العراق 2025.. انتخابات واعدة وتحديات صعبة

مع إعلان النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يواجه العراق مرحلة انتقالية حاسمة، حيث سُجِّلت نسبة مشاركة قياسية بلغت 56 بالمئة برغم مقاطعة التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، مما يعكس تعزيزاً نسبياً للثقة في العملية الانتخابية بكل أبعادها. ومع ذلك، تبرز تحديات متعددة الأبعاد على المستويات السياسية، الاقتصادية، والأمنية، في المرحلة المقبلة، إذ أن العملية الانتخابية لم تكتمل بعد وهي تنتظر خطوات انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب وتشكيل الكتلة الأكبر لانتخاب الرئاسات الثلاث، في ظل الخارطة السياسية الجديدة للبرلمان العراقي.

نجح العراق والعراقيون في امتحان الديموقراطية. لا بل حقّقوا إنجازاً مهماً بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها الدستوري، كما نجحوا في تمرير العملية الانتخابية بانسيابية واضحة، ما يعني نضوجاً متراكماً في العملية السياسية، وهذه نقطة تُسجّل للكفاءات العراقية، خصوصاً وأن العراق حديث العهد بالممارسات الديموقراطية بعد سقوط مرحلة الاستبداد والديكتاتورية في نيسان/أبريل 2003. إضافة إلى النسبة المرتفعة للمشاركين قياساً بالدورة السابقة، برغم دعوات المقاطعة التي التزمت بها بعض الأطراف السياسية.

واستناداً إلى ذلك، تبرز تحديات عديدة أمام العملية الانتخابية التي لم تكتمل بعد:

أولاً؛ التحالفات وانتخاب الرئاسات الثلاث:
في ضوء النتائج التي أعلنتها الهيئة العامة للانتخابات، لا يملك أي ائتلاف أغلبية مطلقة (165 مقعداً من أصل 329 مقعداً)، مما يفتح الباب أمام مفاوضات طويلة ومعقدة بين ائتلاف “الإعمار والتنمية” الذي يتزعمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد شياع السوداني الذي حاز على 45 مقعداً، و”دولة القانون” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي حاز على 30 مقعداً، والحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود برزاني وحاز على 27 مقعداً، وحزب “تقدم” الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي وفاز بـ27 مقعداً، و”حركة صادقون” التي يتزعمها قيس الخزعلي وحازت على 26 مقعداً، و”منظمة بدر” التي يتزعمها هادي العامري وحازت على 19 مقعداً، و”قوى الدولة الوطنية” بزعامة عمار الحكيم التي فازت بـ18 مقعداً، و”الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي يتزعمه بافل طالباني وحاز على 18 مقعداً، إضافة إلى عدد من التحالفات الأخرى التي حصلت على مقاعد أقل لكنها مهمة في تشكيل الكتلة النيابية الأكبر التي تُرشّح رئيس الوزراء الجديد. وكما حصل في محطات سابقة، فإن تشكيل الكتلة الأكبر محكوم بتوازنات سياسية وطائفية وقومية ستجعل الاتفاق صعباً، وبخاصة مع مقاطعة التيار الصدري والتنافس داخل هذه المكونات. وعلى الرغم من أن القانون العراقي لم ينص على طائفية الرئاسات الثلاث، فإن العرف السياسي ساد على هذا التوزيع الطائفي–القومي في إطار قاعدة “التوافق السياسي” التي التزم بها الجميع.

وبعيداً عن الأسماء والمسميات، فإن مرحلة تشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان الجديد لا تقلّ أهمية عن بقية خطوات العملية الانتخابية، كما أن اختيار المرشح لرئاسة الوزراء أيضاً استحقاق صعب في ضوء المنافسة الحاصلة داخل المشهد السياسي.

ثانياً؛ التأثيرات الخارجية والتوازن الإقليمي:
يعاني العراق من تدخلات خارجية منذ الإطاحة بالنظام السابق، ولا يزال محكوماً بهذه التدخلات لأسباب متعددة، منها سياسية وأخرى أمنية وثالثة مذهبية، حيث عملت بعض الجهات على جعل العراق ساحة للمنافسة وتصفية الحسابات، في الوقت الذي دأبت فيه الحكومات المتلاحقة على إبعاد العراق عن هذه التدخلات والمحاور الإقليمية، وقد نجحت في بعض الأحيان ولم تنجح في أخرى.

إضافة إلى ذلك، تأثر العراق بالتطورات والتوازنات الإقليمية بشكل كبير، مثل التطورات التي حصلت في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن وإيران، الأمر الذي انعكس على الوضع العراقي، فيما تنتظر العراق استحقاقات جديدة، لأن حركة الرمال الساخنة في الشرق الأوسط لن تتوقف، وهي تنتظر المزيد من التطورات على خلفية “الشرق الأوسط الجديد” الذي يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المقاسات الإسرائيلية والتطلع الفج لـ”إسرائيل الكبرى” كما جاهر علناً أكثر من مرة في السنتين الماضيتين.

ثالثاً؛ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المزمنة:
يواجه العراق أزمات هيكلية مثل نقص المياه، وتغير المناخ، وانتشار الفساد الذي أصبح ظاهرة ترهق المواطنين في ظل غياب برامج وخطط واضحة لإعادة الهيكلة الاقتصادية ووضع برامج رقابية للحد من ظاهرة الفساد المستشرية في مختلف المؤسسات والإدارات والأجهزة، وهي أزمات قد تثير احتجاجات جديدة إذا لم تُعالج على يد الحكومة الجديدة.

رابعاً؛ الأمن والاستقرار الداخلي:
برغم نجاح الإجراءات الأمنية أثناء الانتخابات، وسريان واضح وملموس للأمن والاستقرار، يظل انتشار السلاح غير الشرعي والتهديدات من بقايا تنظيم “داعش” تحدياً رئيسياً، حيث تقف أمام البرلمان مسؤولية سنّ قوانين لحصر السلاح بيد الدولة ودعم الجيش للقيام بمسؤولياته في كافة المناطق العراقية.

خامساً؛ المقاطعة وتغليب الهويات الطائفية:
ما يدعو للأسف هو ظهور ممارسات خطيرة رافقت المنافسة الانتخابية، حيث لعبت أوساط معينة دوراً كبيراً في التأثير على ثقة المواطنين، وزادت فيه المنافسات الطائفية التي لم تُحرّك الشارع بقدر ما تنبئ بأجواء طائفية لا تخدم العراق ولا وحدته ولا مستقبله.

إن مقاطعة بعض الجهات السياسية للانتخابات تعكس حالة عدم ثقة بالنظام السياسي، مما يُقلّل من الشرعية الشعبية للحكومة الجديدة. زدْ على ذلك أن الانتخابات شهدت سيطرة الهويات الطائفية والفرعية على ما عداها بحيث غاب الخطاب السياسي الوطني الموحد لمصلحة خطاب المكونات الطائفية والمذهبية الفئوي، وهو أمر من شأنه أن يؤثر سلباً على مسيرة الإصلاح الديموقراطي ويحبط آمال الجيل العراقي الجديد بالانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة.

إقرأ على موقع 180  هل أنهى ترامب ست حروب بالفعل؟

هذه التحديات تتطلب حواراً وطنياً شاملاً، مع التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والإجتماعية والأمنية لتحقيق الاستقرار العراقي طويل الأمد، وهو ما يشير إلى حاجة ماسة لتوافق سياسي يتجاوز الطائفية.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  فائض القوة الخليجي في ظلال "السلام الأمريكي"!