
الهجوم الذي شنّه الكيان الإسرائيلي علی قطر أثار ويُثير ردود فعل اقليمية ودولية لما ينطوي عليه من تهديد ليس لقطر وحدها بل لكل دول المنطقة ولأمنها واستقرارها.
الهجوم الذي شنّه الكيان الإسرائيلي علی قطر أثار ويُثير ردود فعل اقليمية ودولية لما ينطوي عليه من تهديد ليس لقطر وحدها بل لكل دول المنطقة ولأمنها واستقرارها.
دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تكرار، أن الحرب التي يشنها على غزة منذ نحو عامين، لن تنتهي في غزة، وإنما ستنتهي فقط "بتغيير الشرق الأوسط" بكامله. وهذا بحسب زعمه، السبيل الوحيد لمنع تعرض إسرائيل مجدداً لهجوم مماثل لهجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
تعدّدت الاجتهادات عن أهداف العدوان الإسرائيلي على قطر، الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام. لكن، ربما بات واضحاً، الآن، أن تل أبيب أرادت توجيه "رسالة بالدم"، مُباركة أميركياً، مُلخصها أنه يتوجب على دول الخليج-وباقي الدول التي تُقيم علاقات معها-القبول بكل شروط ومندرجات الحرب الإسرائيلية على إيران وحلفائها من غزة إلى اليمن مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وأن إمساك العصا من الوسط، لم يعد مقبولاً، وأنه ممنوع إقامة نظام إقليمي غير إسرائيلي.
من غزة ولبنان وسوريا واليمن، إلى إيران مروراً بتهديد تركيا في سوريا والعراق، ومصر في سيناء وأفريقيا، وعطفاً على مشروع "إسرائيل الكبرى" في الضفة والأردن وجنوبي سوريا ولبنان (كمرحلة أولى)، والآن ضرب قطر، أي رسالة يمكن أن نقرأ هنا؟
"لا مُحرمات في الحب والحرب". مقولةٌ أثبتَ صحتها العدوانُ "الإسرائيلي" على دولة قطر، أمس (الثلاثاء)، الذي استهدف قيادة حركة حماس خارج فلسطين المحتلة. قطر تُعتبر من أقرب حلفاء الولايات المتحدة الموثوقين، وعلى أراضيها تقعُ أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، كما أنها تلعب دوراً رئيسياً في المفاوضات غير المباشرة بين حماس و"إسرائيل". أضف إلى ذلك، أنها من الدول المُطَبّعَة (وإن بصورة غير مباشرة). ومع ذلك لم يشفع لها التطبيع بشيء!
قلنا بالأمس أنه على عكس المناطق الأخرى التي تشهد سيرورة التفكيك، يتميّز المشرق المتوسطي بوجود مخططات غربية-إسرائيلية قديمة العهد وُضعت قبل حقبة غير قصيرة من بروز ظاهرة العولمة كقوة تغيير عالمية، وهدفت إلى تذرير هذه المنطقة بهدف اخضاعها استراتيجياً إلى المركز الإسرائيلي.
عملاً بالقول المأثور للرومان: "من أراد السلام فليستعد للحرب"، قرّرت الصين عدم الإنزواء في الخلف، وتقديم نفسها كقوة متقدمة تحدوها آمال عراض، في أن تشكل محوراً موازياً للولايات المتحدة.
منذ العصور القديمة، كان الصراع على الممرات والمضائق والقنوات هو المحرك الأساسي لإعادة تشكيل خرائط النفوذ العالمي. فطريق الحرير، الذي امتد من الصين وصولاً إلى أوروبا عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط، لم يكن مجرد طريق تجاري بل كان مساراً استراتيجياً حدد موازين القوى بين إمبراطوريات ذلك الزمن.
في السياسة، الخريطة أهم من الخطاب. الكلمات، مهما حملت من وعود، تظلّ أدوات تزيين لأجندات تُدار في العمق بمعايير جيوسياسية صارمة، حيث تُعاد صياغة الخرائط وفق ميزان القوة لا وفق منطق الشعارات.
إذا صحّ أنّ قمة آلاسكا أرست تفاهمات أبعد من أوكرانيا، فإن الشرق الأوسط يصبح ساحة الاختبار الحاسمة لمدى صلابة أي “تقاسم نفوذ مرّن” مُرتقب بين واشنطن وموسكو. جوهر المشهد أنّ القوى الإقليمية الأربع الأكثر تأثيراً (إيران، تركيا، إسرائيل، ومنظومة الخليج) لن تتلقّى الخرائط الجديدة بصورة سلبية، بل ستسعى إلى إعادة التموضع على خطوط تماس الطاقة والأمن والممرات البحرية، مع أكبر قدرٍ ممكن من المكاسب، وبأقل قدر ممكن من الاصطدام المباشر مع الرعاة الدوليين.