“فوكس نيوز” شريكة في عرقلة الحل النووي.. “قوس قزح” نموذجاً!

في خضم أجواء من التفاؤل الحذر الذي أبدته كلٌ من طهران وواشنطن بعد جولات ثلاث من المفاوضات الأمريكية – الإيرانية غير المباشرة، وفي انتظار جولة رابعة من المتوقع عقدها غداً (الأحد) في مسقط، نشرت شبكة "فوكس نيوز" تقريرًا يدعي وجود منشأة نووية سرية في محافظة سمنان الإيرانية تمتد على مساحة 2500 فدان، ويحمل الموقع الاسم الرمزي "قوس قزح"، وفقاً لما نقل عن مصادر مرتبطة بمن وصفهم الجانب الإيراني بـ"منافقي خلق" (مجاهدي خلق).

تزعم الرواية المذكورة أن هذا الموقع يعمل منذ أكثر من عقد تحت غطاء شركة لإنتاج المواد الكيميائية تُعرف باسم “ديبا إنرجي سيبا”، لانتاج مادة التريتيوم المشعة المرتبطة بتطوير الأسلحة النووية. التقرير، الذي أرفق بصور أقمار صناعية، أثار جدلاً واسعًا، وبخاصةً أنه جاء في توقيت حساس يتزامن مع محاولات استئناف المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة برعاية عُمانية في جولة رابعة تأتي بعد وضع أطر عامة في الجولات السابقة واستباقاً لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة في الأيام القليلة المقبلة.

تأتي هذه التقارير الإعلامية في وقت استطاعت فيه المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة إحداث خرق كبير في جدار التصلب الأمريكي، تمثل في عدة تصريحات وإشارات على رأسها تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو حول إمكانية امتلاك إيران برنامجًا نوويًا مدنيًا، على الرغم من مواقفه السابقة المتشددة تجاه إيران؛ هذا التصريح يُعتبر تحولًا لافتًا للانتباه في السياسة الأمريكية إلا أنه لا يأتي في سياق واحد مع توجهات رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو بالتعامل مع ملف إيران النووي.

إيران: اتهامات بالتضليل والتخريب

لم يتأخر رد إيران على اتهامات “فوكس نيوز”، فسرعان ما نشر عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، تغريدة عبر منصة X، قال فيها: “مع استئناف المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، يتم نشر المزيد من “الصور الفضائية المخيفة” بدقة وحسابات مدروسة. نتنياهو، الذي لم يعد يملك أي مصداقية بعد أن أصبح معرقلًا للأمور، يواصل سياسة “فرض قراراته على ترامب”، مستعينًا بجميع أتباعه القدامى والجدد. هذه المرة، لجأ إلى عملاء إيرانيين متواضعي المستوى كانوا تابعين لصدام. قد تكون أجورهم منخفضة، لكن توظيف جماعة منحرفة لا يعكس سوى حالة يأسٍ مطلقة”.

ردُ عراقجي يشير بوضوح إلى أن الجانب الإيراني يعتبر هذه التقارير محاولة “إسرائيلية” متعمدة لإفشال أي تقدم في المفاوضات النووية عبر الاستعانة بامتداداتهم في الإعلام الأمريكي الذي سجلت المراحل السابقة نشره تقارير مُضللة بدوافع سياسية ترعاها مجموعات ضغط صهيونية.

سجل “فوكس نيوز” المُضلّل

تدليس آلة الإعلام الأمريكي ليس جديداً، فسجل “فوكس نيوز” بنشر تقارير غير دقيقة أو مُضللة طويل وقضاياها الخاسرة كثيرة وعلى رأسها “قضية سيث ريتش” (2017) التي نشرت “فوكس نيوز” تقريرًا عنها يدعي أن الموظف في اللجنة الوطنية الديموقراطية الأمريكية سيث ريتش كان على اتصال بـ”ويكيليكس” قبل مقتله، مما أثار نظريات مؤامرة. لاحقًا، تم سحب التقرير بعد أن تبين أنه غير مدعوم بأدلة.

وكذلك ادعاءات “فوكس نيوز” بتزوير الانتخابات الأمريكية (2020) حين روّجت الشبكة لمزاعم بأن شركتي “دومينيون” و”سمارت ماتيك” لتقنيات التصويت شاركتا في تزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية. أدى ذلك إلى رفع دعاوى قضائية ضد “فوكس نيوز”، وانتهت القضية بتسوية مالية ضخمة بلغت 787.5 مليون دولار.

بالطبع إيران كانت دائماً هدفاً لفبركات هذه الشبكة؛ ففي العام 2018 نشرت “فوكس نيوز” تقريراً مزيفاً عن منح الجنسية لإيرانيين ادعت فيه بأن إدارة باراك أوباما منحت الجنسية لـ 2,500 إيراني كجزء من الاتفاق النووي (2015)، وهو ما نفته مصادر رسمية أمريكية لاحقاً لينضم الخبر إلى سجل “فوكس نيوز” المُضلّل.

طبعاً كل هذه التقارير ومحاولات التأثير ما هي إلى جزء من ملف التأثير الصهيوني على الإعلام الأمريكي. ففي تحقيق صحفي لـ مينت برس نيوز تبين أن العديد من الموظفين السابقين في جماعات الضغط الإسرائيلية، مثل “إيباك” و”StandWithUs” و”CAMERA”، يعملون في وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، بما في ذلك “فوكس نيوز”، الأمر الذي أدى إلى تضارب مصالح غير معلن. كما توصل التحقيق إلى أن بعض العاملين في غرف الأخبار تم تجنيدهم لمصلحة الاستخبارات “الإسرائيلية” سابقًا، وهو ما يؤكد تأثيرهم على تغطية الأخبار المتعلقة بإيران. هذا النفوذ الإعلامي يُعتبر جزءًا من استراتيجية أوسع للضغط السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة لمصلحة الكيان العبري.

إسرائيل: استراتيجية التخريب والاغتيال

بالطبع؛ لم تتوقف محاولات “إسرائيل” لاستهداف برنامج إيران النووي السلمي على مدى السنوات الماضية، فاتبعت سياسة تهدف إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني من خلال تورطها بعمليات تخريبية مباشرة أو مدفوعة كالتفجيرات في منشآت “نطنز” عام 2020 أو استهدف شركات الطاقة الداعمة وغيرها من عمليات زرع أجهزة تخريبية، أو اغتيالات استهدفت علماء نوويين إيرانيين بارزين، كمحسن فخري زاده في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، إلى جانب هجمات سيبرانية استهدفت البنية التحتية النووية والصناعية الإيرانية بهدف إبطاء تقدم إيران النووي وإفشال أي جهود دبلوماسية للتوصل إلى اتفاق.

في الخلاصة، تقرير “قوس قزح” ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من محاولات تيار أمريكي متشدد يرعى مصالح “إسرائيل” في المنطقة والعالم، ويهدف إلى تعطيل أي تقدم في الملف النووي الإيراني برغم الرغبة الواضحة لدى ترامب بإنهاء هذا الملف على طاولة المفاوضات بأسرع وقت ممكن نظراً للأولويات المتزاحمة التي يضعها الرئيس الأمريكي الجديد على جدول أعماله، فهل تساعد هذه الرغبة الأمريكية في دفع الجهود الدبلوماسية إلى كسر دائرة التصعيد، أم أن المساعي الخفية للوبي الصهيوني والعلنية لبنيامين نتنياهو ستجرّ المنطقة إلى مزيد من التوترات؟

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  خامس إنتخابات إسرائيلية مبكرة.. لا إستقرار سياسياً!
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ضابط إسرائيلي: الساعة الدولية تدق أسرع في حربنا مع لبنان!