أميركا وإيران.. دقّت ساعة القرارات الصعبة

بدأت يوم السبت في ١٢ نيسان/أبريل ٢٠٢٥ محادثات أميركية إيرانية في مسقط عاصمة سلطنة عمان بعد أكثر من أربعة عقود من العداء تخلّلتها "استراحة محارب" ما بين ٢٠١٥، تاريخ توقيع الاتفاق النووي المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" و٢٠١٨، تاريخ انسحاب دونالد ترامب من هذا الاتفاق وإعادة العقوبات على إيران.

تشخص أنظار العالم إلى نتائج الجولات المقبلة بين إيران والولايات المتحدة في ظل حرص متبادل على إشاعة أجواء إيجابية للقاء الأول غير المباشر الذي انتهى بلقاء “عالواقف” بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف بحضور وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي.

يتوقف على نتائج هذه المحادثات إما إبرام تسوية بين الفريقين تنعكس إيجاباً على منطقة الشرق الأوسط فتُزيل مناخ الحروب وإما وقوع صدام مسلح ينخرط فيه العديد من الأطراف تتجدّد معه أجواء الحرب في المنطقة إلى أجل غير مسمى.

أولاً؛ وجهات نظر الفريقين:

أ- فريق أميركا وإسرائيل:

يمكن جمع هذا الفريق أو تجزئته ولو أنه يُجمع على أن إيران في وضع ضعيف بعدما ضربت إسرائيل حليفها حزب الله في لبنان وقتلت أمينه العام الشهيد السيد حسن نصرالله، الشخصية الكاريزمية اللبنانية والعربية والإسلامية وعدداً من قيادات الحزب كما دمّرت قسماً كبيراً من مقدرات الحزب “بلغت ٧٠٪؜”، حسب بعض القادة الإسرائيليين.

كما وجّهت إسرائيل ضربة كبيرة لحركة حماس في غزة وقتلت رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في قلب طهران وخلفه يحيي السنوار في غزة وأكثر من واحد وخمسين ألفاً وجرحت نحو مائتي ألف واحتلت القطاع بكامله، وجعلته منطقة غير قابلة للحياة.

في جانب آخر، وبعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية لليمن وخصوصاً ميناء الحديدة، أمر الرئيس الأميركي بتوجيه ضربات صاروخية وجوية لليمن شملت معظم محافظات الشمال وأدت إلى تدمير منشآت حيوية ووقوع خسائر بشرية ومادية. كانت ذريعة الولايات المتحدة هي ارغام القيادة اليمنية الشمالية على تأمين ما أسمته “حرية الملاحة” في باب المندب بعد أن أعلنت القيادة اليمنية في صنعاء عن منع السفن الإسرائيلية والأميركية والبريطانية من عبور مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن.

كما قصفت إسرائيل إيران مرتين ودمّرت قسماً من وسائل الدفاع الجوي وتحديداً صواريخ من طراز “إس ٣٠٠” الروسية الصنع.

وخرجت إيران كلياً من سوريا بعد خسارة حليف استراتيجي هو نظام آل الأسد الذي وفّر لها مظلة ومنحها قواعد عسكرية على الأرض السورية وممراً استراتيجياً للسلاح من طهران إلى بيروت.

ب- فريق إيران:

يرى هذا الفريق أن وضع إيران ما يزال قوياً وأنها ما زالت تحتفظ بقوتها برغم القصف الإسرائيلي الذي استهدف دفاعاتها الجوية الحيوية. وأعلنت مراراً أنها تمتلك منظومات صاروخية فرط صوتية ومؤخراً منظومة صاروخية ضد السفن وعشرات مخابئ الصواريخ في جميع أنحاء إيران، كما أنها ما زالت تحتفظ بشبكة دفاع جوي إيرانية الصنع من نوع “خورداد”.

يرى هذا الفريق أن إسرائيل تمكنت من اغتيال السيد نصرالله إلا أنها فشلت بعد حرب دامت ٦٦ يوماً تخللها هجوم بري من دخول منطقة جنوب الليطاني واحتلالها.

كما استمر حزب الله بقصف تل أبيب لغاية ٢٤ تشرين الثاني/نوفمبر، أي قبل وقف اطلاق النار بثلاثة أيام. وإذا كان حزب الله قد خسر، حسب تقدير إسرائيل، ٧٠٪؜ من امكاناته فهذا يعني أنه يحتفظ بنحو ٤٥ ألف صاروخ إذا افترضنا أنه كان يمتلك ١٥٠ ألف صاروخ قبل الحرب، حسب شهادات إسرائيلية وغربية.

أما حركة حماس فصحيح أنها تلقت ضربة قوية وقتل قسم كبير من قادتها لكنها ما تزال تحتفظ بقدرة عسكرية تحت الأرض وما زالت تُخبئ نحو خمسين اسيراً في أمكنة تعجز إسرائيل واستخبارات حلفائها عن كشفها وما زالت ورقة الأسرى قوية وفاعلة في الداخل الإسرائيلي.

بالنسبة لليمن صحيح أنه تعرّض لقصف جوي إسرائيلي ثم أميركي مدمر لكنه بقي قادراً على وقف الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن ولم يتمكن الإسرائيليون والأميركيون من توفير ما أسموها “حرية الملاحة” في تلك المنطقة.

ثانياً؛ المحصلة العامة للتوازن:

تعتبر إيران أنها ومحورها خسروا في الحرب الأخيرة قادة وأراضٍ في غزة ودولة في سوريا وتدمير منشآت في اليمن.. وقادة وتوازن ردع في لبنان، لكنها لم تنهزم.

كما تعتبر أن الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهما ربحوا في غزة ولبنان وسوريا لكنهم لم ينتصروا ولذلك لم تذعن إيران ولا حماس ولا حزب الله ولا أنصار الله في اليمن لمحاولات املاء الحلول بصيغة المنتصر من قبل إسرائيل والولايات المتحدة ولو أنها اعلنت استعدادها للتفاوض.

ويمكن اعتبار اجتماع مندوب عن الولايات المتحدة بمندوب عن حركة حماس في قطر إقراراً أميركياً أنه لم يتحقق نصر أميركي ـ إسرائيلي كامل ولا هزيمة كاملة لإيران وحلفائها.

ثالثاً؛ خيارات ترامب:

أ- ترامب العائد إلى البيت الأبيض والذي يُسيطر حزبه على مجلسي الكونغرس يشعر بفائض قوة للانطلاق في معركته لتطويع خصمه الرئيسي الصين ولهذه الغاية باشر حربه التجارية ورفع التعريفات الجمركية وهو ما يزال في مخاض تسوية الحرب الأوكرانية الروسية، ويحاول التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط في وقت قريب لا يتعدى الشهرين لأن معركته مع الصين ومع حلفائه الأوروبيين والآسيويين تتطلب جهداً ووقتاً.

إقرأ على موقع 180  "هآرتس": إسرائيل تهرب من الضفة.. والضفة تلاحقها!

ب- يبرز أمام ترامب احتمال اجراء تسوية تاريخية مع إيران تشمل الملف النووي والدور الاقليمي والترسانة الصاروخية وترتيب وضع منطقة غرب آسيا. ذلك هو هدف المفاوضات التي انطلقت في مسقط، لكن أي تسوية مع إيران لن ترضي إسرائيل التي تنظر إلى إيران كتهديد استراتيجي ولا حلفاء أميركا في الخليج الذين يتمنون عدم وجود هذا النظام وتهديداته، برغم أنهم لا يُجاهرون بموقفهم، كما تفعل إسرائيل.

هل يأخد ترامب بالاعتبار وجهات نظر حلفائه في إسرائيل والخليج وربما في تركيا ويتشدد في المفاوضات ويضغط على إيران بشروط لا تناسبها ما يؤدي إلى إعلان فشل المفاوضات والانتقال إلى الحل العسكري؟

رابعاً؛ السيناريو العسكري المحتمل:

أ- سيناريو الهجوم الأميركي الإسرائيلي:

يتردد الحديث عن ضربة جوية أميركية إسرائيلية لمنشآت عسكرية ونووية واستراتيجية في إيران ويتطلب ذلك تحريك أكثر من ٣٠٠ طائرة بما فيها القاذفات الثقيلة B2. يمكن أن تُحدث هذه الضربة دماراً وأضراراً، لكن يبقى الغموض محيطاً بمسألة قدرة إيران على الرد على القواعد الأميركية في المنطقة والسفن في المحيط الهندي والبحر الأحمر، وكذلك الرد على إسرائيل، وعلى بعض حلفاء الولايات المتحدة وهي ست دول سبق أن هدّدتها في بيان رسمي هي الإمارات والعراق وتركيا والكويت وقطر والبحرين وجميعها تأوي قواعد أميركية يُمكن أن تشارك في الضربة المذكورة.

مشكلة هذا السيناريو أنه قد يُطيل أمد المواجهة ويؤدي إلى هزات ارتدادية تُقوّض استقرار المنطقة والعالم وينشأ عنه أزمة طاقة وارتفاع سعر النفط، الأمر الذي سيرتد سلباً على المستهلك الأوروبي والأميركي.

ب- سيناريو الحصار البحري

عند الوصول إلى نقطة معينة في المباحثات ترى فيها الولايات المتحدة أن إيران ترفض الامتثال إلى مطالبها النووية أو الاقليمية أو الصاروخية قد تلجأ إلى وقف المفاوضات وتستكمل ذلك بفرض حصار بحري على إيران في المحيط الهندي ومياه الخليج وتبادر إلى ملاحقة البواخر والسفن العسكرية والمدنية الإيرانية أو تلك المتوجهة إلى إيران. هذا الحصار يفترض الأميركيون أنه سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني لأن التجارة المتاحة في بحر قزوين المغلق (الدول المتشاطئة هي روسيا وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان وإيران) لا تُعوّض التجارة عبر الخليج والمحيط الهندي.

هكذا حصار سيضع إيران امام خيار البدء بحرب على الولايات المتحدة في المنطقة ويدفعها لأن تطلق الطلقة الأولى برغم أن الحظر بحد ذاته يعتبر عملاً عسكرياً ولو كان لا يتضمن اطلاقاً للنار والأعمال الحربية.

خامساً؛ الخيارات المتاحة:

أ- خيار التسوية سيكون صعباً ومعقداً ويتضمن تنازلات مؤلمة من الفريقين وخصوصاً فيما يتعلق بحسابات الحلفاء.

ب- خيار الحرب والحصار سوف يكون مدمراً لإيران وإلى حد ما لدول المنطقة وسيُعيد تشكيل المنطقة في إطار توازنات جديدة.

ج- خيار تسوية الملف النووي فقط وترك الملفات الاقليمية سيُشكّل انجازاً جزئياً لترامب فيما تبقى إسرائيل على قوتها ويحافظ كل من حزب وحماس على وجودهما واليمن على امكاناته في التحكم بالملاحة وتستمر مشاكل المنطقة بوتيرة مختلفة.

Print Friendly, PDF & Email
إلياس فرحات

عميد ركن متقاعد

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  الأجدر بنا أن نحكم على سجل بايدن.. لا ترامب!