وفاء أبو شقرا, Author at 180Post - Page 13 of 15

IMG-20200619--1280x836.jpg

عندما أطلق الفنّان اللبناني "شوشو" أغنية "شحّاذين يا بلدنا" عام 1974، لم يكن يتوقّع أن تتحوّل إلى "نشيد" للإنتفاضات الشعبيّة والمطلبيّة اللبنانيّة. فالأغنية كانت بمثابة "جردة" مضغوطة بإرتكابات الدولة والنظام في لبنان بحقّ شعبٍ أُوهِم أنّه يعيش في أُنسٍ واندماجٍ ورخاء. جاءت الأغنية كشاهد عيان، على معاناةٍ جسيمةٍ كانت تعتمل في دواخل شرائح واسعة من اللبنانيّين. فصرخ فقيدُنا الكبير باسمهم آخر صرخاته على المسرح: "آخ يا بلدنا".

104220662_153250-.jpg

يُروى، أنّ سفيراً عربيّاً قال للجنرال شارل ديغول، يوماً: "فرنسا دولةٌ عظيمة لأنَّ الثورة الفرنسيّة صنعتها". فأجابه ديغول: "لا، لم تصنعها الثورة، بل صنعها ديكارت". وكان الرئيس الفرنسي يريد أن يلفت، بالتأكيد، إلى أنَّ الثورة الفرنسيّة (1789-1799)، إنّما كانت نتاجاً وتتويجاً لعصر الأنوار وثورته الثقافيّة. ومَن أوقد شعلة تلك الثورة التنويريّة، هو رينيه ديكارت الفيلسوف والعالم الفيزيائي الشهير الملقَّب بـ"أبو الفلسفة الحديثة".

IMG_7971-750x420-1.jpg

بينما كنتُ أوضِّب مكتبتي، وقع نظري على كتابٍ كان قد أهداني إيّاه رفيقٌ مغربي في الجامعة. "صديقنا الملك" هو عنوان الكتاب الذي يؤرِّخ لأربعة عقودٍ من حُكم الملك المغربي الراحل الحسن الثاني. فيه، فَضَح الصحافي الفرنسي Gilles Perrault (عام 1990) زيفَ الواجهة الديمقراطيّة الحديثة للمغرب، والتي كانت تخفي وراءها ديكتاتوريّةً وحشيّة لطاغيةٍ مصابٍ بجنون العظمة.

كاريكاتور-ناجي-العلي-49-1280x864.jpg

تطرأ أمورٌ في كواليس الطيران والسفر، يحرص طاقم الطائرة أن يُبقيها بمنأى عن الركّاب، لئلاّ يُصابوا بذعرٍ قد يتسبّب في إرباك هذا الطاقم، ولا سيّما الربّان. إذْ للأخير، الدورُ الأساسي في إنجاح الرحلة التي يعني "عدم نجاحها"، ببساطة، الهلاك الحتمي للجميع. خصوصاً أنّ الربّان، ومتى كان كفوءًا وماهراً، بمقدوره أخْذ الكثير من المشاكل على عاتقه وحلّها، من دون أن يعرف الركّاب، أصلاً، بوجودها.

whos_stopping_trump___marian_kamensky.jpeg

صباح يوم الثامن من كانون الأوّل/ديسمبر 1988، شَدَدْتُ الرِحال، مع زميلٍ لي، وقصدنا قرية المختارة الجبليّة، لحضور مؤتمرٍ صحفي كان مقرّراً أن يعقده، نائب الشوف ووزير كلّ الحكومات (حينها) وليد جنبلاط. كنتُ متهيِّبة كثيراً تغطية الحدث، لسببيْن: الأوّل، أنّه كان قد مضى على بدْء عملي في الإذاعة عامٌ واحد (بالكاد)، أي إنّني كنتُ غضَّة الخبرة في "الميدان"؛ والسبب الثاني، هو توجُّسٌ لديّ من مواجهة جنبلاط، المعروف بشخصيّته النزقة وعدم لطفه مع الصحافيّين.

LaLaLandDam.jpg

في مرجٍ أخضر، كان يعيش ضفدع ضخمٌ وفخورٌ بحجمه كثيراً، كما تقول الحكاية. سمع الضفدع يوماً الحشرات تتحدّث عن ثورٍ ضخم ومهيب الحجم، يقطن في الجوار، فصرخ: "كيف يمكن أن يكون هناك أيّ مخلوق أكبر منّي في العالم كلّه؟" وصادف أنْ رأى الضفدع هذا الثور مرةً، فسأل اليرقات: "هل هذا هو الوحش الضخم"؟ فردّت بخوف: "نعم". فقال بسخرية: "أنا أستطيع أن أكون بضعف حجمه إنْ أردت، شاهدوني". وأخذ الضفدع نَفَسَاً كبيراً جدّاً جدّاً جدّاً، وبدأ ينفخ وينفخ وينفخ، ومن ثمّ يكبر ويكبر ويكبر. وفجأة! دوّى صوت فرقعة. لقد انفجر الضفدع المسكين... بعدما كَبُر ادّعاؤه وأصبح أضخم من حجمه.

FFF8204-1_546033_highres-1280x689.jpg

دُعي الخبير البلجيكي "فان زيلاند" إلى بيروت، عقب الاستقلال، لتنظيم وترشيد الاقتصاد اللبناني، وبعد أسابيع قليلة على وجوده، كما تقول رواية مجلّة "الحوادث"، قصد رئيس الوزراء رياض الصلح. قال له شاكياً: "كيف لي، يا دولة الرئيس أن أعرف، أنّ التفّاح في بلادكم ماروني، والبرتقال سنّي، والزيتون أرثوذكسي، والتبغ شيعي، والعنب كاثوليكي؟ ولو كنتم قد أخبرتموني بذلك قبل مجيئي إلى لبنان، لما غامرتُ بسمعتي كخبير في هذه البلاد التي تنتسب فيها، كلُّ ثمرةٍ، إلى طائفة". غالباً ما أتذكّر مقولة المسكين "فان زيلاند"، كلّما ضربت أزمةٌ "محصولاً" من محاصيل إحدى ثمار بلدنا المثمر بالأزمات، وآخرها موسم "الزيتون الأرثوذكسي"!

93254583_569449337009456_2545601379510709742_n.jpg

كانت الأوساط المقرّبة من رئيس حكومة لبنان الراحل رفيق الحريري تنقل عنه جملةً رهيبة، تبيَّن في ما بعد أنّها كانت "البوصلة" التي وجّهت حياته ووسّعت أعماله وفرضت سطوته. تقول هذه الجملة: "كلّ إنسان يمكن شراؤه في هذه الدنيا. يتوقّف الأمر، فقط، على السعر"! جوزيف سماحة، فقيد الصحافة اللبنانيّة والعربيّة الكبير، كان من بين قلّة قليلة جداً من الصحافيّين المشاكسين الذين دحضوا تلك المقولة الحريريّة. فلقد فشل "أبو بهاء"، وبالرغم من مفاوضاتٍ طويلة وعسيرة، بإقناع سماحة بالانضواء في "إمبراطوريّة الحريري الإعلاميّة" (كما سُمِّيت آنذاك).

EUa0Zt-XQAIiZqe.jpg

"كنتُ سأفعل لو كنتُ أستطيع. وكنتُ أستطيع لو كان لي. سأفعل إنْ استطعت. وأستطيع إنْ فعلت. كنتُ لا أستطيع إنْ رغبت. وكنتُ سأفعل لو كنتُ أستطيع. أستطيع إنْ فعلت. وسأفعل إنْ استطعت". تلك، هي إحدى نوبات الهذيان للفصاميّ جون، إبن رئيس الوزراء البريطاني سبنسر برسيفال الذي أخذ مكانته الفريدة في التاريخ السياسي لبريطانيا، لكونه الوحيد الذي اغتيل (كرئيس للوزراء) أثناء وجوده في السلطة (سنة 1812). وجون برسيفال، كان ضابطاً ومبشِّراً إنجيليّاً، أمضى ثلاث سنوات في المصحّات النفسيّة بعد تجربةٍ عاشها، في القرن التاسع عشر، في كنف طائفة الإيرفينغيّين المتطرّفة في اسكتلندا.

يييي.jpg

"تحيّاتي يا أخي بهيج، لقد علمتُ أنّك أصبحت وزيراً في حكومة لبنان الذي نحبّ، فعادت بي الذكرى إلى أيام طفولتنا الأولى؛ عندما كنّا مساءً بعد العشاء، نتسابق لننام في فرشة والدنا المرحوم، فكان يشمّ رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة بعد الأكل ومغسولة، كي يقبل أن ننام معه. هو اليوم مدفون ويرقد تحت السنديانة في قبره، وبعد عمرٍ سنكون نحن هناك أيضاً، وقد يشمّ رائحة أيدينا إذا كانت نظيفة. فحافظ على نظافتها، ومبروكٌ لك الوزارة".