

“إن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تهدف إلى التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي، ما زالت مستمرة، سواء على المستوى الرفيع، بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومبعوث الرئيس ترامب ستيف ويتكوف، اللذين يجتمعان، حسبما اقترح الرئيس ترامب منذ البداية، أيضاً بشكل مباشر (بحضور وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي)، أو على مستويات العمل الفني. بشكل عام، يتعامل المتحدثون، الأميركيون والإيرانيون، بإيجابية مع مضمون المحادثات، ويعبّرون عن قدرٍ من التفاؤل بشأن إمكان التوصل إلى اتفاق.
يبدو أن كلا الطرفين يقدّر أن هناك أساساً أولياً مشتركاً يمكن القبول به، ويُتيح تعميق النقاشات. ومع ذلك، يُحجم الطرفان عن الكشف عن تفاصيل المحادثات. لكن من خلال التسريبات ومضمون خطاب عراقجي، المخطط له (في 21 نيسان/أبريل) في مؤتمر لمعهد كارنيغي في الولايات المتحدة (الذي أُلغيَ بعد رفض عراقجي الإجابة عن الأسئلة)، يبدو كأن المحادثات في هذه المرحلة تتركز أساساً على القضايا التالية:
أولاً؛ نطاق ودرجة تخصيب اليورانيوم
يبدو كأن إدارة ترامب تقبل، بشكل عام، المبدأ الأساسي الذي اعتمده الرئيس أوباما سابقاً، والذي ينص على أن لإيران حق تخصيب اليورانيوم، الذي ترفض إيران التنازل عنه، حتى لو كانت الإدارة لا تزال تحاول عرض أفكار بديلة قد تمنع التخصيب داخل إيران. لكن، بافتراض أن الإدارة لن تحاول فرض موقف مخالف، فإن النقاش يتركز أساساً على مستوى التخصيب وحجمه وكمية المادة المخصّبة التي يُسمح لإيران بالاحتفاظ بها.
الاتفاق النووي الموقّع في سنة 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، سمح لإيران بالاحتفاظ بـ300 كلغ فقط من اليورانيوم المخصّب بنسبة تصل إلى 3.67%، وبخلاف المفاوضات التي جرت في عهد إدارة بايدن (2021–2022)، فإن الإيرانيين، هذه المرة، لا يطالبون بالعودة إلى اتفاق JCPOA، بل يسعون لتوقيع “اتفاق جديد” لا يلتزم المعايير السابقة. أشار عراقجي في الخطاب الذي أعدّه إلى أنه يفترض أن ترامب، بعد انسحابه من الاتفاق الأصلي في سنة 2018، لا يرغب في العودة إليه.
في أيّ حال، حتى لو أرادت الأطراف العودة إلى الاتفاق نفسه، فإن الأمر لم يعُد ملائماً، وخصوصاً بسبب التقدم الإيراني الكبير في مجال أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، إذ تشير التقديرات إلى وجود آلاف منها، ويستبعد أن توافق إيران على تفكيكها كلها. المعيار الذي استند إليه الاتفاق السابق كان يركز على الحفاظ على “وقت الاختراق” اللازم لصنع قنبلة نووية مدة عام واحد، وهو هدف يكاد يكون من المستحيل تحقيقه، أو الاتفاق عليه، في ظل التقدم الإيراني الملحوظ في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة.
ثانياً؛ مدة الاتفاق
سيتعين على الاتفاق الجديد التوفيق بشكل أساسي بين الرغبة الإيرانية في تحديد مدة زمنية لصلاحية الاتفاق، بحيث تتمكن إيران في نهايتها من العودة إلى تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع، وبين رغبة ترامب في أن يكون الاتفاق سارياً أعواماً طويلة، وربما يكون دائماً.
ثالثاً؛ الرقابة على البرنامج النووي
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، تضررت كثيراً قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) على مراقبة جزء كبير من التقدم الإيراني في البرنامج النووي. خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تعد كاميرات الوكالة، في معظمها، توفر بيانات بشأن عمليات التخصيب، وكذلك بشأن استخراج اليورانيوم وبناء أجهزة الطرد المركزي. كما أن إيران لم تعد تطبّق البروتوكول الإضافي للوكالة على أراضيها، والذي يُلزم الدول، من بين أمور أُخرى، تقديم مجموعة من التفاصيل في تقاريرها للوكالة، ويوسّع صلاحيات وصول المفتشين، ويُجيز استخدام تقنيات معينة في إطار نظام التحقق.
من المرجح أنه في حال التوصل إلى اتفاق جديد وعودة الإيرانيين إلى التعاون مع الوكالة، فستضطر الأخيرة إلى استثمار موارد كبيرة لسدّ الفجوات التي تراكمت خلال السنوات التي منعت فيها طهران الوكالة من الوصول إلى معلومات مهمة، بالإضافة إلى القضايا العالقة منذ سنوات، والمتعلقة بمواقع غير مُعلنة، عُثر فيها على جزيئات من اليورانيوم، والتي يرفض الإيرانيون الرد على الأسئلة المتعلقة بها.
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، يواصل التحذير من التقدم الكبير الذي أحرزته إيران في برنامجها النووي، ويؤكد مجدداً أن دولة لا تمتلك سلاحاً نووياً لا تخصّب اليورانيوم بنسبة 60%، ويشدد على استعداد الوكالة لتقديم أيّ دعم من أجل الدفع في اتجاه التوصل إلى اتفاق، استناداً إلى صلاحياتها ومسؤولياتها.
في موازاة استمرار الاتصالات، أجرى غروسي زيارات لطهران وواشنطن وباريس، لكنه حتى الآن، لم يشارك فعلياً في جولات المحادثات التي عُقدت. ويُذكر أنه قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الأصلي، كانت إيران تتعاون مع الوكالة وتفي بالتزاماتها بموجب الاتفاق، ويبدو كأنها حتى الآن، لا تمانع التزام “برنامج رقابة وتحقُّق شامل يضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي”.
رابعاً؛ الضمانات
في أعقاب سابقة انسحاب ترامب من الاتفاق النووي خلال ولايته السابقة، يسعى الإيرانيون لاحتواء الاتفاق، الذي يجري التفاوض بشأنه الآن، على ضمانات صارمة، بينها مصادقة الكونغرس الأميركي، أو بدلاً من ذلك، الاحتفاظ باليورانيوم المخصّب بنسبة عالية لديهم، أو لدى روسيا (بحيث يعود اليورانيوم إلى إيران في حال حدوث خرق أميركي جديد للاتفاق). وعلى الرغم من أن هذه القضية ليست مركزية في هذه المرحلة، فإن الخلاف عليها في المحادثات مع إدارة بايدن ساهم في فشل تلك المفاوضات.
خامساً؛ العوائد الاقتصادية لإيران
تم طرح موضوعَين في هذا السياق: الأول، وهو الأهم بالنسبة إلى إيران، يتمثل في رفع معظم العقوبات الأميركية التي فُرضت عليها، عقب انسحاب ترامب من الاتفاق، وخلال السنوات التالية. أمّا الموضوع الثاني، حسبما ورَد في الخطاب الذي خطط عراقجي لإلقائه في مؤتمر كارنيغي، فيتناول، لأول مرة، إمكان التعاون الاقتصادي بين البلدين.
يرأس فريق العمل الأميركي مايكل أنتون، الذي ي يفتقر إلى المعرفة التكنولوجية.. ومن المفترض أن يرافقه خبراء فنيون
يدرك الإيرانيون الأهمية التي يوليها ترامب للمصالح الاقتصادية في جميع خطواته السياسية، ولذلك، أشار عراقجي إلى أن إيران لم تعارض في أيّ وقت التعاون الاقتصادي والعلمي مع الولايات المتحدة، ولفت إلى “الفرصة الاقتصادية التي تُقدَّر بتريليون دولار، والتي تقدمها السوق الإيرانية المنفتحة أيضاً أمام الشركات الأميركية، بما في ذلك شركات يمكنها المساهمة في إنتاج طاقة كهربائية نظيفة من مصادر لا تعتمد على الكربون”.
كذلك، شدَّد على أن “إيران تُشغل، حالياً، مفاعل طاقة واحد في بوشهر، لكن الخطة الطويلة الأمد تهدف إلى بناء ما لا يقلّ عن 19 مفاعلاً إضافياً، وهي عقود محتملة بقيمة عشرات مليارات الدولارات.” ووفقاً له، فإن “السوق الإيرانية وحدها قادرة على إنعاش صناعة الطاقة النووية الأميركية”.
معسكران في أميركا
على الرغم من أن التقارير المتعددة أشارت إلى أن الطرفين يتبادلان مسودّات، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الهدف هو التوصل إلى اتفاق شامل، أو مجرد الدفع في اتجاه اتفاق إطار مبدئي لا تُحسم فيه جميع التفاصيل. لقد بدأت فعلاً النقاشات على مستوى فرق العمل، لكن من المرجح أن يتطلب التوصل إلى اتفاق مفصّل الخوض في التفاصيل، وهو أمر يستغرق وقتاً بطبيعته.
يرأس فريق العمل الأميركي، المؤلف من نحو 12 شخصاً، مايكل أنتون، الذي يشغل منصب رئيس قسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية (وشغل أيضاً مناصب مختلفة في إدارة ترامب، وفي إدارات جمهورية سابقة). يفتقر أنتون إلى المعرفة التكنولوجية، لكن من المفترض أن يرافقه خبراء فنيون). في السابق، خلال المفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، أوكلت المسؤولية عن الجانب التكنولوجي إلى وزير الطاقة آنذاك، إرنست مونيز، وهو أستاذ فيزياء نووية. من خلال مجمل التقارير والتصريحات الإيجابية الصادرة عن إيران، بما في ذلك الإشارات التي تؤكد أن المفاوضات تتقدم أكثر مما كان متوقعاً، وأن الجانب الإيراني فوجئ بأن الولايات المتحدة أظهرت جدّية، ولم تطرح “مطالب غير معقولة”، يمكن الاستنتاج أن المحادثات، إلى جانب الاستعداد للإبقاء على قدرة التخصيب داخل إيران، لا تتناول في هذه المرحلة برنامج الصواريخ الإيراني، أو نشاط إيران الإقليمي.
وعلاوةً على ذلك، يبدو كأن اختيار ستيف ويتكوف، الذي يُعرف بموقفه المعتدل وولائه لترامب، على الرغم من قلة خبرته، يعكس قراراً من ترامب، على الأقل في الوقت الحالي، بالاصطفاف إلى جانب المعسكر الانعزالي، بدلاً من معسكر الصقور.
معسكر “الصقور”، بقيادة وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي السابق مايك والتز (الذي تمت إقالته، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”، جزئياً، بسبب مواقفه المتشددة تجاه إيران ومحادثاته التي أجراها مع رئيس الوزراء نتنياهو بشأن إمكان شن هجوم على إيران)، يرى أن التهديد العسكري الموثوق به هو الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى اتفاق نووي صارم مع إيران، ويعتقد أن من الضروري منع إيران من تطوير أيّ قدرة على إنتاج سلاح نووي بشكل كامل، وذلك من خلال التفكيك الكامل (dismantling) لبرنامجها النووي، على غرار “النموذج الليبي”، وموافقتها على أن تكون شبيهة بالإمارات العربية المتحدة، التي تمتلك مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة، لكنها تفتقر إلى قدرات التخصيب، ويأتي الوقود النووي لمفاعلاتها من الخارج.
أمّا “الانعزاليون”، بقيادة نائب الرئيس جي. دي. فانس، ورئيسة جهاز الاستخبارات تولسي غابارد، وأساساً الإعلامي المحافظ والمقرب من ترامب، تاكر كارلسون، فيتبنون سياسة الانكفاء، وعدم التدخل، وينتقدون أيّ تحرّك عسكري بشدة، وخصوصاً فيما يتعلق بإيران.
حتى هذه اللحظة، يبدو كأن الموقف الذي يتماشى مع التصريحات العلنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والذي يدعو إلى تطبيق “النموذج الليبي” على إيران، لا يُطرح كشرط على إيران في المحادثات الجارية.
إيران ومحورها المتلاشي
المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، الذي عارض إجراء محادثات مع الولايات المتحدة أعواماً طويلة، يواصل حتى اليوم التشديد على ضرورة توخّي الحذر من نيات ترامب، ومع ذلك، فإن قراره السماح بإجراء هذه المحادثات يعكس حالة الضعف والضيق الشديد التي تمر بها إيران حالياً، والتي تُعتبر من أصعب المراحل التي عرفتها.
على المستوى الأمني – الاستراتيجي، تم تفكيك “جبهة المقاومة” التي شكلت مكوناً مركزياً في سياسة الردع الإيرانية تجاه إسرائيل، وذلك في أعقاب الهزائم التي مُنيت بها التنظيمات الحليفة لإيران في الشرق الأوسط، وعلى رأسها حزب الله و”حماس”. لقد انهار النظام السوري بقيادة الأسد، والميليشيات المدعومة من إيران في العراق، وكذلك الحوثيون في اليمن الذين تعرّضوا لقدر كبير من التراجع والضعف. وفي الوقت نفسه، واجهت إيران، لأول مرة منذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية، هجوماً مباشراً على أراضيها (جاء كردٍّ إسرائيلي على هجوم ضد إسرائيل وافق عليه الخامنئي)، الأمر الذي جعل إيران تشعر بأنها مكشوفة أمام هجوم إسرائيلي، أكثر من أيّ وقت مضى.
تعلّم الإيرانيون كيفية التعامل مع ترامب، وهم يستخدمون لغة يرون أنها ستجذبه لخيار التوصل لاتفاق، في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية تدعوه لاستغلال الفرصة وشنّ هجوم عسكري على إيران
الأزمة الاقتصادية في إيران تزداد حدةً، إذ وصلت قيمة العملة إلى أدنى مستوياتها التاريخية، والدولة غير قادرة على تلبية حاجات الكهرباء للسكان، كما أن السكان في بعض المناطق داخل إيران يضطرون إلى مغادرة منازلهم بسبب النقص في المياه. هذه العوامل كلها، إلى جانب فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، أعادت ترتيب أولويات طهران، ولذلك، فإن توقيع اتفاق مع واشنطن يخدم، من جهة، الحاجات الاقتصادية، لكنه، قبل كلّ شيء، يلبّي الحاجة المُلحة إلى منع هجوم عسكري.
يسود إيران إدراك يقضي بعدم الاستهانة بتهديدات ترامب باستخدام القوة، وبشكل خاص إمكان أن يمنح “الضوء الأخضر” لإسرائيل بتنفيذ هجوم، حسبما صرّح خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نتنياهو في زيارته الأولى إلى واشنطن.
إن تعزيز القوات الأميركية في المنطقة حاملة طائرات ثانية، طائرات B-2 في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، فضلاً عن نشر طائرتَي إنذار وتحكُّم في المملكة العربية السعودية، أمور كلها تعزز احتمال هذا السيناريو، في نظر الإيرانيين. وفاقمَ هذا القلق الإيراني تسريبٌ نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، أفاد بأن واشنطن منعت هجوماً إسرائيلياً كان مخططاً له ضد إيران في شهر أيار/مايو.
هذه الاعتبارات، إلى جانب الضغط المباشر الذي مارسه الرئيس ترامب على طهران، بما في ذلك رسالة مباشرة وجّهها إلى المرشد الأعلى، مهّدت الطريق للقاءات عُقدت فعلاً بين الجانبين، وأُخرى من المتوقع أن تُعقد لاحقاً.
تعلّم الإيرانيون كيف يمكن التعامل مع ترامب، وهم يستخدمون لغة يرون أنها تساهم في جذبه نحو خيار التوصل إلى اتفاق، في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية تدعوه إلى استغلال الفرصة وشنّ هجوم عسكري على إيران. ترامب، الذي قدم نفسه، مراراً، على أنه قادر على التوصل إلى “اتفاق جيد” مع إيران بسرعة، بات بحاجة ماسة إلى هذا الإنجاز، ولا سيما في ظل الصعوبات التي يواجهها في الدفع نحو صفقة للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى “حماس”، وكذلك بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا.
آلية “سناب باك”
تُدار المفاوضات ضمن جدول زمني ضاغط. من جهة، الرئيس ترامب حدّد للمحادثات مدة شهرين، ومن جهة أُخرى، هناك توقيت محتمل لتفعيل آلية “سناب باك”، أي إعادة فرض العقوبات التي قررها مجلس الأمن، من طرف كلٍّ من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا (مجموعةE3)، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق. تشكل المفاوضات مع واشنطن، من بين أمور أُخرى، محاولة إيرانية لضمان عدم تنفيذ هذا الإجراء، بالتزامن مع مفاوضات تجرى أيضاً مع مجموعة E3، إلى جانب تهديدات إيرانية باتخاذ خطوات انتقامية تشمل تخصيب اليورانيوم إلى مستوى عسكري بنسبة 90%، أو أكثر، و/أو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
إن اتخاذ قرارات في المستقبل القريب سيكون مُلزماً لكي يتسنى توفير الوقت الكافي لأيّ تحرّك في مجلس الأمن، في حال اتُّخذ قرار فعلي بشأن استخدام ورقة الضغط المتمثلة في آلية “سناب باك” ضد إيران. في المقابل، تحرص إيران على إطلاع روسيا والصين على التطورات بشكل منتظم، من أجل ضمان دعمهما، وربما دمجهما في إطار الاتفاق، إذا ما تم التوصل إليه.
وعلى الرغم من أن كلاً من إيران والولايات المتحدة يبدو متوجهاً نحو التوصل إلى اتفاق، ويفضل ذلك على المواجهة العسكرية، فإنه لا يمكن التقدير، حتى الآن، ما إذا كانتا ستنجحان في سدّ الفجوات القائمة، أو تلك التي ستظهر لاحقاً. لا يزال الرئيس ترامب يشير إلى الخيار الهجومي في حال فشلت المحادثات، وصرّح في مقابلة مع مجلة “تايم”، قائلاً: “إذا لم نتوصل إلى اتفاق، فسأقود الهجوم على إيران.” ومع ذلك، فإن تصريحاته المتكررة بشأن “فرص جيدة للتوصل إلى صفقة” تعكس، قبل كلّ شيء، أولوياته فيما يتعلق بالملف الإيراني.
التداعيات على إسرائيل
على الرغم من أن إسرائيل تبدو كأنها على هامش التطورات، فإن القرار بفتح باب المفاوضات نُقل إلى رئيس الوزراء خلال زيارة عاجلة قام بها إلى واشنطن، كما سافر الوزير رون ديرمر، ممثلاً نتنياهو، للقاء المبعوث ويتكوف في باريس قبل بدء المحادثات، وأقام بروما في محاولة للبقاء على اطّلاع. كذلك، بدا كأن المكالمة الهاتفية بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو، التي تناولت قضية إيران، كانت تهدف إلى “طمأنة” إسرائيل، وتلاها بيان من البيت الأبيض يفيد بأن “الطرفين ينسّقان بشكل كامل”.
ومع ذلك، من غير الواضح إلى أيّ مدى تملك الجهات المهنية الإسرائيلية القدرة على التأثير في مجريات المفاوضات. ومن خلال التجربة السابقة، من المعروف أن التفاصيل الدقيقة هي الجوهر، لا الإطار الاستراتيجي الذي سيضعه كلٌّ من ويتكوف وعرقجي. وعلى الرغم من موقف إسرائيل، الذي يدعو إلى تطبيق “النموذج الليبي” على البرنامج النووي الإيراني، فإن التوجهات الحالية تشير إلى مسارات مختلفة، ومن المهم أن تطّلع إسرائيل على التفاصيل، بل أن تكون قادرة على التأثير في نتائج الاتفاق.
لذلك، هناك حاجة مُلحة إلى استمرار الحوار بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن يتضمن في أقرب وقت ممكن مجموعات عمل قادرة على التأثير في الصيغة المتبلورة، مع التركيز على البنى التحتية النووية التي ستُترك في حوزة إيران، وعلى خصائص نظام الرقابة المستقبلي.
ستجد إسرائيل صعوبة في التعامل، سواء على المستوى الدبلوماسي، أو الإعلامي، مع سعي ترامب للتوصل إلى اتفاق مع إيران، لكن من المهم ألّا تحاول استخدام “أصدقاء” في الكونغرس، أو في الإدارة الأميركية، بطريقة قد يفسّرها الرئيس بأنها مُعارِضة لمواقفه. إن أيّ محاولة إسرائيلية من هذا النوع، والتي قد تُفهم في أوساط الإدارة أنها تحرُّك موجّه لإفشال إمكان التوصل إلى اتفاق مع إيران، قد تؤثر فوراً، وبشكل سلبي، في قضايا ذات أهمية استراتيجية، بالنسبة إلى إسرائيل، ترتبط بعلاقاتها بواشنطن (يمكن الاستدلال على ذلك من خلال ما نُشر بشأن الأسباب التي أدّت إلى إقالة المستشار والتز).
لذلك، وأكثر من أيّ وقت مضى، يكتسب إجراء حوار حميمي وسرّي، بين إسرائيل والولايات المتحدة، أهمية قصوى، وعلى جميع المستويات.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية