من غولدا مئير إلى نتنياهو.. “يوم الغفران” يتكرر!

كسرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الخطوط الحمر وغيّرت قواعد اللعبة باقتحامها مستوطنات "غلاف غزة"، لتضع إسرائيل في حالة إرباك لم تشهدها منذ 50 عاماً بالضبط، عندما فاجأ الجيشان المصري والسوري الدولة العبرية باقتحامهما خطوط الجبهة في سيناء ومرتفعات الجولان في وقت متزامن مستعيدين زمام المبادرة العسكرية بعد ظهر يوم سبت من 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973. 
يومان متشابهان في تاريخ إسرائيل: 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و6 تشرين الأول/أكتوبر 1973. المفاجأة تتكرر بعد 50 عاماً بالضبط وتشكل فشلاً عسكرياً واستخباراتياً للجيش الإسرائيلي، الذي نام على أوهام القوة التي لا تقهر بعد حرب 1967، بينما ميزان القوى في المنطقة حالياً مختل لمصلحته إلى حد كبير بعد تدمير سوريا والعراق وخروج مصر من معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي منذ 1979.
في لحظة يعد فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو نفسه لقطف ثمار هذا التفوق العسكري، بضم السعودية إلى “اتفاقات ابراهام”، بقوة دفع أميركية، إذا به يجد نفسه في موقع غولدا مئير قبل 50 عاماً، فتباغته “حماس” بفتح حرب غير متوقعة لتعيد المشهد الفلسطيني إلى واجهة الأحداث الإقليمية والدولية.
الأحداث الجارية في “غلاف غزة”، هي بداية فصل جديد في المنطقة وعلى تطوراته ستُبنى الكثير من المعادلات، وتُغير من السياسات التي كانت تستند إلى القواعد التي أرساها التفوق العسكري الإسرائيلي واللجوء دوماً إلى التبجح بأن سلام القوة هو السلام الذي يمكن أن يدوم وفق ما يكرر نتنياهو في أكثر من مناسبة.
والاستناد إلى معادلة القوة وحدها لصنع السلام من دون الأخذ في الاعتبار الحقوق المشروعة للفلسطينيين، أو فتح أفق سياسي أمامهم، كان من شأنه أن يوصل إلى الانفجار الحالي. ربما لم تكن إسرائيل تتوقع انفجاراً بهذا الحجم، وكانت تعتبر أن عملياتها “الاستباقية” في غزة وأزقة مخيمات الضفة الغربية قادرة على تجنبيها الكأس المرة التي تتجرعها اليوم.
قبل أشهر، شنّت إسرائيل حرباً على “حركة الجهاد الإسلامي” في غزة وصفّت عدداً كبيراً من قياداتها العسكرية ومن ثم استتبعت ذلك بهجمات متتالية على كوادر الحركة في الضفة الغربية ومخيماتها، أملاً في قطع الطريق على أي محاولة فلسطينية للرد على الممارسات اليومية الإسرائيلية ومنها تصاعد الاقتحامات للمسجد الأقصى، الذي بات بوتيرة يومية منذ أن وصل إلى الحكم أكثر الحكومات تطرفاً دينياً وقومياً في تاريخ إسرائيل.
“يوم الغفران” 2023، كأنه “يوم الغفران” 1973. في الأول قاد كبرياء غولدا مئير إلى هزيمتها. وفي الثانية تبين أن نتنياهو لم يتعلم شيئاً من التاريخ
هذه الحكومة صمّت أذنيها بالكامل عن ما يسمى بحل الدولتين. وحتى عندما كانت الولايات المتحدة، الحليف الأوثق لإسرائيل، ناهيك عن أوروبا، تنصح نتنياهو بعدم إغلاق قنوات التفاوض مع الفلسطينيين وضروة العمل على إحياء السلطة الفلسطينية، كي لا تقوى “حماس” و”الجهاد”، لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتجاوب، ماضياً في وضع سياساته المتشددة والمتطرفة موضع التنفيذ. أقصى ما لدى الحكومة الإسرائيلية هو “السلام الاقتصادي” مع الفلسطينيين، أما الخيارات السياسية فليست واردة، تماماً كما جاء في “صفقة القرن”.
قامت سياسة نتنياهو في كل الحكومات التي تولاها على ركيزتين: مواجهة إيران ومنعها من الحصول على السلاح النووي وتحجيم نفوذها في المنطقة من خلال توجيه ضربات للقوى المتحالفة معها في سوريا وفلسطين وعلى عمليات استخباراتية داخل الأراضي الإيرانية.
والركيزة الثانية، كانت التطبيع مع الدول العربية من دون حل للقضية الفلسطينة. ونجح نتنياهو بمساعدة دونالد ترامب عام 2020 في إبرام اتفاقات سلام مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. ووضع نصب عينيه بعد ذلك التطبيع مع السعودية، لتكون فاتحة لتطبيع شبه كامل مع كل العالم الإسلامي، ولإرساء طوق لاحتواء إيران. الأسبوع المقبل كان مقرراً أن تجري إسرائيل مناورات جوية بمشاركة أكثر من عشر دول أوروبية فضلاً عن الولايات المتحدة، لمحاكاة توجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية.
 وظل نتنياهو يضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن حتى وافق الأخير على تلبية مطالب سعودية مهمة، مثل ابرام اتفاق أمني مع الولايات المتحدة وتزويدها بمفاعل نووي للطاقة السلمية. أما بخصوص مطالب السعودية بضرورة أن يكون التطبيع منسجماً مع المبادرة العربية لعام 2002 وضرورة أن يشمل التطبيع التزاماً من إسرائيل بالعودة إلى اطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين أملاً في التوصل إلى حل الدولتين، فلم يلقَ قبولاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي كي لا ينفرط عقد حكومته التي تضم أحزاباً متشددة ترفض أي إشارة إلى دولة فلسطينية أو تنازلاً عن أية أراض في الضفة.
أتت ضربة “حماس” في توقيت سيء بالنسبة لنتنياهو، وأظهرت أن حساباته ليس بالضرورة أن تتطابق مع توازن جديد للقوى يفرض نفسه اليوم في غزة وقد يتدحرج غداً إلى “ساحات” أخرى، لتجد إسرائيل نفسها أمام معادلات جديدة، مهما كانت نتائج الحرب الدائرة في “غلاف غزة” الآن.
صحيح أن سوريا منهكة وآخر الضربات التي تلقتها كانت الهجوم بالمسيّرات على الكلية العسكرية في حمص، ليسقط أكثر من مائة ضحية. وصحيح أن إسرائيل تنفذ ضربات شبه يومية لمواقع عائدة لفصائل متحالفة مع إيران. وبينما العراق يكافح كي يتعافى من الحروب الأميركية والجهادية والفتن الطائفية. وصحيح أن لبنان منهار اقتصادياً وسياسياً. وصحيح أن الفلسطينيين تحت الحصار في الضفة وغزة. لكن شيئاً ما يخرج من وسط كل هذا الدمار ليعلن عن بداية جديدة وخلط للأوراق والمعادلات.
و”يوم الغفران” 2023، كأنه “يوم الغفران” 1973. في الأول قاد كبرياء غولدا مئير إلى هزيمتها. وفي الثانية تبين أن نتنياهو لم يتعلم شيئاً من التاريخ. الدليل هو إطلاق أكثر من 2200 صاروخ من غزة خلال أقل من أربع ساعات وفق الإعتراف الإسرائيلي.. فماذا يُمكن أن تُخبىء المعركة من مفاجآت جديدة؟
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  كلُ "مثقف" عربي يداري هو إنتهازي ومتواطئ.. وخائن!
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  حروب أميركا المستقبلية.. لها مُسيّراتها البحرية!