جو بايدن ابن الـ 81 عاماً هو من اقترح إجراء المناظرة في حزيران/يونيو، وذلك للمرة الأولى منذ أن بدأ هذا التقليد، بمناظرة بين الرئيسين جون إف. كينيدي وريتشارد نيكسون عام 1960. بيد أن النتيجة، أتت عكس ما كان ينشده الرئيس الديموقراطي، الذي رمى إلى إثبات قدراته الذهنية والجسدية على القيام بأعباء الرئاسة في السنوات الأربع المقبلة لأكبر قوة اقتصادية في العالم وثاني قوة نووية.
بدا بايدن في المناظرة التي استضافتها شبكة “سي إن إن” التلفزيونية الأميركية في أتلانتا، مُشتتاً وغير قادر على إيصال فكرته بصوت خشن، وتلعثم مراراً عند الإجابة على سؤال حول الدين العام لأميركا، وكان جوابه حول قضية الهجرة مُفككاً وتجمد أكثر من مرة بعيون حائرة، وتدخل المحاور كي ينقذه من جواب غير مفهوم حول العناية الصحية.
بايدن كان تعهد عند ترشحه في انتخابات 2020 أن يكون جسراً بين جيلين من الديموقراطيين، ما أوحى أنه سيكتفي بولاية واحدة ويُفسح في المجال أمام مرشح آخر في انتخابات 2024. لكن سحر السلطة جعله يصر على الترشح لولاية ثانية تحت شعار أنه الرجل الوحيد القادر على هزيمة ترامب وإنقاذ الديموقراطية الأميركية. الأداء السيىء لبايدن وما يُمكن أن يؤدي إليه من هزيمة، هو الخطر الأكبر على الديموقراطية.
منذ أشهر ومعظم الديموقراطيين يجادلون بأن بايدن، برغم أنه المرشح الأكبر سناً في تاريخ الانتخابات الأميركية، ما يزال الشخص المناسب لولاية ثانية. إنما بعد المناظرة أصيب بعض الاستراتيجيين والمتبرعين والمستشارين والصحافيين المحسوبين على الديموقراطيين بالصدمة، مما جعلهم يشرعون في نقاش حول استبداله بمرشح آخر، مع أنهم يُقرّون بأن فرص قبول بايدن بالانسحاب، ضئيلة جداً، بحسب تقويم لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، التي تنقل عن حليف لبايدن أنه اضطر إلى إيقاف تشغيل التلفزيون مراراً، مشيراً إلى أن أداء الرئيس الحالي، جعل ترامب “الذي كرر أكاذيب على مدى 90 دقيقة يبدو رجل دولة”.
الأنظار تتركز الآن على مؤتمر شيكاغو. هل ينسحب بايدن ومن القادر على اقناعه بالتنحي؟ مراقبون يرون أن زوجته، جيل، تكون الوحيدة التي تستطيع القيام بهذا الدور، وذلك من منطلق الحفاظ على الإرث السياسي لبايدن نفسه
ما ساعد ترامب (78 عاماً)، أنه ظهر متماسكاً ونجح في تفادي نوبات الغضب التي خسّرته المناظرة الأولى مع بايدن في عام 2020. وفي الاستطلاع الأول الذي أجرته “سي إن إن” بعد المناظرة التي لم يشارك فيها الجمهور مباشرة، تبين أن ثلثي المستطلعة آراؤهم قالوا إن ترامب فاز على بايدن.
والمعضلة الأكبر التي يواجهها الحزب الديموقراطي من الآن فصاعداً هي في كيفية اقناع المتبرعين الكبار بمواصلة تمويل حملة انتخابية تؤشر كل التوقعات بأنها ستنتهي بخسارة الديموقراطيين للبيت الأبيض ولمجلسي الكونغرس. أحد المتبرعين لحملة بايدن، قال إنه “من الصعب فهم” كيف أن الرئيس “كان مختلفاً عن الرجل الذي ظهر عليه من حيوية خلال القائه خطاب حال الاتحاد” في شباط/فبراير الماضي. متبرعٌ آخر، قال إنه حان الأوان لبايدن للتنحي جانباً.
السناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، لفت الإنتباه إلى أن أداء بايدن سيجعل خصوم أميركا أكثر جرأة “من الصين إلى روسيا إلى طهران”.
وعموماً، تُظهر استطلاعات الرأي المتكررة، أن الناخبين يرون أن كلاً من بايدن وترامب هما متقدمان في السن إلى درجة لا يصلحان فيها لمنصب الرئيس، لكن معظمهم يشيرون إلى بايدن أكثر.
وبعدما اعتبر بايدن أنه أدى المناظرة بشكل جيد، وأنه من “الصعب إجراء مناظرة مع كاذب”، وأن بعض الوهن الذي ظهر عليه هو نتيجة إصابته بنزلة برد، عاد ليُقر بأنه يدرك بأنه لم يعد شاباً لكن أكد على امتلاكه العقل للقيام بالمهمة.
تلخص “الإيكونوميست” البريطانية المشهد بالقول إن الانتخابات الرئاسية أظهرت المأزق الذي تواجهه أميركا: مرشح غير مناسب من الناحية الجسدية والذهنية، ومرشح آخر غير مناسب من الناحية الأخلاقية
ومع ذلك، لم يعد النقاش الداخلي في الحزب الديموقراطي حول استبدال بايدن من المحرمات بعد المناظرة. وبرغم أن حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم هو الأكثر تداولاً بين البدائل، قد قلّل من تأثير المناظرة الأولى على الناخبين، واستبعد أن يدير الظهر للرئيس، فإن ذلك لا يلغي الشروع في التفكير جدياً بأن تمسك بايدن بالترشح لن ينجم عنه سوى الهزيمة المحققة.
والسيناريو الوحيد المعقول أمام الديموقراطيين لترشيح شخص آخر، هي أن يُقرّر بايدن نفسه الانسحاب من السباق. وفي امكانه أن يفعل ذلك بينما هو في منصبه على غرار ما فعل ليندون جونسون عام 1968. وللمفارقة ينعقد المؤتمر العام للحزب الديموقراطي في شيكاغو، في 19 آب/أغسطس المقبل، أي في المكان الذي عقد فيه مؤتمر 1968. عامذاك كان جونسون تنازل لهوبرت همفري الذي هزمه الجمهوري نيكسون.
وإذا ما انسحب بايدن قبل المؤتمر العام للحزب في أواسط آب/أغسطس، لا توجد آلية سواء بالنسبة إليه أو لأي جهة في الحزب لاختيار البديل الديموقراطي. وحاز بايدن على غالبية ساحقة من 4 آلاف مندوب في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي. ويضاف إلى هؤلاء 700 من “المندوبين الكبار” الذين يضمون نواب الحزب وشخصيات أخرى. وتتيح قوانين الحزب لـ”الناخبين الكبار” الاقتراع في حال لم يحصل أي مرشح على غالبية من المندوبين في الدورة الأولى، لذلك تعتبر أصواتهم حاسمة في مؤتمر تكون فيه المنافسة شديدة.
وإذا انسحب بايدن قبل المؤتمر العام للحزب – وهذا احتمال مستبعد – فإن ذلك سيؤدي إلى مؤتمر مفتوح، تتاح فيه للمندوبين التخلي عن التزامهم ببايدن ودعم مرشح آخر. وفي حال قرّر بايدن الانسحاب بعد المؤتمر، فإن اجتماعاً خاصاً للجنة الوطنية الديموقراطية، يأخذ على عاتقه تسمية مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية.
وتتراوح لائحة البدائل من نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى غافن نيوسوم، إلى غريتشن ويتمر، إلى ج.ب. بيتزكر وآخرين. ويتنافس بعد ذلك هؤلاء على الفوز بغالبية المندوبين الذين حصل عليهم بايدن، فضلاً عن “المندوبين الكبار”، الذين سيكون دورهم حاسماً في تغليب اسم على آخر. وفي ظل تدني شعبية هاريس على المستوى الوطني، من المستبعد أن يقع خيار الحزب عليها.
في نهاية المطاف، أوقع قرار بايدن الترشح لولاية ثانية الحزب الديموقراطي في ورطة كبيرة، ليس من السهولة بمكان إيجاد مخرج منها من دون دفع أثمان باهظة.
سألت شبكة “إن بي سي نيوز” الأميركية للتلفزيون نائباً ديموقراطياً عما إذا كانت المناظرة قد جعلت بايدن يوحي بالثقة، فأجاب “الأمر الأفضل الذي يُمكنني أن أساعد فيه جو بايدن هو التظاهر بأنني لم أتلقَ منكم هذا السؤال”.
هزيمة بايدن في المناظرة الأولى، ستشجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مزيد من التحدي للرئيس الديموقراطي ورفض وقف الحرب في غزة قبل الانتخابات الأميركية.
ولام ترامب بايدن على أنه منع السلاح عن إسرائيل في محاولتها القضاء على “حماس”. اللازمة ذاتها التي يُردّدها نتنياهو نفسه. وتراجع فرص بايدن بالفوز، قد تغري المسؤولين الإسرائيليين بتصعيد التوتر مع لبنان.
وعلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يقلق، لأن ترامب قال إنه سينهي الحرب الروسية-الأوكرانية وهو رئيس منتخب وقبل أن يتولى مهامه.
والأكثر قلقاً هم الحلفاء الأوروبيون الذين زاد يقينهم بأن حظوظ ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض باتت أكثر ترجيحاً، وتالياً يتعين عليهم من الآن الاستعداد لزيادة نفقاتهم الدفاعية في حلف شمال الأطلسي، كي لا ينفذ الرئيس السابق تهديده بعدم الدفاع عن أي دولة لا تفي بمستحقاتها داخل موازنة الحلف.
تلخص “الإيكونوميست” البريطانية المشهد بالقول إن الانتخابات الرئاسية أظهرت المأزق الذي تواجهه أميركا: مرشح غير مناسب من الناحية الجسدية والذهنية، ومرشح آخر غير مناسب من الناحية الأخلاقية.
الأنظار تتركز الآن على مؤتمر شيكاغو. هل ينسحب بايدن ومن القادر على اقناعه بالتنحي؟ مراقبون يرون أن زوجته، جيل، تكون الوحيدة التي تستطيع القيام بهذا الدور، وذلك من منطلق الحفاظ على الإرث السياسي لبايدن نفسه.