أميركا و”نورد ستريم – 2″… خيارات محدودة

Avatar18020/09/2019
يمثل خط الأنابيب "نوردستريم -2" جبهة جديدة في  الصراع المحتدم في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وروسيا في القارة الأوروبية، وفي وقت تحاول واشنطن عرقلة المشروع أو وقفه، تبقى خياراتها محدودة.

أصبحت المنافسة على إمدادات الطاقة في أوروبا عنصراً أساسياً في المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا. يتضح ذلك جلياً من خلال سعي الأميركيين لوأد مشروع “نورد ستريم – 2” (السيل الشمالي)، من خلال فرض عقوبات اقتصادية قاسية.

ومع أنّ الولايات المتحدة لم تتخذ حتى الآن أيّة إجراءات عملية في هذا السياق، إلا أنّ المسؤولين الأميركيين يبدون استعاداداً للقيام بكل شيء لوقف المشروع الروسي، أخذاً في الحسبان، في الوقت ذاته، موقف الأوروبيين، بما في ذلك الألمان وشركات الطاقة الأوروبية الكبرى التي استثمرت في “نورد ستريم”.

ثمة خيارات متعددة يمكن للولايات المتحدة أن تلجأ إليها في مواجهة المشروع الروسي، ولكن يبدو أن الاهتمام الرئيسي ينصب حالياً على خيار تأخير مدّ خط الأنابيب المذكور، بدلاً من إثارة غضب الروس وشركائهم الأوروبيين، بجانب الاستمرار في دعم مشاريع التنويع في مجال الطاقة، وتكثيف الجهود المبذولة لزيادة الإمدادات البديلة إلى أوروبا.

تمثل المعركة على خط الأنابيب الجديد مثالاً على الصراع المحتدم في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وروسيا في القارة الأوروبية.

لقد عززت البنية التحتية الواسعة لخطوط الأنابيب التي تربط موارد الطاقة الروسية بالقارة الأوروبية اقتصاد روسيا، والأهم أنها منحت موسكو نفوذاً سياسياً كبيراً على شركائها في الاتحاد الأوروبي المستوردين للغاز.

على هذا الأساس، وبهدف تقليص هذا التأثير، تحاول الولايات المتحدة تقييد مشاريع الطاقة الروسية، ودعم تنويع مزودي الغاز الطبيعي إلى أوروبا بمشاريع منافسة، من بينها ممر الغاز الجنوبي (الذي يسعى للالتفاف على روسيا) أو من خلال زيادة صادراتها من الطاقة إلى القارة الأوروبية.

وفي وقت تتعالى الأصوات في الولايات المتحدة، بما في ذلك من قبل دونالد ترامب، بشأن نيّة البيت الأبيض إعداد مشروع قانون بفرض عقوبات على “نورد ستريم”، وهي خطوة يرى المراقبون في أوروبا أنها ستشكل ضربة قاسية للمشروع  الروسي، فإنّ كثيرين يحذرون من أن خطوة كهذه تنطوي على مخاطرة كبرى، وهي إثارة غضب ألمانيا، في الوقت الذي يحاول فيه البيت الأبيض التأثير على برلين في عدد من القضايا المهمة الأخرى، ومن بينها زيادة الإنفاق الدفاعي، ومنع شركة الاتصالات الصينية العملاقة “هاواوي” من طرح شبكتها من الجيل الخامس.

لذلك، من المتوقع أن تلتزم الولايات المتحدة بنهج أكثر واقعية ينصب على تأخير الجدول الزمني للمشروع الروسي من دون القضاء عليه تماماً.

كان من المقرر أصلاً أن يبدأ مشروع “نورد ستريم”، الذي أنطلقت عملية انشائه في أيار عام 2018 ، بحلو نهاية عام 2019.

وسيمكّن خط الأنابيب، البالغة تكلفته 11 مليار دولار، روسيا من تصدير 55 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، وبالتالي الالتفاف حول دول العبور الحالية المناهضة لروسيا (بولندا، أوكرانيا، إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا).

في موازاة ذلك، يمثل خط الأنابيب أهمية عملية لألمانيا، إذ سيمكّنها من التنويع في مصادر الطاقة، عبر التقليل من استخدام الفحم الحجري والطاقة النووية، وسيساعدها في تجنب تعطل إمدادات الغاز الطبيعي المرتبطة بالخلافات الثنائية بين موسكو ودول العبور.

وبالرغم من أن ألمانيا وروسيا ستستفيدان معاً من المشروع، إلا أن “نورد ستريم” قوبل برد فعل عنيف في أوروبا: على مدار العقد الماضي، نظّم الاتحاد الأوروبي بنيته التحتية القانونية على أساس الحد من قدرة موسكو على استخدام الغاز الطبيعي كأداة للتأثير السياسي على الدول الأوروبية، وبخاصة تلك الموجودة في أوروبا الشرقية.

على هذا الأساس يثير خط الأنابيب الألماني – الروسي الجديد مخاوف بين بعض دول الاتحاد الأوروبي – ولا سيما في أوروبا الشرقية – بشأن المخاطر المترتبة على زيادة اعتماد القارة على الغاز الروسي.

لكن إلى حد بعيد، تبدو الولايات المتحدة الخصم الأكبر لـ”نورد ستريم”. وكجزء من المواجهة المستمرة مع موسكو، عززت واشنطن علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق في السنوات الأخيرة. وفي حال اكتمال مشروع “نورد ستريم”، تخشى الولايات المتحدة من أن روسيا ستستخدم خط الأنابيب الجديد للضغط الجيوسياسي ضد هذه البلدان من خلال جعلها أكثر عرضة لخفض إمدادات الطاقة، وفي الوقت ذاته، حرمانها من إيرادات الترانزيت.

العقوبات الأميركية… سلاح ذو حدين

على هذا الأساس، كثفت الولايات المتحدة تهديدها لعرقلة خط الأنابيب بين ألمانيا وروسيا عن طريق التلويح بفرض عقوبات اقتصادية قاسية.

في 15 أيار الماضي، قدّم أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الديموقراطي والجمهوري مشروع قانون لفرض عقوبات مالية وعقوبات سفر شاملة على الكيانات والأفراد المشاركين في المشروع، بما في ذلك الشركات التي تصنّع السفن المستخدمة في مد الأنابيب تحت الماء.

ضرب مشروع “نورد ستريم” يشكل تهديداً للعلاقات الأميركية – الألمانية

حتى الآن، لا توجد سوى شركتين أوروبيتين، هما “سايبم” الإيطالية و”أولسيز” السويسرية، بامكانهما تزويد المشروع الروسي بالسفن والمعدات المخصصة لمدّ الأنبابيب، وبالتالي يعتقد الأميركيون أن العقوبات المقترحة إذا فرضت بالكامل، فستكون قادرة على وقف مسار “نورد ستريم”.

إقرأ على موقع 180  صاعق آخر في مرفأ بيروت؟

ومع ذلك ، يتردد البيت الأبيض حتى الآن في اتخاذ إجراءات ملموسة ضد “نورد ستريم”، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أهمها أن ما يقرب من 60 في المئة من المشروع قد تم انجازه بالفعل. وبالرغم من أنه لا يزال من الممكن تقنياً إيقاف الـ 40 في المئة المتبقية عبر العقوبات، إلا أنّ ذلك سيكون على حساب المخاطرة بالعلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين الولايات المتحدة وألمانيا.

ومن شأن هذه الخطوة أيضاً أن تخاطر بتخريب العلاقات بين الولايات المتحدة وشركات الطاقة الأوروبية المشاركة في تمويل ما يقرب من نصف “نورد ستريم”، بما في ذلك “يونيبر” و”ونترشول” الألمانيتين، و”شيل” البريطانية-الهولندية، و”أو أم في” النمساوية، و”انجي” الفرنسية.

العقدة الدنماركية

ومع ذلك ، فإن العقوبات الأمريكية ليست هي الخيار الوحيد الذي يمكن استخدامه لقطع الطريق أمام إتمام خط الأنابيب، فقد واجه المشروع مشكلة في الحصول على التصاريح اللازمة للوصول إلى المياه الدنماركية في بحر البلطيق والتي تقع ضمن المسار المخطط لمد الأنابيب.

وكانت شركة “غازبروم” التي تقود المشروع قد دعت مراراً وتكراراً إلى إجراء مشاورات بشأن طلبات البناء مع الحكومة الدنماركية، ولكن من دون جدوى.

ومؤخراً، تحدث رئيس مجلس إدارة “نورد ستريم”، غيرهارد شرودر (المستشار الألماني السابق)، عن ضغوط سياسية تمارسها الولايات المتحدة على الدنمارك، باعتبارها السبب الرئيسي وراء هذه المعوقات.

نتيجة لذلك ، قررت “غازبروم” مؤخراً التخلي عن طلب تصريح للمياه الإقليمية الدنماركية نهائياً، حيث تقدّمت في الأول من تموز الماضي بطلب لاعتماد خيارين بديلين للمنطقة الاقتصادية الخالصة للدنمارك، واختيار نقاط مناسبة خارج المياه الإقليمية الدنماركية.

يُعتقد أن هذا الحل البديل قابل للتطبيق، لا بل من شأنه تسريع العمل في المشروع، ذلك أن المشاريع التي لا تشمل المنطقة الاقتصادية في الدنمارك تخضع لمراجعة بيئية من قبل وكالة الطاقة الدنماركية، ولا تتطلب فحصاً إضافياً من جانب وزارة الخارجية الدنماركية.

وإذا أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحها، تقول “غازبروم” إن الجزء الدنماركي من “نوردستريم” (81 ميلاً) يمكن أن يكتمل في غضون خمسة أسابيع.

تسعى “غازبروم” لتجاوز العقدة الدنماركية

انطلاقاً مما سبق يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات محتملة:

السيناريو الأول، أن تنفذ الولايات المتحدة تهديدها بفرض عقوبات على “نورد ستريم” قبل نهاية العام الحالي، وهي خطوة من شأنها أن تجمّد المشروع، بكل ما يترتب على ذلك من خسائر لكل من روسيا وألمانيا. لكنّ هذا الخيار يزيد حدة المواجهة بين روسيا والغرب، ويؤجج توترات سياسية جديدة بين الولايات المتحدة وألمانيا، ويترك بالتالي الباب مفتوحاً أمام إمكانية رد مقابل من جانب موسكو وبرلين ضد واشنطن من خلال فرض عقوبات اقتصادية خاصة بهما.

السيناريو الثاني، أن تتخلى الولايات المتحدة عن خيار العقوبات نهائياً، وفي هذه الحالة سيمضي المشروع بنجاح، ومن شأن روسيا أن تجعل الدنمارك شريكاً رئيسياً في “نورد ستريم”، ما يعني احتمال اكتماله بحلول نهاية العام الحالي.

السيناريو الثالث، أن تعتمد الولايات المتحدة خياراً وسطاً من خلال فرض عقوبات اقتصادية، وفي الوقت ذاته الحد من نطاقها أو تنفيذها جزئياً، بطريقة تؤخر المشروع، وتوتّر البيئة الاستثمارية فيه، ولكنها لا تصل إلى حد وقفه تماماً.

أخذاً في الحسبان الاعتبارات السياسية والاقتصادية المشار إليها سابقاً، يبقى السيناريو الثالث الأكثر ترجيحاً، مع العلم أن هذا السيناريو تم اختباره أكثر من مرة مع روسيا، حين عمدت إدارة دونالد ترامب إلى تخفيف قبضة العقوبات المفروضة على موسكو، كما هي الحال في مجال الألمنيوم.

وبالتالي، من المرجّح  أن يتحرك مشروع “نورد ستريم” إلى الأمام، وإن كان ضمن جدول زمني أطول وكلفة أعلى… وفي الوقت ذاته ستستمر الولايات المتحدة في الضغط على الغاز الروسي في أماكن أخرى في أوروبا، من خلال دعم مشاريع التنويع وزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى القارة.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  ما بين السياسي والرياضي.. مونديال 2022 نموذجاً