يقول الكاتبان روبرت مالي وعلي فائز في “فورين أفيرز” إن إيران “تواجه ثلاث أزمات متزامنة: حالة الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة تتفاقم كل ساعة؛ التوترات مع الولايات المتحدة تزايدت مجدداً في الأيام القليلة الماضية؛ والحالة الاقتصادية يمكن أن تتحول من مضطربة إلى وخيمة في غضون أشهر”، ويضيفان أنه في مواجهة إستراتيجية واشنطن القاضية بالضغط الأقصى ضد طهران لإنهاك الإقتصاد الإيراني “فإن هذا لا يعني أن طهران ستخضع للضغوط الأميركية وتتراجع. فمنذ ايار/مايو 2019، عندما اختارت الحكومة الإيرانية مواجهة الضغط الأقصى للولايات المتحدة بمزيج من الاستفزازات النووية والإقليمية، أكد المتشددون في النظام الإيراني أن سياسة حافة الهاوية العالية المخاطر تحقق أرباحا أكبر من ضبط النفس”.
وفيما رفض مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي عروض واشنطن بتقديم مساعدات إنسانية إلى إيران، مؤكدا ثقة بلاده بالقدرة على تجاوز المصاعب الكبيرة التي تواجهها، سواء بقدراتها الذاتية أو بمساعدة أصدقاء آخرين مثل روسيا والصين، “طرحت كل من واشنطن وطهران أفكارًا يمكن، إذا تم تنفيذها، كسر الحلقة المفرغة الحالية. فقد حث مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، الحكومة الإيرانية على إطلاق سراح السجناء الأمريكيين وغيرهم من الرعايا الأجانب لأسباب إنسانية، وعلى عكس ذلك، طلبت إيران من صندوق النقد الدولي تمويل طارئ وقائمة كبيرة من المعدات الأساسية تتراوح بين قفازات واقنعة إلى أجهزة التنفس والأشعة السينية المحمولة. إذا كانت إدارة ترامب تقف في طريق مثل هذه الاحتياجات الأساسية – من خلال التصويت ضد قرض من صندوق النقد الدولي لإيران – فستجد الولايات المتحدة صعوبة في التغلب على الانطباع بأنها تصرفت بطريقة غير إنسانية”، على حد تعبير روبرت مالي وعلي فائز اللذين رسما خارطة طريق لـ”المنفعة المتبادلة” على مرحلتين: أولا، توافق إيران على الافراج عن جميع الأجانب المحتجزين في سجونها، وفي المقابل، تسهل الولايات المتحدة نقل الأدوية والمعدات الطبية التي تحتاجها إيران لاحتواء تفشي المرض وإنقاذ الأرواح دون أي تأخير متعلق بالعقوبات.
يمكن أن تشمل هذه المرحلة أيضًا تبادلا جديداً للأسرى، إما على قدم المساواة مع التبادل الفردي الذي حصل في ديسمبر/كانون الأول، أو حتى افضل، تبادل أوسع للسجناء، وسيكون هذا مكسبًا للجميع
في المرحلة الثانية ـ يضيف الكاتبان ـ “يمكن أن توافق الحكومة الأميركية على عدم عرقلة قرض صندوق النقد الدولي لإيران بينما تجمد طهران تصعيدها النووي وتضبط الجماعات المتحالفة معها في العراق، مانعة أي هجمات أخرى على القوات والأصول الأميركية. يمكن أن تشمل هذه المرحلة أيضًا تبادلا جديداً للأسرى، إما على قدم المساواة مع التبادل الفردي الذي حصل في ديسمبر/كانون الأول، أو حتى افضل، تبادل أوسع للسجناء، وسيكون هذا مكسبًا للجميع: إرجاء التوترات مع إيران، وتزويد دونالد ترامب بنجاح آخر في جهوده لتحرير الأميركيين المحتجزين في الخارج، وتزويد طهران ببعض الراحة الاقتصادية والامكانيات لإنقاذ الأرواح في الداخل.
وختم الكاتبان مقالتهما في “فورين أفيرز” بالقول “إن تجاهل أي من الجانبين المسار الدبلوماسي المحتمل للخروج من المنحدر، يعني أن الوضع الخطير والقاتل قد يتحول مرة أخرى إلى الأسوأ”.
وجهة نظر إسرائيلية
في المقابل، عرضت الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في جهاز “الموساد” سيما شاين، وهي تعمل حالياً بصفة “باحثة” في “معهد دراسات الأمن القوميّ التابِع لجامعة تل أبيب، في مقالة نشرت في “مباط عال” للحملة الديبلوماسية الإيرانية لفك الحصار ورفع العقوبات، والتي شارك فيها معظم أركان النظام ولاقت أصداء في الساحة الدولية، وقالت إن الدعوة التي أطلقها بومبيو للإيرانيين لإطلاق سراح معتقلين يحملون جنسية مزدوجة “لدواع إنسانية”، وذلك على خلفية قرار النظام الإيراني إطلاق سراح نحو 85 ألف سجين من السجون بسبب فيروس كورونا، هو قيد النقاش حالياً “من خلال القناة السويسرية التي تصل بين إيران والولايات المتحدة”.
وأوردت ما أسمتها سلسلة وقائع، يمكن تفسيرها “كبوادر حسن نية باتجاه مطلب بومبيو وهي: إطلاق سراح صحافية من “رويترز” تحمل الجنسية الإيرانية والبريطانية قبل أسبوعين، خوفاً من فيروس الكورونا، إطلاق سراح مواطن لبناني (عامر الفاخوري) يحمل الجنسية الأميركية كان قائداً في “جيش لبنان الجنوبي”، اعتُقل في لبنان قبل نصف عام، وأُعيد إلى الولايات المتحدة؛ مواطن أميركي آخر اعتُقل قبل عامين في إيران وحُكم عليه بالسجن مدة 13 عاماً، أُطلق سراحه بشرط أن يبقى في إيران، وهو موجود حالياً في السفارة السويسرية في طهران”.
سيما شاين: من الصعب رؤية تجدُّد المفاوضات الأميركية – الإيرانية من دون بادرة حسن نيّة حقيقية من جانب واشنطن حيال طهران
وكشفت الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في “الموساد” أن فرنسا وإيران تبادلا معتقلين بينهما، “وهذه الخطوات يمكن أن تفسَّر كبادرات حسن نيّة إيرانية تجاه الدول الأوروبية، وأيضاً إلى الولايات المتحدة، ضمن إطار الحوار في القناة السويسرية. لكن ثمة شك في أن يكون في مقدورها تعبيد الطريق أمام حوار أكثر اتساعاً، في ضوء العقوبات الأميركية الجديدة والكلام الواضح للإدارة الأميركية بأنها لا تنوي تخفيف العقوبات”.
وبعد ان عرضت سيما شاين بالوقائع للضغوط الإيرانية، العسكرية والامنية، ضد الاميركيين، في العراق ومنطقة الخليج، قبل إغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني وبعده، قالت بوجوب “الأخذ في الحسبان أن استمرار المس المباشر بجنود ومدنيين أميركيين، سيجبر ترامب على الرد، خاصة بعد أن كانت إنجازاته الاقتصادية حتى تفشي فيروس كورونا هي ورقته المركزية في حملته الانتخابية الرئاسية”، ورأت أنه بين استمرار الضغط الإيراني على الأميركيين في العراق وبين حاجة ترامب إلى الالتزام بكلمته بشأن الرد، “فإنه في حال خرق التوازن الهش ووقوع إصابات أميركية في الأرواح، يمكن أن يؤدي ذلك كله إلى رد أميركي أكثر شدة”.
وختمت بالسؤال “هل نقطة الحضيض التي بلغتها إيران حالياً يمكن أن تعيدها إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة، والتي يرغب فيها الرئيس ترامب بشدة؟ في النقطة الزمنية الحالية، يبدو أن موقف المرشد الأعلى علي خامنئي بعدم الذهاب إلى المفاوضات من نقطة ضعف، قد تعزز. في جميع الأحوال، من الصعب رؤية تجدُّد المفاوضات الأميركية – الإيرانية من دون بادرة حسن نيّة حقيقية من جانب واشنطن حيال طهران”.
ترجمة وإعداد سارة سنو