برغم ان بعض نماذج النظام العربي الرسمي (مثل السعودية والامارات ) أصحاب مصلحة في سقوط العهد الحالي ورئيسه العماد ميشال عون، أقله ربطا بطبيعة تحالفه مع حزب الله، الا ان الملاحظ ان أية دولة عربية لم تعلن موقفا، حتى الآن، من التظاهرات الشعبية التي تجتاح لبنان بمدنه وقراه ومناطقه وساحاته كافة، منذ يوم الخميس الماضي.
وبرغم حالة الإرباك والخوف والذعر التي أحدثتها هذه المظاهرات عند اركان الحكم الطائفي اللبناني والقوى السياسية لا سيما تلك التي تصنف من ضمن مكونات السلطة السياسية في لبنان، الا ان النظام العربي الرسمي يكتفي – حتى الان – بالمتابعة الاعلامية لما يجري، نائيا بنفسه عن أية صياغة سياسية او حتى تدخل سياسي، تؤثر سلبا أم إيجابا على مشهد تحول في الساعات الأخيرة الى ثورة شعبية حقيقية غير مسبوقة في تاريخ لبنان (اللهم إلا اذا لم تتدخل القوى السياسية المهيمنة على الحكم وتجهض هذه الثورة في مهدها)
ومن المؤكد ان النظام العربي الرسمي يكره اي تغيير في اي من الأنظمة العربية عبر الشعب او الثورات الشعبية. نعم هو يقبل تغيير وجوه اهل الحكم والحكومات ويقبل بتحقيق الاصلاحات التي تجهض اية ثورة شعبية ولكن هذا النظام لا يقبل أي تغيير ذي طابع “ثوري شعبي”، ومن هنا برر تدخله للانقلاب على ثورة 25 يناير في مصر .
وجرت العادة ان تتدخل الاطراف “المتخاصمة” في النظام العربي الرسمي في أي ثورات او احداث تهدد باسقاط حكومة او رئيس نظام من انظمته الرسمية، بدليل ما حدث في السودان مؤخرا ،حين حاول الطرفان المتنازعان في النظام العربي الرسمي (السعودية والامارات من ناحية، وقطر من ناحية ثانية) محاولة تجاذب قوى الثورة الشعبية السودانية، فعملت الامارات، وبشكل اقل السعودية، من أجل استقطاب المجلس العسكري الانتقالي ودفعه لتجيير الاطاحة بالرئيس عمر البشير لمصلحته، في حين حاولت قطر دعم قوى الاسلام السياسي في السودان حتى يكون لها الدور الاكبر في الثورة الشعبية السودانية، على غرار ما حاولت أن تفعل القيادة القطرية في ساحات عربية أخرى.
النظام الرسمي العربي لا يستطيع التدخل من أجل فرض أن تغيير معادلات سياسية وتوازنات طائفية أو مذهبية في النظام اللبناني مهما كان لهذا النظام العربي من حضور عبر قوى سياسية وازنة أو مؤيدة له في لبنان
ولكن الشعب وقوى الثورة والتغيير في السودان تنبهت الى ذلك وافشلت الانقلاب مثلما افشلت محاولة سرقة الثورة اسلاميا، فنجحت ثورة الشعب السوداني في إحداث تغيير سياسي (وليس إستبدال عسكر بعسكر).
وفي لبنان، وأنا أزوره حاليا، بدا لي أن الوضع مختلف كليا، وهو اكثر تعقيدا مما يعتقد البعض، فالنظام الرسمي العربي لا يستطيع التدخل من أجل فرض أن تغيير معادلات سياسية وتوازنات طائفية أو مذهبية في النظام اللبناني مهما كان لهذا النظام العربي من حضور عبر قوى سياسية وازنة أو مؤيدة له في لبنان.
وبإستثناء التغطية التلفزيونية وبعض المواقف المؤيدة لهذا الطرف او ذاك في فضائيات عربية، مثل “العربية” و “سكاي نيوز عربية”، لم يعلن أي نظام عربي موقفه مما يجري سواء بتاييد الحكم في لبنان او بالتعبير عن “القلق” لما يجري، وهذا يشير الى ان النظام العربي اما هو مرتبك ولا يعرف كيف يحدد موقفه أو يتدخل سياسيا، او انه ما يزال يراقب تطورات الاوضاع ونتائج ما تحاول قوى الحكم القيام به من أجل اجهاض الثورة ولو بتحقيق بعض الاصلاحات التي لا يبدو أنها ستقنع هذه الجمهور اللبناني الغاضب على حكامه.
ومن المفيد التوقف عند ظاهرة التظاهرات التي تشهدها دول في القارتين الأوروبية والأميركية دعما للمتظاهرين في ساحات وميادين لبنان، فيما غابت أية مظاهر تضامن حقيقية من قبل الجاليات اللبنانية في معظم الدول العربية.
(*) كاتب عربي متخصص في الشؤون الخليجية