المرحلة الانتقالية بغزة يُحدّدها قرار مجلس الأمن.. كوسوفو نموذجاً

قاربت المرحلة الأولى في قطاع غزة على الانتهاء، وهى أسهل المراحل، وذلك بالرغم من كل العراقيل التى استخدمتها إسرائيل، وبالرغم من الخروقات الكثيرة التى ارتكبتها. وباتت المرحلة الثانية، وهى الأصعب، على الأبواب، وهى الأصعب لأسباب كثيرة، لعل أهمها نزع سلاح حماس وتدمير الأنفاق وضمان عدم عودة حماس لتشكيل تهديد للاحتلال الإسرائيلى.

طفت على السطح مؤخرًا مشكلة عناصر حركة حماس المحتمين بالأنفاق فى منطقة رفح التى تسيطر عليها إسرائيل، ويتراوح عددهم بين 150 و200 مقاتلاً. وتكمن أهمية هذا الموضوع فى أنه يمثل أول تعامل فى موضوع نزع سلاح حماس.
ومن الواضح أن هناك خلافًا بين أمريكا وإسرائيل حول الموضوع؛ فبينما يصر بنيامين نتنياهو – وتحت ضغوط العناصر الأكثر تطرفًا فى حكومته – على استسلام عناصر حماس وتسليم أسلحتهم إلى الجيش الإسرائيلى ونقلهم إلى إسرائيل لمحاكمتهم، وأنه ليس أمامهم خيار سوى الاستسلام أو القتل، فإن حماس أعلنت أن الاستسلام ليس من مفردات قاموسها.

لذا رأت الولايات المتحدة أن مثل هذه المواقف المتطرفة لن تقود إلا إلى هدم خطة السلام من أساسها، بل إن الولايات المتحدة ترى أن نموذج رفح – إذا أُحسن التعامل معه – سيكون نموذجًا جيدًا يفتح الباب لحل مشكلة سلاح حماس بطريقة سلسة.
ولذا أرسل ترامب صهره جاريد كوشنر باقتراح خروج أفراد حماس من أنفاق رفح وتسليم سلاحهم ونقلهم إمّا إلى خارج القطاع (قطر مثلًا) أو إلى الجزء غير الخاضع لإسرائيل من القطاع.. وبالرغم من أن التقارير الإعلامية تشير إلى رفض نتنياهو للخطة الأمريكية، إلا أننى أتوقع أن يرضخ فى النهاية لضغوط ترامب لأن هذا الموضوع يشكل حجر الزاوية فى خطته، التى هو فى حاجة ماسة إلى نجاحها بعد أن فشل فى أوكرانيا.

***

لذا يمضى ترامب قدمًا فى إعداد الشروط اللازمة لنجاح خطته في غزة، وقد استجاب لمطالب الدول المرشحة للمشاركة فى قوات حفظ الاستقرار، حيث أعربت عن عدم قدرتها على المشاركة إلا بتصريح من الأمم المتحدة. لذلك تقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار لمجلس الأمن يتضمن – ضمن أمور أخرى – «التصريح للدول الراغبة فى المشاركة فى قوة الاستقرار الدولية International Stabilization Force (ISF) فى الانضمام للقوة تحت قيادة مجلس السلام الذى سيدير غزة فى المرحلة الانتقالية، وذلك بالتشاور والتعاون مع كل من مصر وإسرائيل، وأن تكون مهمة هذه القوة الـISF:

• تأمين مناطق الحدود.
• ضمان عملية نزع سلاح قطاع غزة.
• تدمير البنية الأساسية «للإرهاب» والأعمال العدائية، وضمان عدم إعادة بنائها.
• نزع السلاح من أفراد الجماعات المسلحة.
• توفير الحماية للمدنيين ولعمليات المساعدة الإنسانية.
• التعاون مع الدول المعنية لضمان إنشاء ممرات آمنة.
• تدريب ومساعدة قوات الشرطة الفلسطينية فى أداء مهامها.
• معاونة مجلس السلام فى مراقبة وقف إطلاق النار.

وهكذا ترى أن مهام هذه القوات تُخرجها من صفة حفظ السلام، وتقرّبها إلى طبيعة القوات المقاتلة، حتى إن الاسم تجنّب وصفها بأنها قوات حفظ سلام، وذلك بالرغم من أن القرار لم يصدر بناءً على الفصل السابع من الميثاق الذى يخول مجلس الأمن إنشاء قوات لفرض إعادة السلام، أى قوات مقاتلة. وهنا تبرز أهمية موضوع نزع سلاح حماس دون الاضطرار لمواجهة عسكرية معها لا تريدها الولايات المتحدة ولا الدول المشاركة فى القوات، ولا يريدها أحد سوى نتنياهو وحكومته المتطرفة.

ومن هنا جاء اهتمام الولايات المتحدة بتوفير الخروج الآمن لعناصر حماس المحاصرين فى الأنفاق فى رفح حتى يكون نموذجًا صالحًا للتطبيق فى عملية نزع السلاح.

***

وقد عنّ لى أن أعقد مقارنة بين مشروع قرار غزة في مجلس الأمن وبين القرار الدولي الخاص بكوسوفو الصادر فى 10 يونيو/حزيران 1999، وذلك للتشابه بين المنطقتين. وأول ما يتبين من المقارنة أن المشروع الأمريكى الخاص بغزة قد جعل ترامب يُراعي تحفظات نتنياهو، وأهمها عدم الانسحاب الفورى لإسرائيل – على عكس قرار كوسوفو الذى نصّ صراحة على انسحاب جميع القوات اليوجوسلافية من كوسوفو بشكل يمكن التحقق منه Verifiable، بالرغم من أن كوسوفو كانت جزءًا من الجمهورية اليوجوسلافية فى ذلك الوقت.
كما راعى مشروع القرار في غزة توجهات حكومة اليمين المتطرف، فقام بوصف حماس بالإرهاب، على عكس قرار كوسوفو الذى وصف جيش تحرير كوسوفو (KLA) بأنه جماعة مسلحة. وفوق كل ذلك، فإن قرار الأمم المتحدة الخاص بكوسوفو أوكل مسئولية الفترة الانتقالية كلها للأمم المتحدة.

وبالنسبة لكوسوفو، فقد كانت الإدارة المدنية والقوات الدولية كلها خاضعة للأمم المتحدة، بينما فى غزة فلا توجد حتى ضوابط واضحة تحكم عمل قوات الاستقرار (ISF) فى غزة ولا مجلس السلام وسائر مؤسسات المرحلة الانتقالية، وإن كان الإعلام يشير إلى قبول الولايات المتحدة إدخال تعديل على المشروع يوضح أن هذه المؤسسات ستعمل وفقًا لمبادئ القانون الدولى ذات الصلة، وإن كنا لم نر الصياغة الرسمية لهذا التعديل.

وهناك ملاحظة أخرى تتعلق بالحكم الذاتى؛ فبينما نص قرار كوسوفو على أن من أهم واجبات الإدارة المدنية المؤقتة هو المساعدة فى إقامة حكم ذاتى شامل Substantial فى كوسوفو على أسس ديموقراطية، نجد أن مشروع غزة لا يتضمن أى إشارة إلى الحكم الذاتى، اللهم إلا الإشارة إلى لجنة التكنوقراط غير السياسية التى ستُشكَّل من خبراء فلسطينيين، والتى ستتولى العمليات اليومية للإشراف على الخدمة المدنية day-to-day operations، بالإضافة إلى الإشارة التى وردت فى خطة ترامب للسلام ذات العشرين نقطة، والتى يتضمن مشروع القرار نصًا باعتمادها، وتشير إلى أن «الفترة الانتقالية ستستمر حتى تكمل السلطة الفلسطينية برنامج إصلاحها وتصبح قادرة على إدارة غزة بكفاءة».

إقرأ على موقع 180  يسوع المسيح إحضر حالاً..!(*)

وهى صياغة فضفاضة جدًا، فكما يعلم الجميع فإن السلطة الفلسطينية لم تتمكن حتى الآن، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على أوسلو، من فرض سيطرتها على الضفة الغربية أو ممارسة أى اختصاصات ذات معنى نظرًا لاستمرار الاحتلال وتغوّل الوجود الاستيطانى وازدياد عدوانيته.
كما ينص قرار كوسوفو بوضوح على أن من مهام الإدارة المؤقتة تسهيل إجراء عملية سياسية لتحديد وضع كوسوفو فى المستقبل، بينما يخلو مشروع قرار غزة من أى إشارة إلى مستقبل الحكم فى القطاع، ولم يتضمن نصًا حاسمًا على وجوب انسحاب قوات الاحتلال من غزة، على عكس قرار كوسوفو.
أتمنى أن تحاول مجموعة الدول العربية والإسلامية والدول الأخرى المؤيدة للحق الفلسطينى الاستفادة من قرار كوسوفو لمعالجة أوجه الضعف فى مشروع قرار غزة.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
سيد قاسم المصري

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  أمريكا إلى "النموذج الإيرلندي" أم.. الحرب الأهلية؟