يذكرني تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من دول الخليج، في هذه الأيام، بمرحلة حرب تشرين/أكتوبر ١٩٧٣.
يذكرني تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من دول الخليج، في هذه الأيام، بمرحلة حرب تشرين/أكتوبر ١٩٧٣.
يأتي إعلان لبنان وإسرائيل عن إتفاق إطار للتفاوض على ترسيم الحدود بعد سلسلة تطورات منها إنفجار مرفأ بيروت وفشل المبادرة الفرنسية وسجال حزب الله-إسرائيل حول مخابئ السلاح والإنتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة. وبالتالي هناك تساؤلات حول التوقيت والدوافع والاحتمالات لهذا الاختراق في التفاوض حول قضية سيادية لها تداعيات على الداخل اللبناني والدينامية الاميركية-الايرانية في المنطقة وعلى التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
من يستمع إلى كلمة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يستشعر لوهلة أن قطر أضحت عاصمة الممانعة العربية، التي تضع فلسطين وقضيتها كبوصلة وحيدة لسياساتها وتحالفاتها الخارجية، وليس أن الدوحة وفي موازاة موجة التطبيع الخليجي الإسرائيلي الأخيرة قد اسدت لتل أبيب خدمات مهمة ترقى إلى مستوى الخدمات الاستراتيجية، سواء في ما يخص قطاع غزة أو العلاقات الثنائية، وتتفوق في بعض أوجهها على نظيرتيها الإماراتية والبحرينية، والتي أتت في المقام الأول، وفي التوقيت الراهن، كخدمة دعائية وانتخابية لكل من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، أكثر من كونها ضرورة حيوية وأمنية لإسرائيل، كما فعلت وتفعل قطر.
عندما ستكتمل صورة المشهد الإقليمي، وتتجمع قطع "بازل" مسار تنفيذ "صفقة القرن"، وفي ظل تعاقب الأزمات ذات الطابع "الغامض" في لبنان من الحرائق التي سبقت انتفاضة 17 تشرين إلى تدمير مرفأ بيروت، سيشهد اللبنانيون بأم العين أن الديناميكية الخارجية المستغلة للتفاعلات الداخلية، هدفها الوحيد "إجبار" لبنان على توقيع السلام مع "إسرائيل"، كما أشار إلى ذلك مقال في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
تحت عنوان "رأس محمد بن سلمان في سحاب السلام وقدماه غارقتان في الوحل اليمني"، كتب المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل تحليلاً تضمن قراءة للموقف السعودي من قضية التطبيع ومن يملك سلطة إتخاذ القرار في مملكة الصمت. ماذا تضمن المقال الذي ترجمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية من العبرية إلى العربية؟
يعتقد البسطاء أنهم متيقظون تماماً ورافضون في دواخلهم لهذه الفكرة، لكن في الواقع هذه الناس الرافضة للفكرة، هل تشعر، وإن شعرت وأدركت، هل لديها القدرة على الاعتراف أنها آمنت لسنوات طويلة بمنطق ديني أنتجته دوائر الاستخبارات الغربية والأميركية، وكانت مشاعرها الدينية أداة في يد الغرب لمواجهة الاتحاد السوفياتي ومن ثم مواجهة الدول العربية الحليفة له؟
لا تكمن أهمية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبحرين في تأثير الأخيرة في خريطة السياسات الإقليمية، حيث تتبع وتتذيل المنامة التوجه السعودي/الإماراتي سواء في ما يخص إسرائيل أو غيرها، ولكن في أهمية علانية ورسمية العلاقات ضمن سياق خليجي-أميركي مرتبط بتوقيتات متعددة أهمها الانتخابات الأميركية، وكذلك تطور الدور الوظيفي للمنامة من مجرد بالون اختبار في سياق التقارب والتحالف الخليجي-الإسرائيلي، إلى التمهيد لاعتبارها جبهة متقدمة لهذا التحالف.
لم يكن توماس فريدمان، الكاتب في "نيويورك تايمز" والخبير بشؤون المشرق المتوسطي، مبالغاً حين قال إن "إتفاق إبراهيم" أو صفقة السلام الإماراتية - الإسرائيلية هو "زلزال جيو- سياسي، ستشعر به كل المنطقة... لأن هذه هي المرة الأولى التي يُقايض فيها السلام مقابل السلام، وليس الأرض مقابل السلام".
لا يوجد ما يستدعي الدهشة في إعلان الإمارات وإسرائيل تطبيع العلاقات بينهما رسمياً سوى في طريقة إخراج هذه الخطوة وتوقيتها. ما جرى كان تحصيلاً حاصلاً لسنوات التحالف بين أبوظبي وتل أبيب على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية والأمنية، وهو التحالف الذي فاق حتى من حيث المرونة والفاعلية والاتساع ما قدمته كل من مصر والأردن لإسرائيل طيلة عقود من العلاقات الرسمية، وذلك على مدى سنوات قليلة احتلت فيه أبوظبي موقع الريادة في بعض من مفاعيل هذا التحالف، وكذلك المبادرة سواء على مستوى دول الخليج بشكل خاص أو الدول العربية بشكل عام.