بن زايد “يناكف” بايدن.. الأسد في الإمارات!

في خضم انشغال العالم بالحرب الروسية في أوكرانيا، فاجأت دولة الامارات العالم بإستقبالها بشار الاسد، أمس (الجمعة) في اول زيارة للرئيس السوري خارج بلاده – عدا ايران وروسيا – منذ اندلاع الأزمة السورية قبل 11 عاماً. زيارة مفاجئة لها ظروفها ودلالاتها، فلنحاول إستشرافها.

كان اللافت للإنتباه أن الإعلام الرئاسي السوري هو من بادر إلى تظهير الزيارة ليل الجمعة ـ السبت الماضي، قبل أن يضج بها الإعلام الإماراتي والعربي والعالمي. ولم تكد تمضي ساعات قليلة حتى بادرت وزارة الخارجية الأميركية إلى إصدار بيان أعربت فيه عن “خيبة أمل وانزعاج عميقين من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على بشار الأسد”، وأضاف البيان: “كما كرر وزير (الخارجية الأمريكي أنتوني) بلينكن، نحن لا ندعم جهود إعادة تأهيل الأسد؛ ولا ندعم تطبيع العلاقات مع الآخرين.. لقد كنا واضحين بشأن هذا مع شركائنا”.

هذا البيان الأميركي يطرح أول سؤال بديهي: هل يأتي قرار الإمارات باستقبال الرئيس الاسد في سياق ما يسمى نهج “التحدي” مع الرئيس الأميركي جو بايدن وادارته، وهذا نهج تتبعه الامارات تدريجياً منذ سقوط حليفها وشريكها مالياً الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وفوز بايدن وحزبه الديمقراطي بالانتخابات قبل اكثر من عام؟

حتماً تستجيب هذه الزيارة لمطلب روسي مزمن لطالما ردّده المسؤولون الروس على مسامع القيادة الإماراتية في السنوات الأخيرة. وما الزيارة التي قام بها وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد إلى دمشق في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلا خطوة في هذا الإتجاه حيث أعقبها حديث عن ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية قبل أن يتبين أن الأميركيين إعترضوا على هذا المسار، ما أدى إلى فرملته، من خلال أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط الذي لا يتحرك عادة إلا بالتنسيق الوثيق مع القيادة المصرية.

البعد الاقتصادي للزيارة يحمل في طياته محاولة اعادة سوريا الى موقعها العربي من باب شبكة مصالح اقتصادية في قطاعات الكهرباء والغاز بالتعاون مع مصر والاردن والعراق (وإسرائيل ضمناً من خلال مشروع جر غازها عبر الانبوب المصري إلى لبنان)

صحيح أنه في السياسة وعالم الدبلوماسية ليس هناك شيء إسمه “التحدي”، لكن طبعاً ثمة أبعاد شخصية كأن تكون هناك كيمياء أو لا تكون بين هذا المسؤول وذاك وهذه حال إدارة بادين مع كل من ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان وولي عهد الإمارات محمد بن زايد.

ومن المعروف أن الامارات هي بوابة ايران لخرق العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، ولكنها سايرت الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب في سياسته المعادية لطهران وربما ساهمت – بإلحاح سعودي – في الدفع بإتجاه الغاء الاتفاق النووي مع ايران عام 2018، لكن بعد مجيء بايدن شعرت أبو ظبي أن الادارة الاميركية الجديدة لن تكون متشددة تجاه طهران، فاخذت تسلك طرقا للتعامل مع ايران منها الهرولة لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب العدو الرئيسي لطهران، وفي الوقت نفسه، أجرت اتصالات مع طهران حين قام امين عام مجلس الامن الوطني الاماراتي الشيخ طحنون بن زايد بزيارة العاصمة الإيرانية قبل حوالي الستة اشهر، وبعدها بدأت مسيرة اعادة تطبيع علاقات الإمارات مع تركيا رجب طيب اردوغان الذي كان خصمها – ان لم نقل عدوها الاول بعد قطر – في المنطقة، فاستقبلت رئيس تركيا الشهر الماضي استقبالا حافلا ووقعت معه اكثر من 30 اتفاقية تعاون ومنها ضخ 10 مليار دولار استثمارات إماراتية في شرايين الإقتصاد التركي المريض في هذه الأيام.

وفي الوقت الذي كانت تندفع فيه ابو ظبي إلى تطبيع علاقاتها الى حد الغرام مع الكيان الإسرائيلي، قررت إعادة إستئناف علاقاتها مع دولة يفترض أنها ثاني أركان “محور الممانعة والمقاومة” ضد اسرائيل، فرأينا ـ كما أسلفنا الذكر ـ وزير خارجية الامارات يزور دمشق ويعيد فتح سفارة بلاده هناك في الوقت الذي كانت تفتتح فيه سفارة للعدو الاسرائيلي في ابو ظبي.

ويشي القرار الإماراتي بإستقبال الأسد (تم التمهيد لذلك بدعوة رسمية خلال الإتصال الذي جرى بين الرئيس السوري وولي عهد الإمارات في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2021) إلى أن أبو ظبي سلّمت بفشل الخيار العربي ـ الدولي القاضي بإسقاط نظام الأسد، وبالتالي صار من مصلحتها أن تحجز لنفسها مطرحاً حول الطاولة السورية في التوقيت الذي تعتقده الإمارات مناسباً.

وليس خافياً أن ثمة تفاهمات تنعقد في المنطقة تبدو الإمارات في صلبها وتأتي الزيارة في سياقها.. والأهم على عتبة ولادة اتفاق نووي سيُحرر ايران مالياً الى حد بعيد، إذا لم يطرأ أمر في اللحظات الأخيرة يُمكن أن يؤدي إلى عرقلة إبرام الإتفاق.

واذا كان منسوب علاقات الامارات مع واشنطن في عهد بايدن قد تراجع عما كان عليه في عهد ترامب الى درجة الفتور، الا ان هذا لم يمنع الولايات المتحدة من المسارعة الى تأكيد حمايتها للامارات ضد اي خطر خارجي بعد ان تعرضت أبو ظبي الى ضربات صاروخية حوثية موجعة قبل عدة أسابيع، وقامت بتزويد الامارات بنظام دفاعي ضد الصواريخ والطائرات المُسيرة وأرسلت في شهر شباط/ فبراير الماضي طائرات مقاتلة للغاية نفسها.

إقرأ على موقع 180  حرب غزة وما بعدها.. السيناريوات الإسرائيلية

وبرغم ذلك، وقّعت الامارات عقداً مع فرنسا بقيمة 14 مليار يورو لشراء 80 طائرة رافال عسكرية فرنسية، واعلنت قبل شهر أنها بصدد شراء 12 طائرة عسكرية صينية من طراز L15 مع خيار شراء 36 طائرة اخرى. هذه الصفقات المتتالية بدت وكأنها تأتي رداً على الغاء ادارة بايدن صفقة بيع الامارات طائرات من طراز اف35 العسكرية المتطورة، قبل أن تعيد واشنطن تأكيد إلتزامها الشفهي.. بالصفقة.

يشي القرار الإماراتي بإستقبال الأسد إلى أن أبو ظبي سلّمت بفشل الخيار العربي ـ الدولي القاضي بإسقاط نظام الأسد، وبالتالي صار من مصلحتها أن تحجز لنفسها مطرحاً حول الطاولة السورية في التوقيت الذي تعتقده الإمارات مناسباً

رُبّ قائل أن الامارات وجدت في الحرب الروسية في اوكرانيا فرصة لتوسيع هوامشها مع إدارة بايدن فرفضت مسايرتها باتخاذ موقف مؤيد لواشنطن في فرض عقوبات ضد روسيا كما رفضت زيادة حجم انتاجها من البترول لمساعدة الدول الاوروبية في التخلي تدريجياً عن النفط الروسي.. ولعل الشيء الاهم هو ان الامارات فتحت ابوابها لتصبح ملاذا للاثرياء الروس الذين فرضت واشنطن والدول الغربية العقوبات عليهم، وارسلت ابو ظبي وزير خارجيتها الى موسكو للاجتماع بنظيره الروسي سيرغي لافروف الذي اشاد بموقف الامارات “المتوازن” من ازمة اوكرانيا.

في هذا السياق، قررت الامارات إستقبال الرئيس بشار الاسد الذي تفرض واشنطن عليه وعلى نظام حكمه اشد العقوبات الاقتصادية والسياسية والتي تماثل تلك العقوبات المفروضة على روسيا حالياً وقبلها على ايران وكوريا الشمالية.

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف للامارات أن تغامر بسلوك نهج “التحدي” مع الولايات المتحدة التي تحمي الامارات ولها 2000 عسكري اميركي في قاعدة الظفرة الجوية في ابو ظبي، ناهيك عن مرتزقة شركة بلاك ووتر الاميركية الذين يحمون مياهها البحرية وأراضيها؟

هل لأن ابو ظبي ترى ان ادارة بايدن ضعيفة وربما الأضعف في تاريخ الإدارات الأميركية المتعاقبة أم لأنها اصبحت ترى ان علاقاتها باسرائيل يمكن أن توفر لها مظلة حماية من جهة وتقيها الغضب الأميركي من جهة ثانية؟

ربما قلة من الناس في العالم العربي تُدرك حجم منظومة المصالح المالية والإقتصادية التي تربط مسؤولين اماراتيين بمتمولين سوريين محسوبين على أهل النظام كان أحدهم سابقاً رامي مخلوف. والملاحظ في هذا الصدد ان الخبر عن اجتماع الاسد بنائب رئيس الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد اشار الى أن المحادثات تناولت آفاق توسيع دائرة التعاون الثنائي لا سيما على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والتجاري. وهذا البعد الاقتصادي يحمل في طياته محاولة اعادة سوريا الى موقعها العربي من باب شبكة مصالح اقتصادية في قطاعات الكهرباء والغاز بالتعاون مع مصر والاردن والعراق (وإسرائيل ضمناً من خلال مشروع جر غازها عبر الانبوب المصري إلى لبنان).

وثمة سؤال يتجدد دائماً: هل نحن أمام مقاربة إماراتية هادفة إلى إبعاد الأسد عن ايران التي حمت نظامه وما تزال؟ ام تريد الامارات ان تكون دمشق جسرا لعلاقات افضل مع طهران؟ وهل يريد الشيخ محمد بن زايد ان يجر سوريا “الممانعة” الى التطبيع مع اسرائيل كما فعل هو، وهو الأمر الذي حدثني عنه مصدر اماراتي مسؤول في ابو ظبي قبل نحو عام.

المفارقة الأخيرة اللافتة للإنتباه أن من حضروا الإجتماعين مع الرئيس بشار الاسد في كل من دبي وأبو ظبي هم ثلاثة من قادة الامن الوطني الاماراتي.

Print Friendly, PDF & Email
سليمان نمر

كاتب عربي متخصص بالشؤون الخليجية

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الهند أو بلاد "البهارات".. هل تُغيّر إسمها؟