حصاد حروب نتنياهو.. اكتمل أم لم يكتمل؟

بعد أن أتمّت الحرب الإسرائيلية على غزة عامها الثاني، وما تخللها من فتح "سبع جبهات" طالت كامل قوى "المحور"، من "رأس الأفعى"- إيران، إلى سوريا، مروراً باليمن وكافة حركات المقاومة في لبنان والعراق والضفة الغربية. يُطرح سؤال جوهري في هذا المقام، هل فعلاً غيّر نتنياهو الشرق الأوسط؟

حقق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إثر عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما لم يحققه أي زعيم إسرائيلي منذ نشأة هذا الكيان عام 1948. وهذا ما كان يحلم به قبل انخراطه في العمل السياسي، وعبّر عنه من خلال كتابيه الأولين اللذين خصصهما لمسألة “الإرهاب”، وأدّعى فيهما بأنه هو من عرّف الإرهاب، ومنه اخذت الولايات المتحدة بطاقة تعريف الإرهاب إبّان توليه منصب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، وأيضاً من خلال كتابه الأخير “مكان تحت الشمس” أو “مكان بين الأمم”، الصادر عام 1993، وفيه تتجلى نرجسية نتنياهو بأبهى صورها، وهو القائل “برغم أنني لست جنرالاً، لكن هذا لن يمنعني بأن أكون في صفوف قادة إسرائيل العظماء، أمثال؛ ديفيد بن غوريون، غولدا مائير، موشي ديان وآرييل شارون”. وبالفعل، استطاع أن يُتوّج نفسه ملكاً على إسرائيل، سواء لجهة تبوئه المدة الأطول في منصب رئيس الوزراء، أي نحو عقدين، أو لجهة “إنجازاته” في الإقليم، لا سيما في ضوء “طوفان الأقصى”. هنا عن أي انجازات يتحدث نتنياهو؟

غزة.. صراع لا ينتهي

شهدت غزة أبشع إبادة إنسانية في التاريخ، من قتل وتهجير وتدمير وحصار وجوع، وخرق كل بنود القانون الدولي الإنساني، من دون أن تَتَحقق معظم الأهداف الإسرائيلية المعلنة وغير المعلنة، لا سيما لجهة تحرير الأسرى بالقوة والقضاء على حركة “حماس” عسكرياً وسياسياً ومدنياً، أو احتلال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه.

هذا ما دفع بحكومة اليمين المتطرف للقبول بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي وجد فيها نتنياهو ضالته، مستفيداً من ضبابية وغموض بنودها، وإمكانية تأويلها بما يخدم طموحه لجهة تحقيق ما يسميه “النصر المطلق”. وفي المقابل، رأت فيها حماس فرصة لوقف الإبادة والحرب والبقاء على أرض غزة. أما قضية السلاح، فإنها قضية صراعية في المدى القريب والمتوسط، وهذا ما تؤكده مراكز الأبحاث الإسرائيلية، على أساس أن السواد الأعظم من أهالي القطاع هم حمساويون أو يؤيدون حماس. وبالتالي، يُمكن الاستفادة من دخول آليات ومواد البناء لإعادة الإعمار، لترميم الأنفاق وتزويد مصانع الأسلحة بالمواد الأولية اللازمة، ناهيك عن أن قضية السلاح الفردي في المجتمع الفلسطيني لا يُمكن المس بها.

وتطرح خطة ترامب لقطاع غزة أسئلة حول تعمد اهمال الضفة الغربية وعدم الحديث بشكل واضح عن أي دور مستقبلي للسلطة الوطنية الفلسطينية.

“حزب الله”.. لم ينتهِ!

لبنان ايضاً، لم يصبح بعد على الصورة التي يشتهيها نتنياهو، برغم كم ونوع الضربات التي تلقاها “حزب الله”، من قتل قادته، من الأمين العام الشهيد السيد حسن نصرالله والشهيد السيد هاشم صفي الدين وقيادة الأركان، إلى آخر آمر بقعة في الجنوب، ما زال الحزب يحتفظ بقدر من القوة التي لا يسمح للكيان بالنوم على الحرير.

وبرغم المتغيرات التي حصلت على صعيد وضعية الحزب داخل الدولة اللبنانية، التي تجرأت حكومتها بنزع الشرعية عن سلاحه، ووضع الجيش اللبناني خطة لحصر السلاح بيد أجهزة الدولة، العسكرية والأمنية. ما زال الحزب يتمتع بشرعية شعبية وحاضنة واسعة تؤمن بأن سلاح المقاومة دونه الروح وكل ما تملك (أكثر من 96% من شيعة لبنان يؤيدون سلاح الحزب حسب “الدولية للمعلومات”)..

سوريا..  لا تؤتمن إسرائيلياً!

صحيح ان نظام بشار الأسد ذهب ولن يعود، لكن البديل اليوم لا يطمئن إسرائيل، فهو امتداد للفكر “القاعدي”، ويبدو أن تقسيم سوريا إلى دويلات كما تشتهي إسرائيل نقطة صراع مع دول الجوار السوري ومع الولايات المتحدة، في ظل قوة دفع من دول وازنة في الإقليم، تتقدمهم تركيا والسعودية، نحو قيام دولة سورية مركزية موحدة. أكثر من ذلك، ثمة من يرى في إسرائيل، أن سقوط سوريا ما هو إلا بداية لولادة محور سني جديد في وجه إسرائيل بقيادة تركيا!

اليمن حاضر دائماً!

الجبهة اليمنية، التي لم تتوقف طيلة الحرب على غزة، وكانت صاحبة الطلقة الأخيرة في استهداف عمق مدن الكيان، ولم تنفع معها الضربات الإسرائيلية التي أودت برئيس حكومتها وعدد من وزرائها، وقبلها الضربات الأميركية – البريطانية، إذ أطبقت حركة “أنصار الله” اليمنية حصاراً غير مسبوق على الملاحة البحرية في البحر الأحمر.. وما زال اليمن جبهة جاهزة لمناصرة المقاومة في أي معركة محتملة مع العدو.

“الحشد الشعبي” يصارع الموت!

لا شك أن فصائل المقاومة العراقية المنضوية تحت لواء “الحشد الشعبي”، تتعرض لضغوط داخلية وخارجية، لحلها ودمجها داخل القوى العسكرية العراقية الرسمية، لكن حتى كتابة هذه السطور، ما زال “الحشد الشعبي” محتفظاً بخصوصيته، وما زال قادرا بأن يشكل سنداً للمقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي، برغم أنه يصارع الموت نتيجة كم الضغوطات التي تدفع نحو تعديل القانون الخاص به تمهيداً لحله.

إقرأ على موقع 180  عبدالناصر، فخ يونيو.. وثقة الناس

واليوم، العراق على بعد شهر من الانتخابات النيابية، وملف “الحشد الشعبي” ليس بعيداً عن برامج الحملات الانتخابية، والتي بمعظمها مدعومة من الخارج. وتدفع نحو حل كل فصائل المقاومة بحجة قيام مؤسسات الدولة.

إيران.. جبهة ساخنة!

تمكنت إسرائيل والولايات المتحدة من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وقتل عدد من قادتها وعلمائها، وفقدت طهران نفوذها الاستراتيجي في سوريا، وتقلّص نفوذها في لبنان كما في فلسطين، لكن برغم ذلك ما يزال التهديد النووي الإيراني قائماً، وتبقى إيران جبهة ساخنة قياساً بالجبهات الأخرى. وأية محاولة جديدة لاستهداف الجمهورية الإسلامية، لن تعدو أكثر من جولة جديدة يتبادل فيها الطرفان الضربات، وقد تتلقى إسرائيل ضربات أقوى بكثير من حزيران/يونيو الماضي، حسمبا تتوعد القيادة العسكرية الإيرانية، إلا إذا كان المشروع الأميركي يقضي باسقاط النظام وهذا الأمر لا يبدو حتى الآن بمتناول الأميركيين.

في نهاية المطاف، نحن في مخاض تغيير الشرق الأوسط، لكن الصورة لم تكتمل بعد، ومازال هناك الكثير من مظاهر الشرق الأوسط القديم – ما قبل الطوفان، قائماً. ولم يُحسم بعد! ولا تبدو السنة العبرية الجديدة سنة سحق “محور المقاومة”، كما يطمح نتنياهو ويُعلن ذلك مراراً وتكراراً.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  ممر السلام الشرق أوسطي الجديد.. لا دولة فلسطينية!