها فى تحرير بقية الأراضى المحتلة.
صممت «أوسلو» على نحو يسمح للاحتلال بالبقاء بأقل التكاليف السياسية، وألا تكون هناك فى النهاية دولة فلسطينية.
جرت المفاوضات فى «أوسلو» من الفريق الفلسطينى بلا خطة أو خرائط، ودون أن يتقن أعضاؤه اللغة الإنجليزية التى يتفاوضون بها – بتوصيف المفكر الفلسطينى «إدوارد سعيد».
مزقت إسرائيل الاتفاقية التى وقعت عليها، توسعت فى بناء المستوطنات، وبنت جدارا عنصريا يمزق الأرض ويحيل ما تبقى من فلسطين التاريخية إلى أشلاء، ومع ذلك أخذ الفرقاء الفلسطينيون يتصارعون على أشلاء وطن وأطلال سلطة حتى وصلنا إلى الأفق المستغلق الذى تصور معه كثيرون أن القضية الفلسطينية تكاد أن تكون قد دخلت دفاتر النسيان.
بانسداد الأفق السياسى الآن أمام حل الدولتين، وشبه استحالة حل الدولة الواحدة، دولة كل مواطنيها، بالنظر إلى سياسات الفصل العنصرى التى يتبناها اليمين الإسرائيلى المهيمن، فإنه من الأرجح أن تتجدد وتتسع الانفجارات، التى قد تشمل الإقليم كله، دون توقف عن المراوغات الدبلوماسية باسم «حل الدولتين».
كان مستلفتا للإنتباه فى ذلك التصريح حديثه عن السلام، قاصدا ما يقوله دوما ويؤكد عليه: «السلام مقابل السلام»، أو ألا تكون هناك دولة فلسطينية.
إذا ما كان يطلب تقويض المقاومة المسلحة، فمع من يجرى الحديث وجها لوجه؟
إذا كان هو نفسه يرفض أن تكون للسلطة الفلسطينية أى أدوار فى خطة واشنطن لليوم التالى، فما المقصود بالتفاوض وجها لوجه؟
«الدولة.. يا رب».
كان ذلك دعاء باكيا للزعيم الفلسطينى الراحل «ياسر عرفات»، وهو يمسك بأستار الكعبة المشرفة، على ما روى ذات مرة المفكر القومى الراحل الدكتور «عصمت سيف الدولة».
إثر الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التى انفجرت بغضبها وحجارتها، فى (8) ديسمبر/كانون الأول (1987) تصورت أطراف دولية نافذة و«عرفات» نفسه، أن هناك فرصة ما لـ«حل الدولتين».
فى (15) نوفمبر/تشرين الثاني من العام التالى (1988) أعلن «عرفات» من فوق منصة المجلس الوطنى الفلسطينى، الذى انعقد فى قصر «الصنوبر» بالجزائر العاصمة، دولة فلسطينية من طرف واحد.
استند إعلان الدولة ــ كما جاء فى الوثيقة التى صاغها الشاعر الفلسطينى «محمود درويش» ــ إلى: «الحق الطبيعى والتاريخى والقانونى للشعب الفلسطينى فى وطنه وقرارات القمم العربية وقوة الشرعية الدولية وممارسة الشعب الفلسطينى لحقه فى تقرير المصير والاستقلال السياسى والسيادة فوق أرضه».
لم تكن هذه المرة الأولى التى يعلن فيها الفلسطينيون الاستقلال من طرف واحد.
إبان الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام (1948) أعلنت فى غزة دولة باسم «حكومة عموم فلسطين» حسب قرار التقسيم، الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فى ظل التحولات العاصفة ببنية النظام الدولى بعد انهيار الاتحاد السوفييتى جرت الدعوة عام (1991) إلى مؤتمر سلام فى مدريد ضم دولا عربية مع إسرائيل، لكنه لم يسفر عن شىء وجرى القفز إلى التفاوض السرى فى أوسلو والتوصل إلى اتفاق أنشئت بمقتضاه سلطة فلسطينية!
لم يسبق فى التاريخ السياسى الحديث أن تولت حركة تحرير السلطة قبل أن تحرر أراضيها، وتعرف حدودها، وتنشئ قواعد سيادتها الكاملة عليها، أو على جزء منها كنقطة انطلاق لاستكمال مهمتها فى تحرير بقية الأراضى المحتلة.
صممت «أوسلو» على نحو يسمح للاحتلال بالبقاء بأقل التكاليف السياسية، وألا تكون هناك فى النهاية دولة فلسطينية.
جرت المفاوضات فى «أوسلو» من الفريق الفلسطينى بلا خطة أو خرائط، ودون أن يتقن أعضاؤه اللغة الإنجليزية التى يتفاوضون بها – بتوصيف المفكر الفلسطينى «إدوارد سعيد».
مزقت إسرائيل الاتفاقية التى وقعت عليها، توسعت فى بناء المستوطنات، وبنت جدارا عنصريا يمزق الأرض ويحيل ما تبقى من فلسطين التاريخية إلى أشلاء، ومع ذلك أخذ الفرقاء الفلسطينيون يتصارعون على أشلاء وطن وأطلال سلطة حتى وصلنا إلى الأفق المستغلق الذى تصور معه كثيرون أن القضية الفلسطينية تكاد أن تكون قد دخلت دفاتر النسيان.
بانسداد الأفق السياسى الآن أمام حل الدولتين، وشبه استحالة حل الدولة الواحدة، دولة كل مواطنيها، بالنظر إلى سياسات الفصل العنصرى التى يتبناها اليمين الإسرائيلى المهيمن، فإنه من الأرجح أن تتجدد وتتسع الانفجارات، التى قد تشمل الإقليم كله، دون توقف عن المراوغات الدبلوماسية باسم «حل الدولتين».
(*) بالتزامن مع “الشروق“