

استبقت إسرائيل جولة سادسة من المفاوضات الأميركية-الإيرانية كانت مقررة غداً (الأحد) في مسقط، بشن ضربات واسعة النطاق ضد المنشآت النووية وعشرات الأهداف الأخرى في إيران، مفتتحة بذلك نزاعاً جديداً في الشرق الأوسط، لا يمكن التنبؤ بعواقبه الإقليمية والدولية.
ما بدا بأنه تحرك إسرائيلي منفرد، لم يكن ليحصل لولا الضوء الأخضر الأميركي. وهذا ما يفسر مسارعة الرئيس دونالد ترامب إلى القول بإنه منح إيران الفرصة تلو الفرصة من أجل حل سياسي، لكنها لم تحسن استغلالها، وحذر من تطور الهجمات الإسرائيلية إلى ما هو أكثر شدة.
وبذلك، يبني ترامب مجدداً على الضربة الإسرائيلية، كي يقول لهم إن الفرصة الوحيدة المتبقية أمامهم “لإنقاذ ما تبقى مما كان يعرف بالإمبراطوية الإيرانية”، هي في القبول بالاقتراح الأميركي القائم على حل سياسي، توافق فيه طهران على عدم تخصيب اليورانيوم على أراضيها.
موقف ترامب يدل على أمرين: إما أنه فشل فعلاً في ثني بنيامين نتنياهو عن قرار الحرب، وإما أنه أعطى موافقته على الضربة، وأراد ان يستثمرها في دفع إيران إلى التنازل عن موقفها بالنسبة للتمسك بحق تخصيب اليورانيوم على أراضيها.
من دون ريب، أن هذه أقسى لحظة يواجهها النظام في إيران منذ عام 1979، قد تتجاوز في مخاطرها ونتائجها الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات، لأنها تضع النظام على المحك، وتتطلب منه قرارات مصيرية، أحلاها مر.
وإذا كان من المبكر التكهن بمآلات هذه الحرب وبانعكاساتها على إيران والمنطقة، برغم الخسائر التي لحقت بمنشأة نطنز النووية، وبفقدان عدد من العلماء النوويين و20 من القادة العسكريين بينهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان المسلحة محمد علي باقري، فإن قرار تعيين قادة جدد ومن ثم إطلاق أكثر من موجة صاروخية باتجاه تل أبيب والأراضي الفلسطينية المحتلة، بيّنا أن طهران استفاقت من “صدمة الفجر” وبدأت تستعيد زمام المبادرة.
كل الأسئلة تتركز الآن حول ما إذا كان الخيار العسكري قادر على انهاء البرنامج النووي الإيراني، أم سيؤخره بضع سنوات؟ وماذا لو اتخذت طهران قراراً بالانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي وطردت مفتشي الوكالة الدولية وسارت على خطى كوريا الشمالية وصولاً إلى الاعلان أنها دولة عتبة نووية؟
استهدفت الموجتان الأولى والثانية من الغارات الإسرائيلية مراكز التحكم والسيطرة، وقواعد الصواريخ الباليستية وبطاريات الدفاع الجوي ومطارات عسكرية ومدنية، إلى منشآت لتخصيب اليورانيوم (لا سيما نطنز وفوردو)، في سياق العملية التي أطلقت عليها إسرائيل الإسم الرمزي “الأسد الصاعد” وتضمنت عمليات إطلاق مسيّرات من محطات أقامها “الموساد” داخل إيران. ويشير استهداف الجنرال علي شمخاني مستشار المرشد آية الله علي خامنئي، الذي كان يشرف على البرنامج النووي، إلى أن إسرائيل صوّبت أيضاً على شخصيات من القيادة السياسية أيضاً، على رغم أن المسؤولين الإسرائيليين يؤكدون أن الهدف ليس إسقاط النظام، لكن خطاب نتنياهو ليل أمس (الجمعة) كان واضحاً بدعوة الشعب الإيراني إلى التخلص مما أسماه “النظام الشرير”!

وتتهم الاستخبارات الإسرائيلية إيران باستخدام المفاوضات مع الولايات المتحدة، كوسيلة لكسب الوقت بينما تسّرع من عسكرة برنامجها النووي “الذي بلغ مرحلة اللاعودة”.
ومع ذلك تختلف مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد مع تقويم الاستخبارات الإسرائيلية، بدليل أنها خلصت إلى “أن إيران لا تصنع سلاحاً نووياً وبأن خامنئي لم يعد إلى البرنامج التسليحي الذي علّقه عام 2003”.
ومن غير الواضح مدى الدمار الذي لحق بالمنشآت النووية، المدفونة عميقاً تحت الأرض. وكان الخبراء يُقدّرون بأنه حتى القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات من طراز “جي بي يو-57″، التي لا تستطيع المقاتلات الإسرائيلية حملها، ستكون في حاجة إلى تركيز القصف مرات عدة على نقطة واحدة. وربما تكون إسرائيل قد استهدفت المداخل والانفاق وفتحات التهوئة لهذه المشآت لتعطيلها عن العمل.
هذا الاستنتاج الذي خرجت به مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، يقود إلى طرح سؤال جوهري حول ما إذا كانت الولايات المتحدة، ستنضم إلى الحرب الإسرائيلية والتورط في نزاع آخر بالشرق الأوسط؟ أم أنها ستكتفي بالدفاع عن إسرائيل إذا ما تعرضت لهجمات انتقامية من إيران؟
يتبين من الإجراءات التي اتخذتها أميركا بالنسبة لسحب عائلات ديبلوماسييها من العراق والكويت والبحرين، عشية شن الغارات، بأن نتنياهو قد أبلغ ترامب بموعد الضربة خلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما يوم الإثنين الماضي. على أثرها صرح الرئيس الأميركي، بأنه لم يعد واثقاً من أن إيران تريد اتفاقا سياسياً.
وقبل شهرين، أبدى ترامب حماسةً لإبرام اتفاق مع إيران، وتمكن أكثر من مرة من اقناع نتيناهو بالعدول عن اللجوء إلى الخيار العسكري قبل أن يتبلور مصير المفاوضات، التي علقت عند مسألة مكان التخصيب، في إيران أم خارجها. وتم إقصاء العشرات من المسؤولين، بداية من مجلس الأمن القومي إلى وزارة الدفاع وحتى وزارة الخارجية، في خضم الخلافات داخل الإدارة الأميركية حول ما إذا كان يجب ضرب إيران أو التحاور معها.
الآن، انهار كل ذلك، ودخلت المنطقة في دوامة صراع عسكري واسع، لن تبقى أميركا بعيدة عنه، بل هي أعلنت أنها ستدافع عن إسرائيل في حال قررت إيران الرد، وهو الأمر الذي ترجم عملياً بامطار سماء فلسطين المحتلة بمئات الصواريخ الباليستية والتي سقط العديد منها في وسط تل أبيب وأحدثت دماراً غير مسبوق في وسط إسرائيل.
وكل الأسئلة تتركز الآن حول ما إذا كان الخيار العسكري قادر على انهاء البرنامج النووي الإيراني، أم سيؤخره بضع سنوات؟ وماذا لو اتخذت طهران قراراً بالانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي وطردت مفتشي الوكالة الدولية وسارت على خطى كوريا الشمالية وصولاً إلى الاعلان أنها دولة عتبة نووية؟
الإجابات على ذلك تتوقف على مدى قدرة كل من إيران وإسرائيل على امتصاص الضربات المتبادلة وهل يُمكن أن يتوفر وسيط دولي أو إقليمي لانهاء هذه الجولة، أم أن الطرفين يحتاجان إلى المزيد من الأيام القتالية، قبل أن يأتي دور الوسطاء؟