يعتبر ظهور فيروس كورونا وانتقاله الى إيران من جملة المواضيع التي بادر مقر العمليات الالكترونية الإيرانية الى دراسته بدقة، فطبقاً للدراسات المنجزة في إيران، هناك ثلاث فرضيات على المستوى العالمي تفسر ظهور فيروس كورونا وانتشاره بهذه السرعة في كل أنحاء العالم.
الاحتمال الأول، أن هذا الفيروس اجتاز طفرة طبيعية ضمن عائلة فيروس كورونا ودون تدخل الإنسان وهو ذو منشأ حيواني مثل الخنازير أو أحد الطيور كالخفافيش.
الاحتمال الثاني، وجود مختبر بيولوجي من الدرجة الطبية الثالثة في مدينة ووهان الصينية، ما أدى الى فرار هذا الفيروس المعدل من المختبر وانتقاله في ما بعد الى الآخرين وهكذا دواليك.
الاحتمال الثالث، حدوث هجوم بيولوجي وبيئي بأهداف اقتصادية من قبل الأميركيين ضد الاقتصاد الصيني.
وبالطبع، ثمة صعوبات عديدة في إثبات صحة كل من هذه الاحتمالات، الا أن المواقف التي اتخذها بعض المسؤولين الصينيين ترجح الاحتمال الأول، وهو أنه في أصل عالم هذا الفيروس حدث هذا التغيير والتحول الذي نشهده حالياً، كما أن الاحتمال الثاني، يصعب إثباته لأنه يستلزم أن يعترف الصينيون أنفسهم بذلك أولاً وأن يقروا أن هذا الفيروس هرب من المختبر نتيجة خطأ إنساني أو خطأ متعمد. يصبح السؤال التالي، لماذا كان الصينيون يجرّبون هذا الفيروس الجديد داخل المختبر، وهذا الأمر بحد ذاته يجعل الصينيين في دائرة الاتهام بأنهم كانوا يسعون لإنتاج أسلحة بيولوجية، ولكن من المبكر الخوض في هكذا إحتمال.
أما الاحتمال الثالث، فهو احتمال جدلي أو مثير للجدل يشغل حالياً الرأي العام العالمي، لأنه لو نظرنا الى عالمنا المعاصر من منظار النتائج والتحولات الاقتصادية والسياسية المقبلة وأن الصين وأميركا كانتا في ذروة حرب تجارية واقتصادية كبرى، وكان من المقرر أن تحتل الصين خلال السنوات القليلة القادمة المرتبة الأولى على مستوى الاقتصاد العالمي، بينما لحقت بالاقتصاد الصيني خلال الأسابيع الأولى بعد ظهور وانتشار فيروس كورونا خسائر تعادل حوالي 150 مليار دولار، وقد أدى ذلك الى تدعيم هذا الاحتمال ـ الإستهداف وبالتالي أن يميل الرأي العام العالمي الى هكذا فرضية، أي أننا نشهد حرباً بيولوجية ضد الصين.
في هذا السياق، إنبرى المرشد الإيراني آية الله خامنئي لتوجيه الإتهام مرتين إلى الولايات المتحدة بأنها تقف وراء إنتاج فيروس كورونا؛ المرة الأولى كانت متزامنة مع تشكيل مقر مكافحة فيروس كورونا في إطار مكافحة الأسلحة البيولوجية (تم تنفيذ مناورة للدفاع البيولوجي)، وذلك في رسالة وجهها إلى قائد الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء باقري، وأكد فيها أن هناك قرائن تشير الى وجود احتمال لـ”هجوم بيولوجي”، وفي هذه الرسالة، يوجه آية الله خامنئي التهمة الرئيسية في هذه القضية للولايات المتحدة الأميركية.
والمرة الثانية جاءت من خلال رد خامنئي بصفته القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية على ما أعلنه المسؤولون الأميركيون بشأن إستعدادهم لإرسال مساعدات دوائية وعلاجية شرط أن تطلب إيران ذلك، فقال مخاطباً الإدارة الأميركية: “ما دام الأميركيون متهمين بإنتاج هذا الفيروس، فأي إنسان عاقل يقبل مساعدات تقترحها هذه الدولة”، وأضاف: “لا نثق أبداً بالأميركيين لأنه من المحتمل أن يرسلوا أدوية ملوثة بالفيروس ونشره أكثر في إيران عن هذا الطريق أو أن يرسلوا أشخاصا ككوادر طبية لمعالجة المرضى حتى يقيّموا مدى تأثير هذا الفيروس حيث يقال إن هذا النوع الذي نشروه في بلدنا مصنع خصيصاً للإيرانيين، وبالتالي يتمكنوا من إستكمال معلوماتهم ويزيدوا من عدوانهم، لذا فإن هذا الاقتراح الأميركي مرفوض”.
إيران تدرس فرضية الهجوم البيولوجي الأميركي.. وسترد عليه على هذا الأساس “في الزمان والمكان المناسبين”
وهكذا، فإن إيران على مستوى مراكزها الدراسية، وبالأخص مراكز الدراسات العسكرية ترجح فرضية الهجوم البيولوجي المشترك ضد إيران والصين. فإذا صدقت هذه الفرضية وأن الجيش الأميركي أو المختبرات البيولوجية الأميركية تقف وراء نشر هذا الفيروس، فإن الدول التي تعرضت للهجوم ستضع هذا العمل في خانة “العدوان” وسترد عليه على هذا الأساس “في الزمان والمكان المناسبين، إن لم تكن قد ردت عليه حتى الآن”.
ويقول المستشار الحالي لوزير الصحة والضابط الكبير السابق في الحرس الثوري العميد نصرالله فتحيان إن العلماء والمتخصصين الإيرانيين يدرسون حالياً احتمال أن يكون هذا الفيروس من ضمن هجوم بيولوجي أميركي، وتعهد بإعلان نتائج هذه الدراسات والتحقيقات بسرعة للرأي العام الإيراني والعالمي فور إنتهائها.
“هارب” والحرب الالكترونية ضد الطقس:
يعتبر “هارب” (HAARP: High Frequency Active Auroral Research Program) أحد المواضيع المهمة الذي تمت دراسته بدقة من قبل مقر العمليات الالكترونية في إيران، وهو عبارة عن أمواج الكترومغناطيسية هدفها التأثير على الاجواء والالكترونات الحرة في طبقة اليونوسفير.
وكان زبغنيو بريجنسكي المستشار الأسبق للأمن القومي الأميركي يعتقد أن “هارب” يعتبر سلاحاً لنشر اللااستقرار في الدول التي ترفض الإنصياع لواشنطن. وكان يقول إنه من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة والأساليب والأدوات التي تضعها هذه التكنولوجيا تحت تصرف الدول الكبرى، قد تتمكن هذه الدول من خوض حروب سريعة وخاطفة ومفاجئة مع أعدائها من دون استخدام قواها العسكرية أو الامنية.
يضيف بريجنسكي: نمتلك حالياً تكنولوجيا تساعدنا لإيجاد تغييرات في الطقس حيث نوجد ظروفاً مناخية جديدة مثل الجفاف أو الاعصار تؤدي الى تضعيف القدرات التي يملكها أعداؤنا وتجبرهم على القبول بشروطنا.
يقول الجنرال غلام رضا جلالي قائد مقر العمليات الالكترونية في إيران ردا على سؤال حول “هارب”: تدل الأبحاث أن هذا الموضوع لم يتجاوز حالة التنظير حيث لم يتم حتى الآن إثبات أن بعض القوى الالكترونية مثل أميركا يمكنها من خلال إرسال إشعاعات الى طبقة الأوزون أو أجزاء أخرى من الاتوموسفير، إحداث تغييرات في الطقس والمناخ السائد في بعض الدول.
وأضاف: أميركا تمتلك صحارى قاحلة وجافة عديدة وواسعة وإن استطاعت أن تحصل على مثل هذه الإمكانات كان لابد لها أولا أن تنقذ تلك الصحارى وتحييها مرة أخرى، لذلك، فإن هذا الموضوع لم يتم إثباته في أي مكان آخر ولم نشهد حصول مثل هذه التغييرات المناخية المتعمدة. على كل حال لا نستبعد إطلاقاً وجود مثل هذه الأبحاث والتجارب ونواصل متابعتها ودراستنا لها.
محمد جواد آذري جهرمي: إيران أفشلت 33 مليون هجمة إلكترونية في العام 2019 بواسطة دفاعات “دجفا” الوطنية
وحسب مصادر إيرانية مطلعة، فإن تحقيقاً استغرق خمس سنوات أجري على ثلاث مناطق في أفغانستان وإيران وتركيا مع وضع احتمال مسبق بحدوث تغييرات في طقس هذه المناطق وتمت دراسة ومتابعة الصور الجوية والمعلومات المرتبطة بحالة الطقس في هذه المناطق خلال خمس سنوات بدقة حيث لوحظ أن بعض السنوات شهدت تساقط الثلوج في هذه المناطق وكانت في بعض السنوات جافة بشكل كلي. وقد أثيرت الشكوك بدءا بشأن هذا الموضوع وأثير كذلك هذا السؤال: كيف يمكن أن تتساقط الثلوج بشدة في منطقة مرتفعة عن سطح البحر حوالي ثلاثة آلاف متر داخل تركيا بينما لا يسقط أي مقدار من الثلج في المنطقة المقابلة لها في إيران (أي بنفس الإرتفاع عن سطح البحر)؟
من جهة ثانية، تظهر معطيات مقر العمليات الإلكترونية أن أحدث الهجمات الالكترونية التي تعرضت لها البنى التحتية لشبكة الانترنت في إيران كانت في العاشر من شباط/فبراير 2020، حيث يقول الجنرال غلام رضا جلالي إن الهجوم الالكتروني الأخير كان من نوع “ديداس” واستهدف البنى التحتية لشبكة الانترنت ليحول دون تقديم الخدمات الانترنيتية للناس وإخراج هذه الشبكة من الخدمة وتوصلت تحقيقاتنا الى أن مصدر هذه الهجمة هو الولايات المتحدة “حيث تصدينا لها بكل قوة”. والملاحظ أنه تم أيضا استخدام أجهزة الكومبيوتر الشخصية في هذا الهجوم وكان الهدف منها تحديد مستوى الخدمات الانترنتية المقدمة للناس وحدث ذلك في بعض نقاط إيران ويمتاز مثل هذا الهجوم بشدته وإتساعه، ما يؤدي إلى قطع الخدمات المقدمة من قبل الشركات.
يضيف جلالي: لم يتمكن الأميركيون من الرد عسكرياً على إسقاطنا لطائرتهم المسيرة في المياه الإقليمية الإيرانية وكذلك قصفنا الصاروخي لقاعدة عين الأسد غرب العراق، لذلك، حاولوا الرد من خلال تشديد الهجمات الالكترونية و استمرار الضغط الاقتصادي على بلدنا الا أن هجمات الأميركيين الاكترونية كانت فاشلة بفضل دفاعاتنا الاكترونية الرادعة.
ويقول وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الإيراني السيد محمد جواد آذري جهرمي إن إيران أفشلت 33 مليون هجمة إلكترونية في العام 2019 بواسطة دفاعات “دجفا” الوطنية.
لن تتوقف الهجمات الأميركية والإسرائيلية على وجه التحديد، وفق تقديرات غرفة العمليات الإلكترونية، ولا سيما ضد المنشآت الصناعية والنووية الإيرانية والقطاع الطبي والعلاجي في الأشهر والسنوات القادمة، ما يستوجب من إيران السعي لتجهيز جيش إلكتروني قوي للحفاظ على أمنها القومي وصيانته بشكل قوي ومستدام. ويقول الجنرال جلالي: ينبغي علينا أن نحيط منجزاتنا في شبكة الانترنت بخطوط الأمان اللازمة ونقول إن حدودنا الوطنية في الانترنت هي في هذا المكان ولا يحق لأي أحد اختراق تلك الحدود، ولتحقيق هذا الهدف علينا أن نتمتع بالاستعداد الدفاعي اللازم حتى نتمكن من الدفاع عن منجزاتنا وثرواتنا الدفاعية الوطنية.
(*) هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات للكاتب حول موضوع إيران والحروب الإلكترونية، ينشرها موقع 180 على التوالي.
(1) الجيش الإلكتروني الإيراني: جهوزية في الدفاع والهجوم
https://180post.com/archives/9776
(2) ايران الإلكترونية تكتفي ذاتياً.. و”الحرب” تطال كل منشآتها