النازية الألمانية.. الأبُ الفعليُ لإسرائيل!

يكثر التبجّح بالديموقراطيّة والحريّة والإنسانيّة والعدالة والسلام وحقوق الإنسان والقانون في المجتمعات الغربية، لكن المساعدة الغربية لإسرائيل في إبادة أهل فلسطين (خصوصاً في غزّة والضفّة)، والوقوف بالمرصاد لكل من يناصر فلسطين، فضح ويفضح نفاق الغرب وبرهن أنّ لهذه المفردات معانٍ مختلفة عمّا نجده في القواميس اللغويّة لأنّ التلاعب باللغة هو من أهمّ استراتيجيّات الغرب للهيمنة على العالم.

في الثاني عشر من نيسان/أبريل 2024، منعت ألمانيا غسان أبو ستّة (وهو طبيب وأكاديمي فلسطيني-بريطاني ورئيس جامعة غلاسكو في أسكتلندا) من حضور مؤتمر في برلين وإلقاء كلمة فيه عن تجربته في مستشفيات غزّة في الأسابيع الأولى من المحرقة التي ترتكبها إسرائيل هناك منذ ستة أشهر ونيف. هذا المنع يُذكّرنا بممارسات هتلر وعصابته عندما استلموا السلطة، وهو ليس مخالفاً لكلّ الأعراف التي تتبجّح بها ألمانيا “ما-بعد” النازيّة، بل هو منعٌ نازيٌ بحيثيّاته الواهية وأسلوبه الترهيبي.

وقوف ألمانيا بجانب إسرائيل ودعمها بكلّ الوسائل لا يجب أن يُشكّل مفاجأةً لأحد، لأنّ علاقتهما أعمق ممّا نعتقد، وهي ليست فقط نتيجة الندم الذي حصل بعد الهولوكوست. فالنازيّة الألمانية هي الأبّ الفعلي لإسرائيل، لذلك نجد شبهاً مُطلقاً بينهما من حيث ممارسات إسرائيل الفاشيّة، وكأنّ أفعال الابن تعيد حنين الأب إلى أمجاده السابقة.

نحن لا نتكلّم عن عودة النازيّة إلى ألمانيا من خلال يمين متطرّف أو مجموعة من رعاع مهمّشين في ألمانيا. عرّابو النازيّة الألمانيّة الجديدة – والتي تطل برأسها بصورة مخيفة منذ بدء حرب أوكرانيا – هم يساريّون ومناصرو بيئة ومحبّو الديموقراطيّة الحرّة. هنا علينا أن نسأل هل نحن نقرأ هذه العبارات بمعناها الصحيح أم هي مجرد ألاعيب لغويّة اعتاد الغرب استخدامها لخداع العالم؟

عندما تقوم أمريكا، وعن خجل، بفرض “عقوبات” على شلّة قليلة من هؤلاء المستعمرين أو على كتيبة في الجيش الإسرائيلي، فهذا لا ينبع من حسّ بالمسؤوليّة الأخلاقيّة عن أفعالهم بل هو للتهرّب منها، لأنّهم يعرفون أنّ الإستعمار هو في جوهر المشروع الصهيوني النازي، وأنّهم داعميه من أوّل يوم.. وفي كلّ يوم

نعم، أليس من واجب “اليساري” أن يكون نصيراً للحريّة التي تقمعها الهيمنة الغربيّة؟ أليس من واجب “المناصر للبيئة” أن يحافظ على هذا الكوكب من التلوّث والسموم التي تنتجها مصانع بلاده؟

أليس “الديموقراطي الحرّ” هو المناضل من أجل حماية الحقوق والعدالة التي تنتهكها أجهزة دولته؟

كلاّ، في العرف الألماني والغربي، “اليساري” هو المغروم بالقمع وتعميمه؛ “المناصر للبيئة” هو المتفاني في توريد الأسلحة الفتّاكة إلى أوكرانيا وإسرائيل و.. من أجل استخدامها للقضاء على الحياة والنبات والحيوان، والديموقراطي الحرّ هو إله البطش الذي يدوس برجله على القوانين والأعراف من أجل إسكات من يريد إسكاته وكسره.

المهيمنون على الغرب يتلاعبون بالكلمات والعبارات ولكنهم يقصدون فعليّاً عكسها، وفي الوقت نفسه، هُم يُعطون كلام المناصرين لقضيّة فلسطين معانٍ هدفها إسكاتهم. مثلاً، الإتّهام بمعاداة الساميّة لكلّ من يُردّد شعار “من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرّة” (From the River to the Sea, Palestine will be free)، وهي جزء من الحملة الغربيّة الشرسة للتغطية على الإجرام النازيّ الإسرائيليّ والهولوكوست الإسرائيلي الذي ترتكبه فرقة المستعمرين اليهود بحقّ الفلسطينيّين في غزّة والضفّة.

المذهل أنّ شعار “من النهر إلى البحر” هو شعار إسرائيل الدائم؛ طبّقته منذ تأسيسها وتبنّاه حزب “الليكود” الإرهابي علانيّة في سنة 1977، لكن الغرب تجاهل وما زال يتجاهل ذلك. نعم، منذ نشأتها، تتبع إسرائيل، بالسياسة والممارسة والقمع الوحشي، سياسة الإستيلاء المنهجي على كامل أرض فلسطين، منتهكة بذلك ومعتدية على القوانين والقرارات الدوليّة والأعراف الأخلاقيّة التي يتبجّح بها الغرب.

بالمقابل، عندما يُردّد مناصرو فلسطين شعار “من النهر إلى البحر”، فذلك لأنّهم عاجزون فعليّاً عن إيقاف آلة التدمير والفتك الصهيوني وإرجاع الحقوق لأهل فلسطين. أمّا عندما يُردّدها مناصرو إسرائيل، فذلك لأنّها في صلب الفكر والممارسة الفعليّة للصهيونيّة النازيّة تجاه أهل فلسطين وحقوقهم. ويلخّص هذه السياسة بكلّ وضوح برنامج حزب “الليكود” الإسرائيلي، الذي سيطر منذ صعوده بقيادة الإرهابي مناحيم بيغن في أوائل سبعينيات القرن المنصرم، على السياسة الإسرائيليّة بشكل شبه مستمر (وصعود “الليكود” هو من الأدلّة على الإنعطافة الحادّة في التطرّف داخل المجتمع الصهيوني). وقد نصّ برنامج “الليكود” على ما يلي:

حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل

أ. إنّ حقّ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل هو حقّ أبدي لا يقبل الجدل، ويرتبط بالحقّ في الأمن والسلام. لذلك لن يتمّ تسليم يهودا والسامرة إلى أيّ إدارة أجنبيّة. وبين البحر والأردن، لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية.

ب. إنّ الخطّة التي تتخلى عن أجزاء من غرب أرض إسرائيل، تقوّض حقّنا في البلاد، وتؤدّي حتماً إلى إقامة “دولة فلسطينية”، وهو ما يعرّض للخطر أمن السكّان اليهود ووجود دولة إسرائيل، ويحبط أي احتمال للسلام.

السلام الحقيقي – هدفنا المركزي

أ. ستضع حكومة الليكود تطلعاتها للسلام في مقدّمة أولويّاتها ولن تدّخر جهداً في سبيل تعزيز السلام. سيعمل الليكود كشريك حقيقي في مفاوضات معاهدة السلام مع جيراننا، كما جرت العادة بين الدول. وحكومة الليكود ستحضر مؤتمر جنيف.

ب. مبادرة حكومة الليكود للسلام ستكون إيجابيّة. مباشرةً أو عن طريق دولة صديقة، ستدعو إسرائيل جيرانها إلى إجراء مفاوضات مباشرة، من أجل التوقيع من دون شروط مسبقة من أي من الطرفين ومن دون أيّ صيغة حلّ اخترعتها جهات خارجيّة. خلال المفاوضات، يكون لكلّ طرف الحرية في تقديم أيّ مقترحات يراها مناسبة.

 المستعمرات

المستعمرات، سواء في المناطق الحضريّة أو الريفيّة، في جميع أنحاء أرض إسرائيل، هي النقطة المحوريّة للجهد الصهيوني لاسترداد البلاد، والحفاظ على مناطق أمنيّة حيويّة لكي تكون مخزون من القوّة والإلهام لتجديد الروح الرياديّة. وستدعو حكومة الليكود جيل الشباب في إسرائيل والشتات إلى الإستيطان، وستساعد كل جماعة وفرد منهم في مهمّة السكن وزراعة الأراضي المتروكة، مع الحرص على عدم تجريد أحد من ملكيته.

المنظّمات الإرهابيّة العربيّة

منظّمة التحرير الفلسطينيّة هي ليست بمنظّمة تحرير وطني، بل هي منظّمة قتلة، تستخدمها الدول العربيّة كأداة سياسيّة وعسكريّة – وهي تخدم أيضاً المصالح الإمبرياليّة السوفياتيّة لإثارة الأضطّرابات في المنطقة – والتي هدفها تصفية دولة إسرائيل وإقامة دولة عربيّة بدلاً منها، وجعل أرض إسرائيل جزءاً من العالم العربي. وستسعى حكومة الليكود جاهدةً للقضاء على هذه المنظّمات القاتلة لمنعها من القيام بأعمالها الدمويّة”. (1)

من الواضح أنّ الكلام عن “السلام الحقيقي”، وفق القاموس الصهيوني النازي معناه قتل وتشريد كل فلسطيني، لأنّه من دون ذلك، سيبقى هناك من يطالب بالحقوق ويكون شاهداً على إجرام إسرائيل، ويُشكل خطراً على الدولة الصهيونيّة النازيّة وداعميها.

إقرأ على موقع 180  في ماهيّة الإسلام.. ثقافة الباذنجان وسَجن الله! (23)

ومعنى “الإرهاب” هو أنّ أي نوع من المقاومة، أكانت عسكريّة أم سلميّة، هي إرهاب. وحتّى أحلام الفلسطينيّين بالحريّة هي في نظر الصهاينة النازيّين وشركائهم إرهاب. لذلك يرهبهم كلّ من يتجرّأ على مناصرة إسرائيل بالمحاضرة أو بالقلم أو بالصورة الفوتوغرافيّة أو..

ومعنى “من دون شروط مسبقة” أن من يفاوض إسرائيل عليه أن يستسلم لشروطها كاملةّ وينسى ممارساتها النازيّة بحق أهل فلسطين ويتنازل عن كامل حقوقهم في أرضهم.

ومعنى “المستعمرات” هو أنّ إسرائيل كانت وستبقى كياناً إرهابياً دموياً، لأنّها لا يمكن أن تستمرّ على ما هي عليه من دون تجديد “الروح الرياديّة” التي تعني الولع بالقتل والتعذيب والتنكيل و..”بأهل فلسطين”. نعم، “الروح الرياديّة” تعني حرفيّاً ما نشاهده في غزّة والضفّة (وتحديداً ما سنشهده قريباً من اقتحام دموي لرفح أو ما شاهدناه مؤخراً من اجتياحات صهاينة نازيّة همجية لمدن وقرى فلسطينية في الضفّة).

وعندما تقوم أمريكا، وعن خجل، بفرض “عقوبات” على شلّة قليلة من هؤلاء المستعمرين أو على كتيبة في الجيش الإسرائيلي، فهذا لا ينبع من حسّ بالمسؤوليّة الأخلاقيّة عن أفعالهم بل هو للتهرّب منها، لأنّهم يعرفون أنّ الإستعمار هو في جوهر المشروع الصهيوني النازي، وأنّهم داعميه من أوّل يوم.. وفي كلّ يوم.

لم يكن هناك مطلقاً أيّ مساءلة لحزب “الليكود” أو لأي من زعمائه أو أعضائه عن تبني هذا البرنامج الذي تُرجم سياسة تنكيل صهيونية نازية ممنهجة بحق الفلسطينيّين. بينما كل كلمة يتفوّه بها المناصرون لفلسطين يتمّ تحريف معانيها لكي يصبح من السهل للأجهزة الأمنيّة والقضائيّة والإعلاميّة في الغرب ممارسة التهميش والإتّهام والتنكيل بحقّ هؤلاء.

نعم، اللغة التي يستعملها الصهاينة النازيّون في إسرائيل تتبع نهج وأسلوب أمريكا وباقي دول الغرب، لأنّها تدعو إلى عكس ما يعنيه معناها الفعلي في القاموس اللغوي. وإذا قلنا أنّه يحقّ للغرب وإسرائيل ما لا يحقّ لغيرهما لأنّهم يمارسون القوة والبطش وأنّه بمقدورهم أن يستخدموا اللغة ويكسروا قواعدها، كما يشاؤون، فعلينا على الأقلّ أن نكون واعين لذلك، لأنّ لسوء الفهم أبعادٌ كارثيّة علينا.

(1) المصدر: https://www.jewishvirtuallibrary.org/original-party-platform-of-the-likud-party

Print Friendly, PDF & Email
سليمان مراد

كاتب وأستاذ جامعي مقيم في الولايات المتحدة

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  الهوية الوطنية اللبنانية ممكنة أم مستحيلة؟