
هي اللحظات التي ترفض على امتداد سنوات حياتي إلا أن تُطل من ذاكرتي بين الحين والآخر لتزيح جانباً لحظات أخرى أعيشها وتحل محلها أو تختلط معها.
هي اللحظات التي ترفض على امتداد سنوات حياتي إلا أن تُطل من ذاكرتي بين الحين والآخر لتزيح جانباً لحظات أخرى أعيشها وتحل محلها أو تختلط معها.
كان يُقال إنني ولدت على يد جد الزميل والصديق وزير الخارجية الأسبق أحمد ماهر، طبيب العائلة الممتدة وعيادته في شارع فاروق، على المسافة الواقعة بين باب الشعرية والعباسية، وُلدت ومعي مرض حساسية قوية. كان بين من اكتشفوا هذا الأمر مبكراً الطبيب الأشهر الدكتور الظواهري في عيادته الكائنة وقتئذ قرب المبنى القديم لجريدة "الأهرام" وبقي معنا يُراقب حالتي ويُشخّص ويُعالجني على امتداد سنوات طفولتي ومراهقتي.
كلُ ما سأكتبه الآن، أكتبه للغد. أكتبه بالدرجة الأولى لفلذات كبدي، سارة وكيندة وعلي، لو قُدّر لهم البقاء، إذ مرّ حين من الوقت - بعد أن سجّلت موقفي من الأحداث - قلّ فيه اقتناعي بجدوى الكتابة في ظلّ ما يقرّره أهل الميدان والقرار، وما يكتبون مشهده ويتركون أثره في عقول ونفوس المراقبين. لكن، للزّمن حقّه، وللنّاس سرديّاتهم الذّاتية، ولي واجب استكمال موقفي ورؤيتي، وحقّ على الأولاد أن يعرفونها تمام المعرفة، تماماً كما حقّهم بالمغايرة في الرأي بعد سعيٍ منهم للمزيد من المعرفة والاطلاع والتّحقّق.
في العاشرة والنصف صباحاً، رنّ هاتفي. عندما لمحتُ الرقم على الشاشة، سرى الرعب في أوصالي. ماذا تريد تمارا في هذه الساعة، والمفترض أن تكون أثناءها في الصفّ؟! "ماما إنْتُو بالبيت؟". سألتني مُستفهمةً لتعود وتسأل، عمّا إذا كنّا نستطيع استقبال أهل رفيقها فادي القابعين داخل سيّارتهم في الشارع.
أظن أنني نطقت بهذه الكلمات، أو همست بها لنفسي، في كل مرة ركبنا الترام وأنا جالس في حجر أمي في رحلتنا الأسبوعية إلى بيت العائلة في مرجوش. كان المشوار طويلاً، بل وأطول من حقيقته بالنسبة لطفل لا تهدأ حركته ولا يتوقف فضوله برغم أو بسبب انحباسه في حجر أمه وكلاهما محرومان من رؤية معظم ما يدور خارج صالون الحريم في مركبة الترام.
بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و27 تشرين الأول/أكتوبر 2024، مسافات ومشاعر وأيام وكثيرٌ من الكلام بدأته بانحياز واضح لـ"طوفان الأقصى"، وامتلأت أملًا بقرب موعد تحرير الأسرى في السجون الإسرائيلية، لكن تبين أننا لم نكن نعلم أنّ الغرب المسيحي المُتصهيّن يُمكن أن يُغطي حرب إبادة إسرائيلية مفتوحة من هذا النوع.
نتدرب خلال شهور الربيع وأوائل الصيف استعداداً للمشاركة في احتفالات مناسبة كانت ترقى في أذهان بعض الأهل وأطقم التدريس والتلاميذ إلى مرتبة التقديس.
أبدأ بأمي وأبي ليس لأنها عادة كل من يكتبون سيرهم ولكن لأنني عشت بالفعل أذكر لهما الفضل كلما دخل غريب إلى بيتي أو أجلسوني إلى جانب من يكبرني أو اجتمع قوم على مائدة طعام فلا أجلس قبل أن يكتمل جلوس الجميع. أذكر لهما الفضل حتى يومي هذا كلما اشتركت أو أشركوني في مناقشة فكاد صوتي يعلو درجة أو درجتين فوق درجة ما بعد الهمس، أو كلما كلفت نفسي أو كلفوني بنقل حرفي لرسالة. أشهد، بمبالغة بسيطة، أنني لم أتفاجأ بمعظم النصوص من كتاب السيدة ويست بعنوان الإتيكيت ونحن على وشك الالتحاق بالدبلوماسية المصرية.
أكتب هنا عن قمم الجبال في حياتى؛ قممٌ صادفتنى وقممٌ سعيت إليها، قممٌ تأثرت بها وقممٌ علمتني الكثير، وكلها، على عكس قمم البشر، لم تتأثر بوجودي سواء كنت مقيما عند سفحها أو صاعدا نحوها أو مستقرا في حضنها.
أحن إلى موقع نشأتي وأيامي هناك. ولدت بعيداً عن الجبل وقضيت بعض سنوات طفولتي ومراهقتي في أرجاء سفحه. الجبل هو المقطم أما السفح فهو حي الحسين وما وراء المسجد وصولاً إلى الحسينية ومروراً ببيت القاضي وحارة قصر الشوق والجمالية وضمنها حارة الورّاق التي هي مسقط رؤوس عدد من العائلات التي اشتغلت بصناعة الورق والكتب والمكتبات.