نتنياهو يناور في واشنطن.. وفتح وحماس تتصالحان في بكين!

سنتوقف عند تطورين مهمين يتصلان بمجريات الحرب الإسرائيلية على غزة في شهرها العاشر؛ أولهما، زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة. ثانيهما، المبادرة الصينية لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.

تميّز الحدث الأول بالخطاب الذي ألقاه نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي وسط مقاطعة 23 نائباً من مجلس الشيوخ (من أصل ١٠٠) و٧٣ نائباً في مجلس النواب (من أصل 435).. واللافت للانتباه أن الزيارة أتت في توقيت أميركي داخلي حسّاس فرضته محاولة اغتيال دونالد ترامب ثم انسحاب جو بايدن لمصلحة كامالا هاريس في السباق إلى البيت الأبيض.

وكان نتنياهو قد استبق الزيارة بإشاعة أجواء من الإيجابية حول التقدم الحاصل في مفاوضات وقف اطلاق النار. أجواء سرعان ما تبيّن أنها كاذبة وتندرج ضمن إطار تكتيك جديد من رئيس الوزراء للإيحاء بجديته في هذا الموضوع وذلك مسايرةً للادارة الأميركية (التي زاد ضغطها عليه في الآونة الأخيرة) ولعائلات المختطفين الإسرائيليين الذين ينتظرون في كل جولة مفاوضات تلك الأخبار الايجابية قبل أن يبدّدها سلوك نتنياهو وأعضاء حكومته. علاوة على ذلك، استبق نتنياهو الزيارة بارتكابه مجازر عديدة ضدّ المدنيين ولعل أبشعها مجزرة خانيونس يوم الاثنين الماضي والتي خلّفت قرابة ٧٧ شهيداً وأكثر من ٢٠٠ جريح. هذه التطورات دلّت على سياسة الاحتلال بمواصلة عدوانه الوحشي على القطاع مراهناً على عامل الوقت وانشغال ادارة بايدن بانتخابات يفصلنا عنها أربعة أشهر.

وعلى المقلب الآخر، برز تطور لا يقل أهمية عن الأول تمثّل باستضافة بكين اجتماعاً للفصائل الفلسطينية وعلى رأسها فتح وحماس. أفضى هذا اللقاء إلى صدور “إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية” والذي يتألف من ثمانية بنود لعلّ أبرزها البند التالي: “أن يتم تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني، على أن تبدأ بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية، والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية بأسرع وقت وفقا لقانون الانتخابات المعتمد”.

هذه هي المرة الجدية الأولى التي يتم فيها الحديث عن تشكيل حكومة وفاق وطني. هذا مع العلم أنّ السلطة الفلسطينية، ممثلةً بمحمود عبّاس، كانت قد استبقت الضغوط العربية والدولية المطالبة بإصلاح السلطة وتشكيل حكومة جديدة بخطوة فردية كان هدفها قطع الطريق أمام حركة حماس والمجتمع الدولي، اذ عمد إلى تعيين محمد مصطفى رئيساً لحكومة فلسطينية جديدة، في آذار/مارس الماضي. وانقسم المراقبون حيال مبادرة الصين الرامية إلى تحقيق المصالحة التاريخية بين فتح وحماس، بين من اعتبرها أنها لا تتعدى محاولات سابقة عقدت في ٨ عواصم إقليمية وعربية ودولية لإصلاح ذات البين بين هذين الفصيلين وبالتالي بقيت حبراً على ورق طوال سنوات الانقسام ( ٢٠٠٧- ٢٠٢٤). وبين من اعتبرها خطوة ستحقّق المراد منها بخاصة أنّ الصين كانت نجحت في العام الماضي في تحقيق المصالحة بين إيران والسعودية. المعوّلون على نجاح “إعلان بكين” يقولون إنّ الصين نجحت في التقريب بين قوتين إقليميتين بينهما ملفات شائكة وحقول ألغام عدّة. فإذا استطاعت الدبلوماسية الصينية تذليل كل هذه العقبات بين طهران والرياض، لن تكون مهمة مصالحة فتح وحماس بالصعبة مقارنة باتفاق بكين السعودي الإيراني.

وما بين واشنطن واحتضانها لنتنياهو، وبكين واحتضانها للفصائل الفلسطينية، برز أمر لافت للأنظار على صعيد إيجاد خطط بديلة لمرحلة “اليوم التالي”. فقد كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن تفاصيل خطة إماراتية نوقشت خلال اجتماع عقد في أبو ظبي الأسبوع الماضي، بمشاركة مسؤولين من الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات. فحوى الخطة تقديم اقتراحات عملانية بشأن إمكانية تجديد السلطة الفلسطينية، وتمّ التداول بعدد من الأسماء ممن تنطبق عليهم مواصفات الشخصيات “التكنوقراطية” الفلسطينية، ومن أبرز هؤلاء سلام فيّاض (الذي تبوأ بدوره منصب رئيس الوزراء الفلسطيني بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٣). ونقلت الصحيفة أنّ الاقتراح الإماراتي يستند إلى “سلطة فلسطينية إصلاحية، تدعو الشركاء الدوليين، لدعم الأمن والمساعدات الدولية في غزّة، خلال مرحلة انتقالية لتحقيق الاستقرار قد تصل إلى عام”. وتتضمن الخطة الإماراتية لقطاع غزة ما بعد الحرب، “إنشاء منطقة أمنية متوسعة تدريجيا بدعم دولي، من شمالي القطاع إلى جنوبه”. ووفقاً لـ”واشنطن بوست”، فقد أوضحت دولة الإمارات في الورقة أفكارها الأساسية، المتمثلة في توجيه السلطة الفلسطينية “الإصلاحية” دعوة إلى مقدمي الخدمات الأمنية، “فيما توافق إسرائيل على عدم تقويض هذا الجهد في غزة، من خلال عدم القيام بخطوات استفزازية في الضفة الغربية من شأنها أن تؤدي إلى تفجير الوضع الأمني، على أن يفضي هذا المسار إلى تبني أميركي-إسرائيلي جدي باعلان دولة فلسطينية. تتقاطع هذه المعلومات مع مع ما أعلنته مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، لانا نسبية، في مقابلة مع صحيفة “الفايننشال تايمز”، فقد أعربت خلال المقابلة، عن استعداد بلادها لإرسال قوات للمشاركة في قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات بغزة، بعد انتهاء الحرب، شريطة أن تدخل هذه القوات بناء على دعوة رسمية من السلطة الفلسطينية، التي يجب إصلاحها، وقيادتها من قبل رئيس وزراء جديد يتمتع بصلاحيات.

إقرأ على موقع 180  الدولار والليرتان السوريّة واللبنانيّة.. أولوية الإصلاح النقدي

ولم تكد تمر ساعات قليلة على تسريب موقع “وول ستريت جورنال” أن حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل وعواصم غربية عديدة وافقوا على تولي القيادي السابق في فتح محمد دحلان (يقيم في دولة الإمارات) إدارة غزة في المرحلة الانتقالية، حتى سارع دحلان إلى نفي هذا التقرير.

وفي ضوء هذه المعطيات وفي ظل انعدام رغبة دولية جديّة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن سيناريوهين يرتسمان في الأفق لما قد تكون عليه الأوضاع في الأسابيع والأشهر المقبلة:

السيناريو الأول: أن ينجح نتنياهو في تمرير زيارته إلى واشنطن من دون اعلان رسمي عن وقف الحرب أو عن تجاوبه حيال المفاوضات الآيلة إلى وقفها. وهناك احتمال أن يلجأ إلى تعيين ايتامار بن غفير عضواً في مجلس الحرب في خطوة يريدها نتنياهو وسيلة من أجل تخفيف منسوب ابتزاز هذا الأخير في التحالف الحكومي. هذا السيناريو يعني أن نتنياهو سيحاول المماطلة قدر الإمكان مراهناً على ضعف ادارة بايدن وانشغالها بالاستحقاق الانتخابي. أغلب الظن أن “بيبي” لن يهدي جائزة الاعلان عن وقف اطلاق النار في غزة لبايدن في آخر أيام عهده اذ أنّه يفضّل أن يناقش هذا الملف مع ترامب إذ تجمعهما علاقة شخصية قوية، وهو أي – نتنياهو – يراهن على عودة ترامب إلى البيت الأبيض كي يطلق يدي حكومة اليمين المتشدّد على كل “الجبهات”.

السيناريو الثاني: أن يراهن نتنياهو على انشغال أميركا في الاستحقاق الانتخابي وغرق بايدن في ملفات داخلية تتصلّ بموتمر الحزب الديمقراطي (الذي سينعقد في نهاية آب/أغسطس المقبل)، ليورّط الادارة الأميركية في آخر أيامها في حرب يريد أن يشنها هو وأعضاء حكومته على حزب الله، منذ اليوم الأول لبدء المعارك العسكرية، في الجنوب اللبناني في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي. غني عن القول أن نشوب حرب كهذه مع حزب الله، قد تدفع الأمور إلى اتساع رقعة الحرب، خصوصاً أن ساحات مساندة غزة تمتد من اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق والجولان السوري المحتلّ.

وما تزال أوساط سياسية فاعلة تراهن على عدم حدوث حرب واسعة على لبنان لأن ما يمنعها هما أمران إثنان؛ الأمر الأول، عدم وجود موافقة أميركية على شن هذه الحرب خشية توسعها. ولكن ماذا إذا استغل نتنياهو الارباك الأميركي وورّط الادارة الأميركية بهكذا حرب؟ أما الأمر الثاني، فهو قوة معادلة الردع التي أرساها حزب الله طوال الأشهر العشر الماضية. طبعاً، يدرك نتنياهو هذا الأمر جيداً، بخاصة بعد تصوير مسيّرة “هدهد” أهدافاً حيوية في الكيان. ولكن نتنياهو يريد البقاء في الحكم، وكي يستطيع تحقيق هذا الأمر، عليه أن يظهر دوماً لحليفيه (بن غفير وسموتريتش) وخصومه، على حد سواء أنه قوي. والقوة في كثير من الأحيان لا تستند إلى معطيات منطقية وعقلانية خاصةً مع مجرم حرب، أثبت كل يوم – وعلى مدار أشهر عشرة – تعطشه للدمّ الفلسطيني والعربي. وثمة مخاوف في هذا المجال أنّه إذا لم تنجح مفاوضات الصفقة ووقف إطلاق النار خلال شهر من الآن، معنى هذا استمرار الحرب الإسرائيلية لما بعد الانتخابات الأميركية ( تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٤)، وحفل التنصيب الرسمي للرئيس الجديد (في كانون الثاني/يناير ٢٠٢٥).

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "المثالثة" وأخواتها.. القدر المحتوم للنّظام اللّبناني الفاشل؟