محرقة غزة والضفة.. تنسف الأساطير المؤسسة لإسرائيل!

مسلسل الرعب الصهيوني الجديد الذي نراهُ بأعيننا ونعرف أنّه كابوس فعلي على أهل غزّة والضفّة كشف حقيقة النظام العنصري الإسرائيلي، تحديداً أمام داعميه من يهود وغير يهود، ممن افتخروا به ولقّبوه بـ"الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط". هذا الجنون النازي حتماً ستكون له تداعيات عميقة وكبيرة على مستقبل الكيان الغاصب.

عندما قام مقاتلون من حركتي حماس والجهاد الإسلامي باقتحام المستعمرات المحيطة بقطاع غزّة يوم 7 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، لم يعتقد أيٌّ من عباقرة التحليل الإستراتيجي أنّ إسرائيل ستدخل أطول حرب في تاريخها، ولن تخرج منتصرة. نعم، إسرائيل بكل قدراتها الحربيّة – ومع الدعم اللا-أخلاقي الذي تؤمّنه لها أمريكا والعالم الغربي الذي يُسمّي نفسه بـ”المتحضّر” – لا تعرف مخرجاً لحربها مع أهل فلسطين.

إسرائيل تتخبّط اليوم في أزمة وجوديّة قاتلة، وهي عاجزة عن إيقاف آلة القتل الهمجية التي لا تُميّز بين مدنيّين ومقاتلين؛ بين بيوت عبادة ومراكز عسكرية؛ بين مستشفيات ومدارس وبين ثكنات عسكرية. بالمقابل، يعرف قادة إسرائيل وكل ترسانة داعميهم في أمريكا وأوروبا أنّ الهولوكوست الذي يرتكبونه ضدّ أهل فلسطين لن يأتي بالنصر الموعود!

والمفجع أن العالم المُشمئزّ من المذبحة ـ المحرقة يجلس عاجزاً عن فعل أي شيء يُجبر النازيّين الجدد وداعمهم الأكبر جو بايدن على وقف آلة القتل والدمار، إلاّ بالكلام طبعاً. نعم، لا أحد قادر على وقف هذه الجريمة الإسرائيلية لأنّ “القادر” الأمريكي والأروبي ليس فقط لا يريد إيقافها بل هو شريك مباشر في آلة القتل، وما زعمهم أنّهم يطالبون بإيصال المساعدات للمدنيين إلا محاولة لحفظ ماء وجههم القبيح.

المحرقة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة والضفّة نسفت كلّ الأكاذيب المؤسّسة للكيان العنصري وعرّته أمام العالم الذي يشاهد كلّ ذلك بقرف، حتّى أن أكثر الداعمين لإسرائيل، سياسياً ومادياً وعسكرياً وإعلامياً، هالهم وأرعبهم ما يجري من قتل همجي للأطفال والشيوخ والنساء والأطباء والمسعفين والمتطوعين الدوليين

منذ نشأتها، اتبعت إسرائيل استراتيجيّة القتل والتدمير وأصّلتها في الهويّة الإسرائيليّة، فأصبح معظم الإسرائيليّين عبارة عن قتلة نازيّين، يتلذّذون بالقتل والعنف والتعذيب، بغضّ النظر عّما إذا كانوا يقتلون طفلاً، أم إمرأةً، أم عجوزاً، أم قطّة، أم ممرّضاً، أم حتّى إسرائيلياً.. وفي موازاة ذلك، استخدم الغرب استراتيجيّة التغطيّة الكاملة والدعم المفتوح لإسرائيل من أجل أن يكون لها القدرة على تنفيذ أكبر قدر ممكن من الإجرام بحقّ كلّ من يُفكر بمحاربتها. ويصحب ذلك، إطلاق حملات إعلاميّة ودعائيّة من أجل تبرير الإجرام الصهيوني والتغطية عليه وتحريف الحقائق و..

يحتفي الكثير من اليهود والغربيّين بإسرائيل كشعلة للحريّة والديموقراطيّة، وهم يعرفون عن حقّ أنّ إسرائيل دولة تمارس الإضطهاد والجريمة، في فلسطين وحول العالم، لكنّهم يتّهمون الفلسطينيّين بالعنصريّة وارتكاب الجرائم.  هؤلاء يعرفون عن حقّ أنّ إسرائيل تمارس التمييز العنصري ضدّ الفلسطينيّين، لكنّهم يتّهمون الفلسطينيّين بأنّهم هم من يمارسوا فعل التمييز العنصري. يحتفلون بالكيان السرطاني النازي على أنّه الديموقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط، لكنّهم يعرفون جيّداً أنّ ديموقراطيّة إسرائيل كانت نتيجة التطهير العنصري الذي قامت به عصاباتها في سنة 1948، بقتلها آلافاً من الفلسطينيين وتهجير مئات الآلاف منهم، حتّى يُصبح عدد اليهود المستعمرين في الدولة الجديدة أكثريّة ديموغرافية.

نعم، المفجع ليس فقط أنّ شعباً لا ينتمي إلى فلسطين ساعدته القوى العظمى لتثبيت أقدامه الإستعمارية والبطش بأهل فلسطين. المفجع أن هذه القوى العظمى وضعت امكاناتها بتصرف الصهاينة النازيّين من أجل خلق كيان ضدّ كلّ الأعراف الأخلاقيّة والقانونيّة التي يتبجّح الغرب دائماً بالدفاع عنها.

وعندما يتكلّم الغرب حالياً عن حلّ الدولتين، يتناسى أنه كان شريكاً في قتل وهم الدولة الذي اعتمده الفلسطينيون عندما قرر ياسر عرفات أن يمشي بإتّفاق أوسلو، فماذا كانت النتيجة؟ تسميم الفلسطيني الذي مدّ يده لمصافحتهم وقتلوا كل إرادة لأن يُكَون للفلسطينيين دولتهم. وعدوا الفلسطينيّين أنّهم إذا ألقوا سلاحهم واعترفوا بإسرائيل، سيكون لهم كيانهم. وعندما صدّق الكثيرون من الفلسطينيّين هذه الوعود الكاذبة (وصدّقها وما زال يصدّقها بعض الزعماء العرب) وألقوا سلاحهم، واجهوا إستراتيجيّة إسرائيليّة-غربيّة جوهرها القضاء الكلّي على أي قدرة للفلسطينيّين أن يكوّنوا مجرد عقار في دولة، وأصبحت السلطة الفلسطينيّة مجرد ناطور يعمل في خدمة أمن إسرائيل.

نعم، بمباركة كاملة من أمريكا والعالم الغربي، تمّ قتل كلّ أمل للفلسطينيّين بالعيش في كيان لهم. غزّة، تمّ تحويلها إلى سجن مفتوح. الضفّة، مزّقها الكيان السرطاني بمستعمراته طولاً وعرضاً، بغطاء ومباركة وتمويل أمريكي غربي.
إذاً، إطالة أمد الحرب يكشف أنّ إسرائيل هي من لا يريد السلام وأنّ حلم حلّ الدولتين أصبح مستحيلاً، وأنّ حل “شعبين في دولة واحدة” سيكون لمصلحة الفلسطينيّين مع الوقت.

إطالة الحرب هي خطأ إستراتيجي ستكون تكلفته كبيرة على الكيان السرطاني، خصوصاً إذا أضفنا عوامل أخرى بدأت تظهر في إسرائيل. من جهة، نحن نشاهد التقاتل الداخلي حول الإستراتييجّة التي يجب على إسرائيل أن تتبعها. ونرى الإقتتال بين الحريديم (أي اليهود الأرثوذوكس) الذين يرفضون تأدية الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي وبين اليهود الذين يخدمون، وهذا ليس سببه أنّ الحريديم يرفضون نازيّة الجيش الإسرائيلي أو القتل بل لأنّهم يريدون لغيرهم من اليهود أنّ يدفع ضريبة الدم وهم يصلّون لهم فقط. نحن نتحدّث عن 35% من “الشعب” الإسرائيلي، أي أكثر من الثلث يرفضون الخدمة في “جيشهم”، فمن أين ستأتي إسرائيل بالمزيد من الجنود لكي تُكمل حربها على هذه الوتيرة التي نُشاهدها منذ سبعة شهور حتى يومنا هذا؟

إقرأ على موقع 180  عندما تتمرد العقلانية على العقل.. وكل موروث (3)

من جهة أخرى، علينا أن نعي ما هو الهواء الذي يُحيّي إسرائيل: خدعة أنّها الوطن الوحيد الآمن الذي يُمكن لليهود أن يلجأوا إليه إذا واجهوا إضّطهاداً في أي مكان آخر في العالم. إن إطالة أمد الحرب يُمزّق صورة الكيان الغاصب في وعي الكثيرين من اليهود والغربيّين، وحتماً إسرائيل صارت مكاناً على كل من يعيش فيه أن يشعر بالخوف والقلق والرعب، وهذا ـ مع الوقت ـ أخطر على إسرائيل من أي خطر عسكري فعلي.

وهناك طبعاً خدعة أنّ إسرائيل هي شعلة من الحريّة والديموقراطيّة وأنّ جيشها يتبع أساليب أخلاقيّة في القتال، بينما كشفت لنا الحرب فعليّاً أن إسرائيل، تمارس أقبح الجرائم من دون أي رادع، وأنّ جيشها مجموعة من المتوحّشين لا تختلف بشيء عن الهمج الأوركس (Orcs) في رواية Lord of the Rings.

المحرقة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة والضفّة نسفت كلّ الأكاذيب المؤسّسة للكيان العنصري وعرّته أمام العالم الذي يشاهد كلّ ذلك بقرف، حتّى أن أكثر الداعمين لإسرائيل، سياسياً ومادياً وعسكرياً وإعلامياً، هالهم وأرعبهم ما يجري من قتل همجي للأطفال والشيوخ والنساء والأطباء والمسعفين والمتطوعين الدوليين..

ستّة أشهر من الحرب على أهل فلسطين، تبدو إسرائيل ضائعة، مهزومة، مفضوحة، تقف على أشلاء الفلسطينيّين، لكن لا نصر ولا من ينتصرون ولا من يحزنون.

Print Friendly, PDF & Email
سليمان مراد

كاتب وأستاذ جامعي مقيم في الولايات المتحدة

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الحريري لو يحمي لوحة لبنان على جدار العرب!