لماذا يخشى فريدمان على “يهود العالم”؟

توماس فريدمان، الكاتب الأميركي اليهودي البارز، يمتلك، كما هو معروف، حظوة ونفوذاً بارزين على الملوك والرؤساء العرب الموالين لأميركا.

مثلاً، هو ساهم بدرجة كبيرة في بلورة المشروع السعودي للسلام مع إسرائيل والذي اقرّته القمة العربية في بيروت في العام ٢٠٠٢. كما أنه كان مؤخراً في منطقة الخليج ضيفاً على بعض الحكومات فيها، للبحث في كيفية المضي قدما في معاهدة السلام السعودية – الإسرائيلية، برغم الحرب المحورية في غزة.

فريدمان هذا بدأ يشعر بالقلق من أن استمرار حرب غزة قد يُعرّض الأنظمة العربية “المتحالفة” مع واشنطن إلى الخطر، خاصة مصر والأردن، ويُهدّد مصير إسرائيل والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

كلام خطير بالطبع. لكن، ثمة ما هو أخطر هنا: تحذير فريدمان من أن استمرار حرب غزة “قد يُعرّض اليهودية العالمية للخطر”.

لم تكن هذه المرة الأولى التي ينطق بها فريدمان بهذه المخاوف الخطيرة. ففي اليوم الرابع من حرب غزة، كان مثيراً وملفتاً للغاية أن يختم الكاتب مقاله آنذاك بالجملة التالية: “أناشد الرئيس جو بايدن التدخل السريع والفوري في غزة قبل أن يُشكّل هذا النزاع خطراً على يهود العالم”.

لم يتوقف المحللون طويلاً حينها أمام هذه الكلمات. ولم يدركوا أسباب مخاوف فريدمان هذه، إلا بعد أن انفجر طلاب الجامعات الأميركية وباقي الجامعات في العالم في وجه إسرائيل في الأشهر التالية.

بالطبع، الجانب الإنساني كان حاضراً في هذه الانتفاضات، ولا سيما في صفوف الطلاب الليبراليين واليساريين. لكن الأرجح أن هناك دافعاً آخر وأخطر: بدء إدراك القوى التقدمية في العالم للروابط العضوية بين الحركة الصهيونية ومن يدعمها من القوى المالية اليهودية العالمية، وبين النظام الرأسمالي النيوليبرالي الدولي الذي كان يشهد منذ التسعينيات الماضية انتفاضات مليونية متتالية ضدها من “المجتمع المدني العالمي”، الذي أطلقت عليه الصحف الأميركية آنذاك نعت “القوة العظمى الجديدة”، وأسماه زبغنيو بريجنسكي “ثورة الشارع السياسي العالمي”.

فريدمان بدأ يشعر بالقلق من أن استمرار حرب غزة قد يُعرّض الأنظمة العربية “المتحالفة” مع واشنطن إلى الخطر، خاصة مصر والأردن، ويُهدّد مصير إسرائيل والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط

هذه الانتفاضات (التي كانت زميلة منتدى التكامل الإقليمي د. ليلى غانم أحد قادتها البارزين في إطار حركة العولمة البديلة) همدت نسبياً بعد أحداث ١١ سبتمبر/أيلول في نيويورك وواشنطن وبدء “الحرب العالمية” ضد “الإرهاب الإسلامي”.

لكن، يبدو واضحاً الآن أن قضية فلسطين التي أعاد “طوفان الأقصى” فرضها على جدول الأعمال العالمي، سلّحت القوى المناوبة للعولمة التكنو رأسمالية بمدد ايديولوجي- إنساني هائل يتغذى من “الجرائم العرقبادية” (وفق التعبير الموفّق للزميل في المنتدى د. مكرم مخول). لكن هذه المرة، كان الرأسمال اليهودي العالمي – الصهيوني جزءاً أساسياً من استهدافات المنتفضين. وهذا أمر لم يحدث قط طيلة العقود الثلاثة الماضية التي كانت تشهد ثورة المجتمع المدني العالمي ضد الدمار البيئي – الإيكولوجي والإجتماعي والقيمي الذي تقوم به العولمة النيوليبرالية في كوكب الأرض.

وهذا بالتحديد ما يخشى منه الآن توماس فريدمان؛ أي استهداف يهود العالم، وليس فقط يهود الصهيونية، من جانب اليسار التقدمي والليبرالي، كما من طرف اليمين المتطرف العالمي (بخاصة الأوروبي) الذي تشهد الآن ايديولوجيته العنصرية (وبالتالي اللاسامية) انبعاثاً واسعاً وخطيراً.

توماس فريدمان، إذاً، على حق تماماً في قلقه على مصير يهود العالم، خصوصاً مع بدء الحديث عن السيطرة الكاسحة لأقلية الأقليات في العالم ( اليهود 0.1% المئة من سكان العالم) على مفاصل الإقتصاد المالي والتكنولوجي في العالم، وعلى نصف وزراء ومدراء الإدارة الأميركية الحالية.

***

في أوائل القرن الحادي والعشرين، زار مسؤول أميركي يهودي كبير في البنك الدولي الكيان الإسرائيلي وتجّول في العديد من المناطق، حيث كان القادة العسكريون الإسرائيليون يشرحون له الأسباب الاستراتيجية لضرورة استمرار الإحتلال الاسرائيلي في الضفة وغزة.

بدا هذا المسؤول مقتنعاً تماماً بضرورة وجود العمق الاستراتيجي هذا. لكنه حين اجتمع بالقادة السياسيين الإسرائيليين فاجأهم بالقول:

“أنتم اليهود تحكمون كل جغرافيا العالم. ولذا، أليس من غير المنطقي أن تتمسكوا بقطعة أرض صحراوية لا تتجاوز العشرين ألف كيلومتر مربع وتخوضون حروباً متصلة من أجلها؟ إنه غباء حقاً”.

هذا “الغباء حقاً” هو ما يثير الآن قلق توماس فريدمان.. وهو على حق!

(*) راجع المقالة الأخيرة لتوماس فريدمان في “نيويورك تايمز

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  عن الصحافة النجومية.. بلا "هياكلها"!
سعد محيو

كاتب سياسي، مدير منتدى التكامل الإقليمي

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  عن الصحافة النجومية.. بلا "هياكلها"!