حماس والحلفاء.. والحب من طرف واحد!

حسن آغاحسن آغا11/01/2025
عزيزي القارئ، إنّ كاتب هذه السطور محبٌ لفلسطين ومتضامن مع غزة، بدم أقاربه ورفاقه وقادته الشهداء على طريق القدس، إسناداً للشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته الباسلة والشريفة. ولا منّة لنا بذلك، بل هو فضل الله علينا.

إلا أنّ ما يُحيّر كاتب هذه السطور، هي النظرية التي تباشر فيها حركة حماس علاقاتها وتحالفاتها. فنراها تارةً تذهب في غض النظر عن مصر (بحكم الجغرافيا والشريان الحيوي معها)، وتتغاضى عن قطر بسياساتها وأذرعها الاعلامية المعروفة، والتي تدسّ السم بالعسل. ونتفهم سكوت حماس عن تركيا للأسباب نفسها، وعلاقة الأخيرة الوطيدة بإسرائيل واللامبالية بكل ما جرى في غزة، من ٧ أكتوبر إلى اليوم، وعلاقتها بالناتو وتزويد اسرائيل بالبضائع والسلع. فيما هي لم تكن في يوم من الأيام منذ اندلاع “الربيع العربي”، قبل عقد ونيف، قادرةً على مسايرة النظام في سوريا، أو تسليفه موقفاً يُخفّف من محنته، وربما يحقن دماء الشعب الواحد، أو شعوب حلفائها، فأفلتت يدها من يدهم في أصعب محنة عاشوها حتى ذلك الوقت، وآثرت الانضمام إلى صفوف الثوار، بالاعلام والسياسة وحتى بالعسكر! وعلى الرغم من مطالبات كثيرة من قوى “المحور”، وعلى رأسهم سيد شهداء الأمة السيد حسن نصرالله، بضرورة الاعتراف – للتاريخ ولحقن الدماء والانصاف – بدور سوريا في دعم المقاومة في غزة، وامداد حليفها الأقوى، أي حزب الله، بالسلاح، وأن الإضرار بسوريا في ذلك الوقت كان بمثابة قطع حبل الوريد عن المقاومة اللبنانية.

لكنّ حماس آثرت ما رأته من مصلحتها ومصلحة القضية التي تحملها، وكان قرارها ورهانها هي بسلوك طريق الثوار.

ألم يمد محور المقاومة غزة بالسلاح قبل وبعد عام ٢٠١١؟ وخرجت حماس في كل المواجهات التي خاضتها بعد هذه الفترة للتنكر لحلفائها وتقول إنّ سلاحها هو محلي الصنع، بمعنى آخر، لا فضل لسوريا وإيران وحزب الله بذلك

حسناً، بعد سلوك طريق الثوار، هل يُمكن إيجاد تصريح أو موقف واحد تجاه ما جرى في البحرين. وهي الثورة الوحيدة التي بقيت مشتعلة لفترة طويلة في الخليج العربي، وكانت تهدف بسلمية تامة للحصول على حقوق دستورية تحت سقف القانون. فلم تتكرم عليها حماس بموقف واحد يعطيها أفضلية ما، أو ينزع عنها تهمة الطائفية التي أباحت دماءها، وهي ترفع شعارات فلسطين في مظاهراتها كافة!

وليس بعيداً عن البحرين، عاش اليمن تجربة مشابهة، وكان أنصار الله مكوناً ثار على علي عبد الله صالح في اليمن، وحُورب من قبل الإخوان المسلمين، الذين تحالفوا مع السعودية التي أتت على بلدهم بعاصفة ظالمة ما تزال فصولها مستمرة إلى الآن! دون أن تُسلّف حماس موقفاً واحداً يتيماً لأنصار الله، على الرغم من المظاهرات الداعمة لفلسطين التي كان يُخصّصها اليمن تحت ظل العدوان مناصرةً للقضية الفلسطينية.. ومجدداً برغم مطالبة السيد نصرالله المتكررة لحماس بضرورة انصاف الشعب اليمني المظلوم بموقف واحد داعم لقضيته.

حسناً، ألم يمد محور المقاومة غزة بالسلاح قبل وبعد عام ٢٠١١؟ وخرجت حماس في كل المواجهات التي خاضتها بعد هذه الفترة للتنكر لحلفائها وتقول إنّ سلاحها هو محلي الصنع، بمعنى آخر، لا فضل لسوريا وإيران وحزب الله بذلك. وكأنّ التاريخ يمكن أن ينسى قضية سامي شهاب، دليلاً وأثراً على ما كان يقوم به “المحور” والتي ستبقى تفاصيلها طي الكتمان إلى أجل غير مسمى.

أن تخرج غزة في ٧ أكتوبر إلى الحرب بتوقيتها الخاص، وأن يلتحق بها “المحور”، وكل الذين لم تُسلّفهم موقفاً في أحلك ظروفهم، أن يخرجوا بالسلاح من العراق واليمن ولبنان وإيران وحتى البحرين، ويستشهد منهم من يستشهد ويتشاركون مع غزة بعض ما تقاسيه من محن دماءً وعدوان وأشلاء وقوافل من الشهداء. وتعترض حماس وناشطوها على اسم «سرايا مالك الأشتر» لشبهة أن مالك كان من عديد الثوار على الخليفة عثمان بن عفان، وأن «لبيك يا نصرالله»، أو «لبيك يا رسول الله»، أو «يا صاحب العصر والزمان»، هي أمور تحمل في طياتها الشرك وتحتاج لمراجعة مع دوائر معيّنة في الحزب، وتُصدر توصيات بشأنها منه. فيما الأمة التي نادتها حماس منبطحة أمام شاشات التلفزة تشاهد من يدس ملح حقده عبر فضائية عربية، هو و«غرفة الموك»، في جروح “المحور” الملتهبة نصرة لغزة. أن «تتدلل حماس» على “المحور” فيما لا تنتحي باللائمة على كلّ هذه الأمة، فهذا دليل عافية، ودليل أمل كبيرة لحماس في هذا “المحور”، والدلال في هذا المقام دليل على معرفة مكانة الشخص المتدلل عند من يتدلل عليهم.

أن تصبح سوريا في نظر حماس عنواناً لخذلان الأنظمة العربية لقضية فلسطين، وتُصوّر بأنّها بلاد الفتح الاسلامي العظيم، وعنوانٌ لمناصرة الشعوب المظلومة في وجه الطغاة، بينما عدو سوريا الذي ينهش أطفال غزة يسنّ سكينه لنحر سوريا التي لم تخن القضية، ولم توقع على عار السلام والاستسلام، فيما يرفرف العلم الصهيوني في قطر وتركيا وتصبح سوريا هي السبب المانع للأمة المنبطحة والصامة آذانها عن نصرة فلسطين، فهذا كيل بمكيالين، وظلم ما بعده ظلم.

إقرأ على موقع 180  ما بعد الحرب الثانية.. الأمم المتحدة أين كانت وأين أصبحت؟ (10)

أن تتصرف حماس بمصير منطقة بكاملها من دون مراجعة، أو مشاورة أحد من حلفائها، بمنطق فهمها الخاص لمفهوم التحالف ولمفهوم التحرير. وفي الوقت عينه، تُحجم عن إصدار بيان واحد يعين الحلفاء في قضايا مصيرية تمسّهم في الصميم (رفض حصار حزب الله مثلاً)، لدواعٍ خاصة أيديولوجية إلى حد كبير مرتبطة باسترضاء الإخوان المسلمين الذين لم يتحركوا لنصرة غزة، فهذا اسمه «حب من طرف واحد».

ونحن قبلنا بهذا الحب يا حماس.

Print Friendly, PDF & Email
حسن آغا

كاتب لبناني، مقاوم شارك في عملية «أولي البأس»

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  العروبةُ ناسٌ، حريةٌ، تعدديةٌ.. وليس أنظمة استبداد