القيادة السياسية التركية تقول إن تحريك القوات هو بهدف تطهير الشريط الحدودي الجنوبي من مجموعات “وحدات حماية الشعب” المحسوبة على “حزب العمال الكردستاني” وإنشاء المنطقة الآمنة التي أعلنت عنها منذ سنوات لتسهيل عودة مئات الآلاف من السوريين وقطع الطريق على أي مشروع انفصالي كردي يذكر بالحالة القائمة في كردستان العراق.
تركيا لا تتحرك منفردة في شرق الفرات، لكنها تنفذ العملية العسكرية لوحدها والفارق كبير هنا. صحيح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ردّد أن تركيا ستقطع حبل السرة بيدها عند الضرورة، لكن إدارة البيت الأبيض هي التي سحبت الجنود الأميركيين من نقاط حدودية سورية، معلنة شراكتها في ما يجري خصوصاً وأن الرئيس الأميركي يقول إنّ الخروج عن التفاهمات سيقود تركيا نحو الكارثة الاقتصادية.
القمة الثلاثية التركية الروسية الايرانية التي عقدت في أنقرة قبل أسابيع تعرف من ناحيتها الكثير حول خطة التحرك هذه ليس فقط بشقها المتعلق بتضييق الخناق على “وحدات الحماية ” وحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي ، بل بمهام ودور مشروع المنطقة الآمنة وفرص مساهمتها في دفع الملف السوري نحو الحلحلة.
بعض العواصم الأوروبية والاتحاد الأوروبي نفسه، يعرف الكثير من التفاصيل من خلال اللقاء الذي عقد قبل أسبوعين في العاصمة التركية بمشاركة المانية فرنسية والذي كنا نفترض انه اجتماع كلاسيكي تنسيقي في موضوع اللجوء فكشف لنا الرئيس دونالد ترامب على أن مركز الثقل فيه كان مسألة مصير الآلاف من مقاتلي داعش وتسليم الملف الى تركيا لتتابعه مع المجتمع الدولي.
هناك من فسر في تركيا تحرك دمشق نحو الأمم المتحدة بهدف التذكير بحقها في حماية وحدة الأرض واسترداد السيادة ورفض خطط المجموعات الانفصالية المدعومة أميركياً على أنه حلقة استكمالية لما يجري.
الترجمة الاولى كانت الرسالة التركية للقنصلية السورية في اسطنبول التي تبلغها بأهداف العملية العسكرية وانها ستكون في إطار القانون الدولي وخطوة لا بد منها لقطع الطريق على المشروع الانفصالي في شرق الفرات بعد تحطيم الجزء المتعلق منه في غربه.
قد لا يكون الكثير من اللاعبين الأساسيين في الملف السوري يدعمون التحرك العسكري التركي في شرق الفرات لكنهم اقتنعوا كما يبدو بالخطة التركية التي تتحدث عن ضرورة دفع الأمور نحو التسويات الكبرى والتي ستكون أبعد من تشكيل اللجنة الدستورية والرهان على دورها كخشبة خلاص في سوريا.
بيان قيادة الجيش التركي المعلن قبل أيام لا يتحدث عن عملية عسكرية ستجري في شرق الفرات بل عن شمال سوريا بأكمله وضد المجموعات الارهابية الواجب القضاء عليها في المناطق الحدودية التركية السورية.
انتصار كبير للدبلوماسية التركية في إقناع موسكو وطهران بنقل المواجهات الى شرق سوريا اولا لكن الدور سياتي حتما على النصرة في إدلب وبأسرع ما يكون وإلا فان الحجج التركية ستكون ضعيفة وغير مقنعة للكثيرين محليا وإقليمياً.
المشكلة التي تنتظرها أنقرة أيضا هي الرد على ما يحاول ان يروج له البعض واقناع السوريين قبل غيرهم أن لا مشروع نقل وإسكان على أساس عرقي في شمال سوريا وتحت غطاء المنطقة الامنة . تسهيل عودة اللاجئين إلى أرضهم شيء ومحاولة التلاعب بالتوازنات العرقية السكانية في سوريا شيء آخر، وهو بين المسائل الحساسة الكثيرة التي حذرت انقرة منها في أكثر من حرب عرقية أو دينية تخاض في المنطقة.
قلائل هم من يعرفون بالخطة العسكرية التركية ومسارها الميداني ربما لكنهم كثر الذين شاركوا في صناعة أهدافها السياسية. غير ذلك يعني تعريضنا للمضي وراء سيناريوهات أصعب تتجاوز ما يصفه البعض بسقوط تركيا في المصيدة التي ستتحول الى حرب استنزاف لن تبقى محصورة في الشمال السوري وحده، ومنها المفاجأة – الصدمة التي لا يريد ان يسمع بها أحد في تركيا مثل الاعلان عن تفاهمات اميركية روسية جديدة لانهاء تعقيدات المشهد.