نتنياهو مرّة أخرى.. ثماني ملاحظات

منذ أن أخفقت عملية الجيش الإسرائيلي بتحرير ستة من الأسرى اليهود في قضاء غزّة، وجرى قتلهم في الفاتح من أيلول/سبتمبر الحالي، صعّدت بعض الأوساط الاستعماريّة اليهودية من حملتها ضدّ شخص بنيامين نتنياهو، بسبب سياسته، ورفضه إبرام "صفقة"، ولكونه السبب بمقتلهم.

وكالعادة، انجرّت وسائل الإعلام العربيّة الكسولة وراء الدعاية اليهوديّة، واستمرت بتلقيط الأخبار التي تُدين نتنياهو، دون الأخذ بالحسبان أنه يترأس حكومة شرعيّة وفقاً للقوانين والمفاهيم الإسرائيليّة، مع تأييد كيانه من أطراف كثيرة في العالم، ومن العربان القريبين والبعيدين الذين يقفون على نفس المسافة من إسرائيل والمقاومة. فبدأنا نقرأ ونسمع بأن نتنياهو “مجرم ذكي” و”مجرم مجنون”، وما إلى ذلك من تشخيصات عياديّة غير مسؤولة تزيل مسؤوليّة جريمة الإبادة في غزّة عنه وعن كيانه، والذين يدعمونه أو يقفون على نفس المسافة من أنهار الدم وملايين أطنان البارود.. لذا سأوضح مجريات الواقع بإيجاز من خلال الملاحظات الآتية:

الأولى؛ أعيد وأكرر ما كتبته عن المذكور في مقال سابق لي بعنوان “(نتنياهو)- وجه (إسرائيل) الحقيقيّة”، لأنه يشكل “متوسط حاصل جميع يهود الكيان الذين يمثلهم بصورة شرعيّة”. وأضيف: ربما غالبيّة يهود العالم. فنتنياهو عبّر عن عقليّة يهوديّة موغلة في العنصريّة ورفض التعاشر مع الآخرين على قدم المساواة.

مأزق إسرائيل بات في محنة لا حلّ لها، وذلك لعدم قدرتها على حسم أية معركة من المعارك الدائرة معها على جبهات الإسناد المختلفة من جهة؛ وترهلها من جهة أخرى؛ الذي بات يستنزف الطبقة الوسطى فيها دون أفق معلوم تبدأ إسرائيل خلاله باستعادة ‘عافيتها’ مجدداً. هذا هو مأزق إسرائيل الحقيقي، وليس قيادة نتنياهو

الثانية؛ المجرم مجرم، حتى لو كانت قدراته العقليّة أضعاف قدرات كل الحائزين على جائزة نوبل منذ اعتمادها حتى اليوم، وأي محاولة لإضافة صفة “ذكي” على المذكور، هي محاولة لإيجاد تعاطف ما مع “المجرم الذكي”.

الثالثة؛ تُعلمنا مجريات التاريخ المُدوّن أن المجرم وكل المجرمين أغبياء، بناء على ما آلت إليه نهايتهم ونهايات أنظمتهم، ودولهم ومجتمعاتهم.

الرابعة؛ على مستوى الذكاء يمكن القول إن المذكور شخص محدود القدرات والمواهب، كان قد أعدّ ملفاً عدوانيّاً ضد إيران التي وصلت مسيّراتها وصواريخها إلى كل مكان في الكيان. فمن يقدم على استراتيجية العداء لإيران ومحيطها الجيوحضاري لا يمكن وصفه بالذكي، بل هو مغامر غبي يجهل التاريخ، وتاريخ إيران على وجه الخصوص.

الخامسة؛ إن التعامل مع المذكور كشخص، وليس بصفته رأس الكيان فيه، هو خطأ منهجي (على المستوى الأكاديمي)، وتضليل إعلامي (على المستوى الجماهيري)، كونه يوهم الجماهير الكسولة بأن التخلص من نتنياهو وإسقاط حكومته سيؤدي إلى “صفقة” من أجل استعادة أسراهم ثم العودة إلى عمليّة إفناء غزّة بهمجيّة أقسى. فالتحولات الديموغرافية الانتخابية في الكيان تؤكد أن نتنياهو قد يكون معتدلاً مقارنة بالمرشحين المحتمل وصولهم إلى سدة رئاسة حكومة الكيان.

السادسة؛ إن حديث العرب عن الصفقة شبيه بحديثهم عن “المؤتمر الدولي” لحل القضية الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي، و”حلّ الدولتين” في التسعينيات منه؛ هو كشبق العاجز، إذ لا علاقة لليهود بما ينشره الإعلام العربي عمّا يفكر ويُخطط له اليهود عن الصفقة أو أية قضيّة أخرى.

السابعة؛ يدعي بعض المهتمين أن نتنياهو في مأزق قيادة عميق، وكأنه بحر العلوم جفّ حِبره فجأة. فإسرائيل كلها في مأزق عميق، وفقاً لقوانين الاستحقاقات التاريخيّة للاستعمار العالمي، كما خبرناه في مجريات التاريخ. لكن مأزق إسرائيل بات في محنة لا حلّ لها، وذلك لعدم قدرتها على حسم أية معركة من المعارك الدائرة معها على جبهات الإسناد المختلفة من جهة؛ وترهلها – تفككها الداخلي – من جهة أخرى؛ الذي بات يستنزف الطبقة الوسطى فيها دون أفق معلوم تبدأ إسرائيل خلاله باستعادة ‘عافيتها’ مجدداً. هذا هو مأزق إسرائيل الحقيق، وليس قيادة نتنياهو.

الملاحظة الثامنة والأخيرة؛ على الذين يتحدثون أو يتمنون وقف الحرب أو وقف إطلاق النار أن يراجعوا ملفات الأطراف المتحاربة التي تريد مواصلة الحرب بالطريقة التي تريحها- فإسرائيل تريد من أمريكا أن تحارب إيران، وهذا مستبعد لأسباب أمريكيّة خالصة، ومحور المقاومة يريد إرهاق إسرائيل، وكسب الحرب بالنقاط قبل معركة التحرير، كما صرّح السيد حسن نصرالله أكثر من مرّة، وتجميع نقاط أكثر. ووفقاً لما نشره الإعلام الإسرائيلي صبيحة الرابع من أيلول/سبتمبر الحالي، فإن دولة إسرائيل بدأت تستعد لمواصلة احتلالها لغزّة. لذا تُخطط لزيادة عدد أفراد الجيش النظامي وفترة خدمة الاحتياط لمدة 100 يوم في السنة، ورفع سنوات الخدمة الإلزامية إلى أربع سنوات.

هذه ملاحظات مقتضبة تتعلق بواقع الحال ومجرياته، يُمكن أن تشكل مدخلاً لكهف سياسة الكيان ومفرزاتها وارتباطاتها، وهي سياسة ما تزال مفتوحة على تطورات ومفاجآت يتعين التحسب لها.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  العنقاء الفلسطينية والبحث عن الحرية
أحمد أشقر

كاتب وأكاديمي فلسطيني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  دوّامة الانتخابات الاسرائيلية... هل يكون المخرَج عسكرياً؟