“فورين بوليسي”: الحرب مع حزب الله ستكون مُدمّرة لإسرائيل 

إذا اتسع نطاق الصراع، ستجد إسرائيل نفسها عرضة لاضطرابات وتهديدات جمَّة لم يسبق لها أن تعرضت لمثلها، وستختبر تحديات صعبة لا تشبه كل ما مرّت به منذ عقود، بما في ذلك الهجوم الذي تعرضت له في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحسب "فورين بوليسي"(*).

بعد تعرض ملعب لكرة القدم في بلدة مجدل شمس الدرزية في الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل؛ لصاروخ لم يُعرف مصدره بالظبط بعد، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توجيه أصابع الإتهام مباشرة إلى حزب الله. وفي فجر الأربعاء اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، وذلك غداة اغتيالها للقائد العسكري لحزب الله فؤاد شُكر (مساء الثلاثاء) في هجوم جوي طال مبنى سكنياً في الضاحية الجنوبية لبيروت.

هذا التصعيد في الاعتداءات الإسرائيلية يُنذر بتفاقم الصراع، بين إسرائيل ولبنان على وجه الخصوص. وإذا لم يتراجع الطرفان عن التصعيد- إسرائيل على وجه الخصوص- فقد تتطور المواجهات بينهما إلى حرب مفتوحة تستدعي كل قوى الإقليم (محور المقاومة على وجه الخصوص) وقد تستدرج إليها أيضاً الولايات المتحدة الأميركية وقوى عُظمى أخرى. حتى اللحظة لا يبدو أن التراجع واردٌ لدى أي من الطرفين. والحرب المفتوحة- المفترضة والمرتقبة في آن- إن وقعت ستكون كارثية بالنسبة لكلا الجانبين.

حرب مدمرة لكل الأطراف

في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي بعد يوم واحد فقط من بدء عملية “طوفان الأقصى”، أعلن حزب الله فتح جبهة دعم وإسناد للمقاومة في غزَّة تمتد على طول الحدود الفاصلة بين لبنان وإسرائيل (أكثر من 100 كلم). ومنذ ذلك الحين أطلق آلاف الصواريخ والقذائف والمسيَّرات الحربية الانقضاضية على مواقع وأهداف عسكرية إسرائيلية، ما أجبر أكثر من 100 ألف مستوطن وإسرائيلي في شمال إسرائيل على النزوح. النزوح كان مماثلاً على الجهة اللبنانية من الحدود، حيث تنفذ إسرائيل اعتداءات جوية ومدفعية بشكل يومي، ولا تستهدف فقط عناصر ومقار لحزب الله بل وأيضاً مدنيين ومبانٍ سكنية في مناطق مختلفة من لبنان.

إذا اندلعت الحرب، فسوف يكون حزب الله أكثر من مستعد لها. وهذا ما أكد عليه أمينه العام أكثر من مرة. مقاتلو حزب الله سوف يدافعون ببسالة لا متناهية عن أرضهم التي يعرفونها بشكل جيد. وسوف يتفوقون في استخدام ما لديهم من صواريخ موجهة ومضادة للدبابات وأنظمة دفاع جوي محمولة على الأكتف وأنظمة صواريخ أرض جو، إلى جانب أجهزة التفجير عن بُعد

هذه المواجهات ما تزال – حتى الآن – تجري وفق معادلة ثابتة إلى حدٍ ما. لكن إذا اتسع نطاقها وتطورت إلى حرب شاملة ومفتوحة، فإن ترسانة حزب الله الضخمة من الصواريخ البالستية والدقيقة، وقواته العسكرية المخضرمة، ستشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل، وستضعها رهن اضطرابات خطيرة لم يسبق لها أن تعرضت لمثلها منذ عقود، بما في ذلك عندما تعرضت لهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومع ذلك، فإن إسرائيل تستعد لمثل هذه الحرب منذ فترة طويلة، ومن المرجح أن تتمادى في شنّ عمليات عدوانية تتجاوز كل الوحشية التي سبق ومارستها ضد لبنان على مدى عقود من الزمن وذلك بهدف تدمير هذا البلد وكسر حزب الله.

من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن

الحرب المفترضة والمرتقبة في آن قد تمتد أيضاً إلى سوريا والعراق، حيث لقوى محور المقاومة حواضن وقوات متحالفة مع حزب الله وتتمتع بقدرات حربية وعسكرية مهمة تتضمن ترسانة صواريخ ومسيَّرات حربية قادرة على أن تطال مواقع في عمق الأراضي الإسرائيلية. وبالطبع لا ننسى اليمن، حيث تواصل جماعة أنصار الله (الحوثيون) جبهة إسناد أخرى لغزَّة، وهي على أتم الإستعداد- وقادرة- على مدّ حزب الله بكل أنواع الدعم في أي صراع ضد إسرائيل، حتى لو توقفت الحرب في غزَّة.

إن نشوب حرب كُبرى يعني أنها ستكون مدمرة بالنسبة لجميع الأطراف. وبالرغم من ذلك تبدو محسومة. من الصعب تخيل حجم العنف المرتقب، وخطر توسع الحرب سينشئ حلقة مفرغة من الصراعات الخطيرة اللامتناهية (…)، لذا يتعين على واشنطن مواصلة الجهود وتكثيفها من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، حتى لو تعين عليها أيضاً الإستعداد للفشل.

حزب الله هو أحد أكثر الجماعات غير الحكومية تسلحاً في العالم: يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة تتألف من 120 إلى 200 ألف من الصواريخ الباليستية والدقيقة، وعدد ضخم من المسيَّرات الحربية (تقدر بأكثر من 2000 مسيَّرة حربية هجومية وانقضاضية)، وصواريخ قصيرة وطويلة المدى غير الموجهة، مثل صواريخ “بركان”، و”فجر 3″، و”فجر 5″، و”زلزال 1″، و”زلزال 2″، وصواريخ “سكود ب”، و”سكود سي” و”سكود دي”. والأكثر خطورة هي الصواريخ الباليستية الموجهة من طراز “فاتح 110- إم 600”- ويبلغ مداها ما بين 250 و300 كيلومتر، أي أنها تصل إلى جميع المناطق المأهولة بالسكان في عمق الأراضي الإسرائيلية.

بالإضافة إلى هذه الترسانة من الصواريخ والقذائف، يمتلك حزب الله عدداً كبيراً جداً من أكثر المقاتلين مهارة في الشرق الأوسط. فمنذ نشأته في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، خاض حزب الله معارك طاحنة مع الجيش الإسرائيلي، ونجح في دحره من لبنان في عام 2000 بقوة السلاح ــ وهو النصر العسكري العربي الوحيد على إسرائيل. وبعد ست سنوات (في تموز/يوليو 2006)، خاض الحزب حرباً طاحنة مع إسرائيل استمرت 33 يوماً وانتهت لصالح الحزب (…).

خبرات قتالية وجهوزية عالية

وكان لحزب الله أيضاً دور بارز في الحرب السورية، منذ بدايتها في عام 2011، إلى جانب الحكومة السورية وساهم في الحفاظ على بقاء نظام الرئيس بشار الأسد. وقد اكتسب مقاتلوه خبرات قتالية عالية جداً من خلال العمل بشكل وثيق مع قوات فيلق القدس الإيرانية وكذلك مع القوات الجوية الروسية (بعد تدخلها في عام 2015). وباتوا اليوم مخضرمين يتمتعون بمهارة قتالية عالية جداً وكذلك بمستوى عال من الروح المعنوية. وهم قادرون أيضاً على تنفيذ عمليات قتالية دقيقة ومعقدة، مثل دمج المناورة البرية مع النيران الإنقضاضية، وكذلك على الاستمرار في القتال لفترات طويلة جداً ومواجهة أعتى أنواع الأعداء وخوض أكثر أنواع الصراعات وحشية.

إقرأ على موقع 180  الحكومة اللبنانية إلى "مضارب" الحسابات المتناقضة

قد تكون بعض المهارات التي اكتسبها حزب الله، مثل مكافحة التمرد في المناطق الحضرية، غير ذات أهمية في القتال مع الجيش الإسرائيلي. كما ان الخسائر التي تكبدها منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر قد تجعله حذراً بعض الشيء من خوض حرب مفتوحة أخرى. ومع ذلك، إذا اندلعت الحرب، فسوف يكون حزب الله أكثر من مستعد لها. وهذا ما أكد عليه أمينه العام السيد حسن نصرالله أكثر من مرة. مقاتلو حزب الله سوف يدافعون ببسالة لا متناهية عن مواقعهم وأرضهم التي يعرفونها بشكل جيد جداً. وسوف يتفوقون في استخدام ما لديهم من صواريخ موجهة ومضادة للدبابات وأنظمة دفاع جوي محمولة على الأكتف وأنظمة صواريخ أرض جو، إلى جانب أجهزة التفجير عن بُعد المتطورة والقنابل الخارقة والمتفجرة القادرة على اختراق ناقلات الجنود المدرعة والدبابات الإسرائيلية.

في حرب تموز/يوليو 2006، كشف حزب الله عن امتلاكه احتياطياً مقبولاً من الأسلحة المتطورة مثل صواريخ كروز المضادة للسفن، واستخدم أحدها في تفجير البارجة الإسرائيلية “ساعر” بنجاح. ومنذ ذلك الحين، وسع حزب الله ترسانته من الصواريخ المضادة للسفن بمساعدة روسية. وفي عام 2006 أيضاً، أظهر حزب الله أنه يمتلك شبكة أنفاق ضخمة يبغ عمق بعضها 22 طابقاً (…). وكما اختبرت إسرائيل في لبنان عام 2006 ومرة ​​أخرى في غزة منذ عام 2022، فإن الأنفاق تشكل كابوساً للعمليات العسكرية (…).

ولكن إسرائيل أيضاً تمتلك جيشاً محنكاً ومتمرساً في المعارك، ولديها قدرات تكنولوجية حديثة ومتطورة، وتمتلك سلاحاً جوياً متقدماً جداً يتضمن طائرات “الشبح إف-35 لايتنينج 2” من الجيل الخامس، وواحدة من أكثر مخزونات الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة تطوراً في الشرق الأوسط. ويمكن للجيش الإسرائيلي أن يجتاح لبنان بفضل قوة النيران الساحقة التي يملكها والتي يستطيع بها تحطيم أي مقاومة من جانب حزب الله (…). كما تدربت إسرائيل بانتظام لمحاربة حزب الله؛ على عكس حربها مع “حماس”، التي قلَّلت إسرائيل من شأنها كثيراً قبل عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بينما تبدي احتراماً وتقديراً (ولو غير معلنين) لقدرات حزب الله القتالية.

ولكن الجيش الإسرائيلي يخوض حرباً صعبة ومستنزفة منذ عشرة أشهر، ولا تلوح في الأفق أي نهاية قريبة لهذه الحرب. وتعتمد إسرائيل على قوات الاحتياط في تنفيذ العمليات الكبرى، كما هو الحال في مدينة غزة، ولقد خضعت قوات الاحتياط هذه لجولات متعددة، الأمر الذي أصابها بالإجهاد. كما أصابت الحرب الاقتصاد الإسرائيلي بالشلل. كما يعاني الجيش الإسرائيلي أيضاً من نقص في الذخيرة وقطع الغيار. وحكماً سوف يجد صعوبة بالغة في تحديد الموارد اللازمة لتلبية المتطلبات الهائلة المترتبة على نشوب صراع شامل ومفتوح مع حزب الله.

حرب المسيَّرات

إن السؤال المهم هنا هو كيف يستخدم كل طرف حرب المسيَّرات الحربية، خاصة وأن الحرب الروسية الأوكرانية أظهرت كيف أن استخدام مثل هذه الطائرات يُمكن أن يغيّر مسار الحرب رأساً على عقب، لا سيما عندما تُستخدم في عمليات الأسلحة المشتركة. فهذه المسيرات يمكن استخدامها للإنذار المبكر، وشنّ هجمات عن بعد، وكذلك في الحرب الإلكترونية والمعلوماتية، فضلا عن دمجها مع المشاة، والنيران المباشرة وغير المباشرة، والطيران. كما أسفرت الحرب في أوكرانيا عن ابتكارات كبرى في حرب المسيَّرات المضادة، بما في ذلك الحرب الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي. وإسرائيل رائدة في استخدام المسيَّرات الحربية في جميع عملياتها الجوية وكذلك في عمليات الاغتيالات، في حين أن حزب الله – حتى الآن – استخدم المسيَّرات الحربية فقط للاستطلاع ومهاجمة مواقع عسكرية إسرائيلية.

منذ عام 2006 وإسرائيل تستعد لحرب مفتوحة مع حزب الله، ومن المرجح أن جيشها جمع قدراً كبيراً من المعلومات الاستخباراتية، وطوَّر مفاهيم العمليات المناسبة لجنوب لبنان، واستعد لتجنب تكرار اخفاقاته التي مني بها في حرب تموز/يوليو. لكن حزب الله هو الآخر ليس لاعباً جامداً، وبالتأكيد تعلم الكثير من تجربة حربه الأخيرة مع إسرائيل، وطوَّر كثيراً من مهاراته وجهوزيته (بمساعدة إيران وربما روسيا أيضاً)، وهو أيضاً يستعد – لا بل وجاهز لأي حرب مرتقبة.

إن الحرب – في حال وقوعها – ستكون خارج التنبؤات بالنسبة لطبيعتها ونتائجها، حيث ما زال من غير المعروف إلى أي مدى يمكن لإسرائيل الصمود أمام التهديدات التي تشكلها قوة حزب الله المتعاظمة. كذلك من غير المعروف إلى أي مدى يمكن لحزب الله تحمل تداعيات مثل هكذا حرب على الداخل اللبناني (…).

لذا يتعين على الولايات المتحدة أن تحاول تعزيز السلام. وعليها أن تكون مستعدة فعلاً لدعم إسرائيل وبقوة إذا تصاعدت الأمور أكثر مع حزب الله، خصوصاً إذا تدخلت إيران وباقي قوى محور المقاومة في العراق وسوريا واليمن.. وإلا يتعين عليها أن تستعد للفشل.

– ترجمة بتصرف عن “فورين بوليسي“.

(*) دانييل بايمان، زميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية- جامعة جورج تاون. وسيث جي جونز، مدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  الأولويات الأميركية تنقل القذائف من تل أبيب إلى كييف!