الإنتخابات الإيرانية.. رئيس يُوحّد البلاد أم يُعمّق الإنقسام؟

تأهل كلٌ من المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان والمرشح المحافظ سعيد جليلي إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية  المقررة يوم الجمعة المقبل، على أن تسبقها مناظرتان، واحدة حصلت الليلة الماضية، وثانية مساء اليوم (الثلاثاء).

سجلت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الإيرانية أدنى مشاركة شعبية لم تتجاوز نسبتها الـ (40%)، وهي أدنى نسبة مشاركة شعبية منذ انتصار الثورة الإيرانية قبل 45 عاماً.

هذه النقطة كانت مثار أخذ ورد كبيرين في المناظرة الأولى التي جمعت ليل أمس المرشحين بزشكيان وجليلي، من دون أن يُقدّما إجابات شافية حول سر انكفاء الشارع الإيراني عن الانتخابات، في ظاهرة اعتبرها بزشكيان “مقلقة”، أما جليلي، فقد راهن على اشراك الشارع بتشكيل الحكومة والمزيد من الانخراط الشعبي في الشأن العام.

وعلى جاري عادة المرشحين، لم يخرج لا هذا ولا ذاك عن سقف النظام والمرشد؛ بل قدّما كل الإشارات التي تقول بأن السياسات التي يُحدّدها المرشد السيد علي خامنئي هي الدليل لكل منهما، لكن بزشكيان كان أكثر جرأة عندما قال إن السياسات العامة لقائد الثورة الاسلامية “لم تُنفذ منذ 20 عاما”.. وأضاف أن البرنامج الذي لا يوصلنا الى الهدف المنشود “لا قيمة له”.

أما القول بأن النظام في إيران قادر على هندسة انتخاباته كأن الناس مجرد أحجار شطرنج، فهو قول مردود، إذ أن معظم الدورات الانتخابية في إيران تُفرز وقائع تُؤكد حضور الشعب وحراكه وقدرته على فرض وقائع جديدة.

أصوات قايباف لجليلي أم بزشكيان؟

ويُراهن المرشحان جليلي وبزشكيان خلال الأيام الفاصلة عن موعد الانتخابات على تجنيد قاعدتيهما أولاً ومن ثم السعي إلى زيادة نسبة المشاركة ولا سيما من خلال محاولة جذب الأصوات الرمادية (الكتلة الصامتة)، وإقناع المترددين بالمشاركة في الإنتخابات؛ وإلا فإن تكرار سيناريو المشاركة الضعيفة، برغم دعوات المرشد وكبار رموز التيارين الإصلاحي والمحافظ، يعني أن ثمة مشكلة تحتاج إلى نقاش أعمق.

فانخفاض نسبة المشاركة يوم الجمعة الماضي بنسبة 9% (40%)عما كانت عليه في معركة الانتخابات الرئاسية في العام 2021، أي (48.8%) يُظهر أن الفئة الرمادية وجزءاً من أصوات الإصلاحيين لا تزال غير مهتمة بالمشاركة في الانتخابات. وهذا الأمر سيجعل مهمة المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في جذب الأصوات الرمادية أكثر صعوبة.

إلى أين يُمكن أن تتجه الأصوات المقدرة بنحو 3 ملايين و400 ألف صوت التي حصل عليها رئيس البرلمان المرشح الخاسر محمد باقر قاليباف في الجولة الثانية؟

برغم دعوة قاليباف أنصاره للتصويت إلى جليلي، تُظهر استطلاعات الرأي أن أنصار قاليباف ينقسمون إلى ثلاث فئات؛ الأولى ربما تُصوّت لبزشكيان؛ الثانية ستُصوّت لجليلي بناءً على مصالح وتكليف ثوري ودعوة قاليباف؛ الثالثة ستدلي بورقة بيضاء في صندوق الاقتراع من باب حرصها على رفع نسبة المشاركة في الإنتخابات من جهة وفي الوقت ذاته عدم قناعتها بأي من المرشحين الإصلاحي والمحافظ من جهة ثانية.

ويقول جهانبخش خانجاني، أحد المحللين السياسيين الإيرانيين، إن قاليباف “ليس شخصية محبوبة، وللأسف بتصرفه هذا.. فقد التأييد القليل الذي كان لديه. لدي معلومات مؤكدة أن عددًا كبيرًا من مؤيدي قاليباف ومن كانوا في قاعدته الاجتماعية يبتعدون بشدة عن السيد جليلي وليسوا مستعدين لدعم المرشح الذي قدّمه”.

إذا حدث شيء ما وزادت نسبة مشاركة الناس في الانتخابات، فإن فرصة بزشكيان ستزيد. ولكن إذا لم يحدث ذلك، فإن فرصة سعيد جليلي ستكون أكبر. نعم، من الصعب جدًا التنبؤ بالنتيجة لأننا نتحدث عن 60% من الناس الذين لم يأتوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى، فيما يسعى المعسكران الإصلاحي والمحافظ إلى إجتذاب هؤلاء إلى صناديق الاقتراع

كيف سيتصرف المترددون في الجولة الثانية؟

كان من المتوقع أن يستقطب المحافظون أقله أصوات السيد إبراهيم رئيسي في انتخابات العام 2021، أي 18 مليون صوت لمصلحة جليلي، غير أن الأخير لم ينل سوى تسعة ملايين، أي نصف أصوات رئيسي، فيما نال قاليباف رقماً شبيهاً بالرقم الذي حصل عليه المرشح المحافظ محسن رضائي في العام 2021، أي أكثر من ثلاثة ملايين صوت، وهذا يعني أن بعض أصوات كتلة رئيسي توزعت بين المحافظين وبزشكيان.

لكن في الجولة الثانية، هناك مرشحان فقط. لذلك فإن دخول الأصوات المترددة على الخط وتحريك الفئة الرمادية أو جزء من المقاطعين سيكون له تأثير كبير على نتيجة الانتخابات.

كيف يمكن اللعب على وتر الإنقسام الإجتماعي؟

إن نظرة عامة على مواقف المرشحين اللذين وصلا إلى الجولة الثانية يمكن أن تعطي صورة عن تحول الانتخابات إلى صراع حول التوجهات الإجتماعية بين بزشكيان وجليلي. هذا الإنقسام، إذا تصاعد حتى يوم الجمعة المقبل، يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا في تحقيق الفوز للمرشح الإصلاحي في الانتخابات، فالإصلاحيون يسعون إلى تصوير حالتين في المجتمع الإيراني لا ثالثة لهما: مؤيدو الوضع الحالي ومؤيدو التغيير. ويُعتبر جليلي من قبل مؤيدي بزشكيان رمزًا للوضع الحالي في البلد، وذلك بسبب دوره في فرض العقوبات الرئيسية خلال مسؤوليته في مجلس الأمن القومي الإيراني، وإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي وفرض العقوبات ضد إيران تحت الفصل السابع (تهديد الأمن العالمي)، ودوره في الحكومة الثالثة عشرة (حكومة إبراهيم رئيسي) من موقع حكومة الظل.

إقرأ على موقع 180  "حماس": حتى هنية لم يكن مُلماً بتفاصيل "الطوفان"!

ومن يُراقب وسائل التواصل الإجتماعي، يستنتج أن الإصلاحيين يريدون إثبات أن جليلي من أبرز المؤيدين لإمساك السلطة تحت سقف الفريق المحافظ وإقصاء الإصلاحيين عن كل النظام السياسي الإيراني.

من ناحية أخرى، يحاول بزشكيان إقناع المجتمع الإيراني بأنه يريد الانفتاح في السياسة الخارجية، وبالتالي جذب الاستثمارات الأجنبية، والتصدي للوضع الاجتماعي مثل الشرطة الأخلاقية في الشوارع، وربط إيران بالسوق التجارية العالمية والاستفادة من تجارب الدول الأخرى.

بالمقابل، يُصوّر جليلي حكومة بزشكيان المقترحة بأنها حكومة حسن روحاني الثالثة، ويشير إلى أنها السبب الرئيسي للأزمات الاقتصادية والاجتماعية في إيران، بدليل الأزمات التي تسببت بها هذه الحكومة، فضلاً عن تصوير بزشكيان كوزير صحة سابق بأنه “كان فاشلاً”!

هذا الاختلاف في وجهات النظر بين بزشكيان وجليلي عشية الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وظيفته التحشيد المتبادل: الإصلاحيون يحاولون اقناع جزء من المجتمع الإيراني الذي لا يريد التصويت بأنهم بحاجة إلى ذهابه إلى صناديق الاقتراع لمنع سيناريو خطير يهدد مستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمجرد وصول جليلي. في المقابل، يُحمّل المحافظون الفريق الإصلاحي مسؤولية اخفاقات متتالية في السياستين الداخلية والخارجية، ولا سيما في مقاربة الملف النووي.

في هذا الصدد، يقول الدكتور حسن روحاني، الرئيس الإيراني السابق، في ثاني رسائله الشديدة اللهجة ضد المحافظين في البلاد: “الخيار بين اتجاهين مختلفين تمامًا يُحدّد مسار البلاد ومكانة إيران في المجتمع العالمي. يتبع أحد التيارات الوحدة والتكامل في الداخل والتفاعل البناء في الخارج. يريد كل شيء لإيران ويرى أن كل الإيرانيين يستحقون العزة والكرامة والثروة والصحة. أما التيار الآخر، فلا يرى إلا جماعته ولا يعرف سوى التعارض، ولا يعلم شيئًا عن التفاوض والاتفاق الكريم ولا يتحمل مسؤولية معاناة الشعب وآلام العقوبات”.

رئيس إيران: إصلاحي أم محافظ؟

يوم السبت المقبل، سنعرف اسم المرشح الفائز لرئاسة إيران، سعيد جليلي أم مسعود بزشكيان. فهل سيؤدي التحشيد السياسي إلى جذب أولئك الذين لم يأتوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى؟ وهل ستستجيب الأصوات الصامتة لهذا المشهد الإزدواجي وتأتي إلى صناديق الاقتراع؟ هل سيؤثر هذا المشهد الازدواجي على قرار المواطنين الإيرانيين؟

حشمت الله فلاحت بيشه، النائب السابق في مجلس الشورى الإسلامي ورئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي السابق في مجلس الشورى الإسلامي، يقول في هذا الشأن: “الانتخابات في دورتها الثانية تشهد ظاهرة مهمة وهي “الأصوات المترددة” و”الأصوات الرمادية”. هذه الأصوات لم تصل بعد إلى صناديق الاقتراع. بالطبع، لا يمكن حل ظاهرة غضب الناس في الأيام القليلة المتبقية قبل الانتخابات بسهولة، وفقط لطف الناس الدائم يمكن أن يعيدهم مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع. على أي حال، هذا الغضب هو نتيجة لسنوات من الأكاذيب الانتخابية والشعارات الفارغة وتجاهل مطالب الشعب والسياسات الفاشلة في البلاد”.

يمكن الادعاء أنه إذا حدث شيء ما وزادت نسبة مشاركة الناس في الانتخابات الرئاسية يوم الجمعة المقبل، فإن فرصة بزشكيان ستزيد. ولكن إذا لم يحدث ذلك، فإن فرصة سعيد جليلي ستكون أكبر. نعم، من الصعب جدًا التنبؤ بالنتيجة لأننا نتحدث عن 60% من الناس الذين لم يأتوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى، فيما يسعى المعسكران الإصلاحي والمحافظ إلى إجتذاب هؤلاء إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  مصطفى اللبّاد.. عن "حدائق" لم تنته