إسرائيل و”جبهة الشمال”.. حرب استنزاف مردوعة!

 كيف يبدو المشهد الراهن بخاصة أنه بعد أقل من شهر من الزمن ستبلغ الحرب على غزة عامها الأول: لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها التى رفعتها منذ اليوم الأول للحرب.

صارت إسرائيل بعد مرور أكثر من أحد عشر شهراً على حرب غزة، ولأسباب سياسية داخلية، أسيرة تلك الأهداف العالية السقف وغير الواقعية: التخلص كلياً من حماس وفرض السيطرة الأمنية العسكرية على القطاع مع تأمين إدارة من «صيغة مركبة» دولية عربية فلسطينية للقطاع فى ظل إحكام السيطرة الإسرائيلية.

يبدو أن التفاوض المتقطع وذا المراحل الثلاث كما طرح منذ اليوم الأول صار بمثابة عملية تقطيع للوقت إلى أن تأتى معطيات جديدة تفرض إحداث تقدم فعلى نحو ما يجب أن يكون عليه الوقف الشامل لإطلاق النار.

الأمر الذى يعنى الخروج الكلى من منطق الهدن المشروطة بالمطالب الإسرائيلية ضمن صيغ مختلفة ولكنها مكشوفة. الضفة الغربية طالتها نيران الحرب الإسرائيلية أيضا.

ومن الواضح أن الأطراف الدولية التى تحاول منع التصعيد فى الضفة لن تنجح كليا فى مسعاها للعودة إلى الوضع الذى كان سائدا ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر فى الضفة الغربية خصوصاً أن موقفها ما زال ضمن سياسة المطالبة والمناشدة وليس الضغط المباشر على إسرائيل لإنجاح مسعاها.

يُعزّز هذا الوضع أن استكمال تهويد الجغرافيا والديموغرافيا، كما نذكر دائمًا، يبقى الهدف الاستراتيجى الأساسى للسياسة الإسرائيلية التى لم تعد تشعر بضرورة إخفاء ذلك بخاصة فى ظل العقيدة المسيطرة والحاكمة حالياً فى إسرائيل. لن يكون بالأمر السهل تحقيق التهدئة الفعلية فى الضفة الغربية فى ظل ما أشرنا إليه من معطيات ولا سيما فى ظل استمرار حرب الاستنزاف القائمة والمفتوحة فى الزمان والمكان.

***

يبدو أن الأولوية الإسرائيلية تتجه للتركيز حالياً على الجبهة اللبنانية. التصعيد الكلامى الحامل للتهديدات بشكل متكرر بإعطاء أولوية لـ«جبهة الشمال» عبر حرب مختلفة فى قوتها قد تحصل «متى تستكمل الاستعدادات» بين أسابيع وأشهر، تبدو كجزء أساسى فى الحرب النفسية تجاه العدو فى «الشمال».

وهى فى الوقت ذاته يفترض أن تشكل لأصحابها «ورقة» للطمأنة والتهدئة السياسية فى الداخل الذى بدأت حدة ودرجة انتقاداته بالازدياد تجاه الحكومة، الأمر الذى قد يُهدّد بقاءها.

يترافق ذلك بالطبع مع تصعيد فى القوة النارية، ولو بقى ضمن قواعد الاشتباك التى «تطورت» ولكنها بقيت ناظمة للحرب الدائرة، وفى جغرافية الحرب التى صارت سوريا تدريجياً جزءاً من «مسرحها» على جبهة الشمال باعتبارها العمق الاستراتيجى الهام، بأبعاد مختلفة، لجبهة «المساندة» عبر الجنوب اللبنانى.

***

نسمع عن استراتيجيات إسرائيلية مختلفة للتعامل مع “جبهة الشمال”. منها الاجتياح البرى وهو أمر مستبعد لعدم قدرة إسرائيل على تحمل تداعياته الخطيرة والمكلفة، ومنها عملية التفافية عبر الجولان المحتل وجنوب سوريا للوصول إلى البقاع ومحاصرة الجنوب اللبنانى عسكريا وهذه أيضا ذات تكلفة عالية وبالطبع غير مؤكدة النتائج.

يحصل ذلك فيما تستمر عملية «تطوير» قواعد الاشتباك، ضمن حرب استنزاف ممتدة فى الجغرافيا وفى القوة النارية وعمليات الاستهداف. ما يمنع الخروج عن ضوابط حرب الاستنزاف الممتدة فى الزمان والمكان «توازن الردع» الذى يشكل عنصرا أساسيا فى منع اندلاع حرب كبرى.

يبقى السؤال قائما حول البديل عن حرب كبرى ولو مستبعدة.. هل يتم ذلك عبر تفاهمات بين الأطراف الفعلية أو الفاعلة وليس بالضرورة «الرسمية» فقط للحرب الدائرة حاليا؟ تفاهمات توفر تسويات وهدوءًا مرحليًا، أم أن البديل يكمن فى التوصل إلى صفقة إقليمية كبرى توفر الاستقرار بشكل أفضل وأطول زمنا من سلة التفاهمات التى أشرنا إليها. صفقة لا تخرج المنطقة نهائيا من مخاطر الحروب المختلفة الحدة والأطراف، طالما استمرت إسرائيل، دون أى وازع، فى سياسة بناء إسرائيل الكبرى عبر استكمال الضم الفعلى للضفة الغربية والطرد التدريجى لسكانها.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  من أمّ تمارا إلى أمّ ماغي محمود!
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "كان للبنان" قبل أن يُخصخَص ويُخرّب.. ويموت!