رفح تختبر حدود صبر بايدن على إبتزازه إسرائيلياً.. “عالمكشوف”!

يُقال إن الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي مجالسه الخاصة، يتأفف ويتبرم ويُكيل لرئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو أقذع الصفات، لأنه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بنى الأخير سياسته على الأخذ وليس على العطاء، مما أوقع بايدن في حرج كبير وأظهره بمظهر العاجز عن إحداث تغيير مسار الحرب في غزة. يحدث هذا برغم أن الرئيس الديموقراطي قدّم لإسرائيل ما لم يُقدّمه رئيس أميركي لها منذ العام 1948.   

يعرف بايدن ونتنياهو بعضهما منذ أكثر من 30 عاماً عندما كان بايدن سناتوراً ورئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ونتنياهو كان مسؤولاً في السفارة الإسرائيلية بواشنطن. ومن جانب بايدن، يعتبر نتنياهو “صديقاً وإن كان لا يوافق على كل ما يقوله”. هكذا كتب الرئيس الأميركي على صورة أهداها إلى نتنياهو منذ عقود.

والتوترات بين نتنياهو والرؤساء الأميركيين ليست أمراً جديداً. ويذكر آرون ميلر، المفاوض الأميركي السابق في الشرق الأوسط في صحيفة “الغارديان” أنه عندما خرج الرئيس الأميركي بيل كلينتون من أول اجتماع مع نتنياهو في حزيران/يونيو 1996 “كان غاضباً ثم قال ما هذه القوة العظمى الموجودة هنا”، ويُردف ميلر “الإحباط من نتنياهو ليس جديداً”.

وإبّان رئاسة باراك أوباما، نشرت صحيفة “الأتلانتيك” عام 2014 تقريراً يُحذّر من انهيار كامل في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية. وتحدّى نتنياهو أوباما عندما تحدث أمام جلسة مشتركة للكونغرس هاجم فيها الإتفاق النووي مع إيران.

ويملك بايدن نفسه تجربة صادمة مع نتنياهو عندما زار إسرائيل عام 2010 بصفته نائباً للرئيس، وإذا برئيس الوزراء الإسرائيلي يتقصد الإعلان بالتزامن مع الزيارة عن مشروع استيطاني كبير في جبل أبو غنيم بالقدس الشرقية.

الآن، كلٌ من بايدن ونتنياهو يقاتل من أجل انقاذ نفسه والبقاء في السلطة، لكن طريقهما متعارضان. حتى الخميس الماضي، بلغ عدد المكالمات الهاتفية بينهما 19 مكالمة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، شاب بعضها التوتر والحدة من قبل الرئيس الأميركي، على خلفية عدم حصول تقدم فعلي في تفادي إلحاق إصابات بين المدنيين الفلسطينيين، ورفض الحكومة الإسرائيلية الانتقال إلى مرحلة من الحرب تقوم على وقف العمليات العسكرية الكبرى والتركيز على “أهداف منتقاة”، وعدم إدخال مساعدات انسانية كافية إلى القطاع، ورفض الحديث في “اليوم التالي” للحرب والنقاش في التصور الأميركي لتسوية دائمة للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، تقوم على حل الدولتين وعلى “دمج” إسرائيل بالمنطقة عبر تطبيع العلاقات مع السعودية.

يتطلب كل ذلك موافقة نتنياهو أقله على ما درجت واشنطن على تسميته “هدنة انسانية مؤقتة” من أجل تبادل الأسرى وارساء أرضية للبحث في الجوانب السياسية التي ستترتب على اليوم التالي للحرب. كان رد نتنياهو مماطلة في موضوع الهدنة وأمراً للجيش بالاستعداد للهجوم على رفح في أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر.

التهديد باجتياح رفح التي تضم مليون ونصف المليون نازح فلسطيني في بقعة لا تتجاوز مساحتها 60 كيلومتراً مربعاً، زاد من حراجة الموقف الأميركي، إذ أنه من ناحية لا يستطيع البيت الأبيض إعلان موقف يعارض علانية الهجوم، فكان المخرج أن يطلب بايدن من نتنياهو تأمين الحماية للمدنيين قبل العمل العسكري. الجواب الإسرائيلي كان أن هناك خطة لنقل السكان إلى مناطق محاذية لشاطىء المتوسط.

ما دامت الحرب هي الوسيلة الوحيدة التي يراها نتنياهو ضمانة للبقاء في السلطة، فلن يتورع عن الهجوم على رفح، وربما بعدها على لبنان؛ فهل يُغيّر ذلك من قناعات بايدن بضرورة اللجوء إلى إجراءات أكثر فعالية من الخطابات لردع نتنياهو وحمله على القبول بهدنة تؤسس لحل سياسي؟ إن لم يفعل، فإنه يُقدّم انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل هدية لمنافسه دونالد ترامب

وفي الوقت نفسه، حاولت واشنطن عبر ارسال مدير وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إي” وليم بيرنز إلى القاهرة والدوحة وتل أبيب، تضييق الفجوة في مفاوضات الهدنة، مما يخدم غرضين: انجاز عملية التبادل وإرجاء هجوم رفح، لأن الولايات المتحدة وبقية العالم على يقين أن الهجوم على رفح سينتهي بكارثة إنسانية جديدة وبفتح الاحتمالات على توسع الصراع إلى خارج حدود غزة.

التلويح المصري بتعليق معاهدة كمب ديفيد لا تأخذه إسرائيل على محمل الجد. وبدأت السلطات المصرية في تجهيز شريط ضيّق من الأرض يتسع لنحو مئة ألف نازح من رفح. لكن الأمم المتحدة تُحذّر من احتمال اندفاع أعداد أكبر بكثير من الفلسطينيين تحت ضغط القصف الإسرائيلي. وماذا ستكون عليه الجبهات الأخرى المساندة لغزة في حال حصول عملية تهجير جديدة للفلسطينيين، أو في حال شدّدت إسرائيل الطوق على قيادة “حماس” في القطاع.

يُصوّر نتنياهو الهجوم على رفح بأنه سيُعيد له هيبة ومكانة فقدهما لدى الجمهور الإسرائيلي، وتالياً سيبقى عصياً على المحاسبة عن الإخفاق في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وهو لا يراعي مصلحة بايدن في سنة أميركية انتخابية حرجة. وهذا ما يُفاقم التوتر بينهما. وفي الموازاة، يستخدم نتنياهو الاستعداد للهجوم على رفح لانتزاع تنازلات من “حماس” في مفاوضات التبادل.

حتى حينه، يرفض بايدن استخدام مبيعات الأسلحة لإسرائيل كرافعة لإرغام نتنياهو على الانصياع للطلبات الأميركية أو السماح بصدور قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف النار في غزة أو طرح فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية.

إقرأ على موقع 180  هيكل، أوباما، "الهضبة الإيرانية" والبيت الأبيض

وتكتب صحيفة “النيويورك تايمز”، أن بايدن لا يزال يُعوّل على “الانتقادات المنبرية” التي يُوجهّها إلى الحكومة الإسرائيلية للتعبير عن عدم رضاه. ويلاحظ بريان كاتوليس الزميل الباحث في معهد الشرق الأوسط للأبحاث الذي يتخذ واشنطن مقراً له، أن الرسائل العلنية التي تُوجّهها إدارة بايدن، كان لها تأثير ضئيل في دفع نتنياهو إلى تطوير استراتيجية خروج من غزة، أو مماشاة هدف الإدارة في اطلاق مباحثات من أجل إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

وفي الشهر الماضي، اتصل رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس الذي خدم في وزارة الخارجية إبان ولايتي جورج بوش الأب وجورج بوش الإبن، بنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس من أجل اقناع بايدن بتغيير موقفه من الحرب في غزة، واقترح بحسب مجلة “بوليتيكو” الأميركية أن يتوجه الرئيس إلى إسرائيل لإلقاء خطاب في الكنيست كي يشرح رؤيته مباشرة للشعب الإسرائيلي. وفي رأي هاس أن سياسة نتنياهو تُلحق الضرر بصدقية أميركا في الخارج وبشعبية الرئيس بايدن في الداخل.

وما تخشاه إدارة بايدن أيضاً، أن عدم التوصل إلى هدنة من الآن وحتى شهر رمضان والمضي في الهجوم على رفح، قد يدفع إلى توسيع نطاق التوتر الإقليمي برغم “الرسائل المتبادلة” بين الولايات المتحدة وإيران وعدم الذهاب إلى احتكاك أميركي-إيراني مباشر حتى الآن.

وما دامت الحرب هي الوسيلة الوحيدة التي يراها نتنياهو ضمانة للبقاء في السلطة، فلن يتورع عن الهجوم على رفح، وربما بعدها على لبنان.

هل يُغيّر ذلك من قناعات بايدن بضرورة اللجوء إلى إجراءات أكثر فعالية من الخطابات لردع نتنياهو وحمله على القبول بهدنة تؤسس لحل سياسي؟

إن لم يفعل، فإنه يُقدّم انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل هدية لمنافسه دونالد ترامب!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  ما بعد الإنتخابات.. تغيّرت قواعد اللعبة