الخوف Archives - 180Post

800-47.jpg

منذ مطلع الخريف، تشهد الحدود الجنوبيّة للبنان حالة تصعيدٍ محسوبةٍ، تكاد تكون استمراراً لحربٍ لا تُعْلَنْ ولا تتوّقف. القصف الجوّيّ والاشتباكات المحدودة لم تعد استثناءً، بل إيقاعاً يوميّاً يتحكّم في حياة القرى الجنوبيّة. خلف هذا المشهد الظاهر، تتكشّف استراتيجيةٌ أعمق تسعى من خلالها إسرائيل إلى إعادة تعريف الشمال، ليس كمنطقة مواجهةٍ مع لبنان فحسب، بل كمجالٍ أمنيٍّ واحدٍ يمتدّ من غزّة إلى الجولان مروراً بالجنوب اللبنانيّ. الهدف المعلن هو “الرّدع”، لكن الهدف الفعليّ هو إعادة رسم أو ترسيم الجغرافيا - ليس فقط على الأرض، بل في المخيّلة السّياسيّة.

700.jpg

في المجتمعات الحديثة، يُفْتَرَض أنّ التعليم والشهادات العليا تمنح الفرد القدرة على الاختيار ورفع مستوى وعيه. إلا أنّ الواقع يكشف المفارقة الآتية: كثيرٌ من المتعلّمين يواصلون الخضوع للنّفوذ الرمزيّ، الانقياد للجماعات القويّة، أو حتى للميليشيات المحلّية، بينما ينجح آخرون في الخروج عن هذه السيطرة وممارسة استقلاليةٍ حقيقيّة. هذه الظاهرة تثير تساؤلاتٍ أنثروبولوجيةً عميقةً حول العلاقة بين المعرفة والسلطة، بين التعليم والحريّة، وبين الفرد والمجتمع. فهل يكفي التراكم المعرفيّ وحده ليحمي العقل من الوقوع تحت سلطة الرّموز والأنماط الاجتماعية؟ أم أن هناك عوامل خفية تتحكّم في الانقياد، حتى بين المتعلّمين الأعلى تأهيلاً؟

77014A9D-6417-48A0-82F6-3BDFD9BA4086.jpeg

"عندما يصبح المُنكَر معروفاً. وتتمّ الدعوة إليه علناً دون خجل ولا رادع. وعندما نعيش سكرات حبّ الدنيا، وتشيع الغفلة. عندها، لا بدّ من زلزلةٍ رومانسيّة تُعيدنا إلى حجمنا الطبيعي. فالناس بحاجة، بين فترةٍ وأخرى، لهزّةٍ تذكّرهم بضعفهم وخوفهم ومحدوديّتهم. وبقلّة حيلتهم أمام عظمة الله تبارك وتعالى".

سلايدر-1.jpg

كان ذلك خلال ثمانينيّات القرن الماضي. في ذروة موجة السيّارات المفخّخة التي ضربت لبنان. فعندما كنتُ ألمح سيّارة "عتيقة" مركونة إلى جانب الطريق، أسارع لتغيير مساري. إذْ كان شائعاً اختيار هذا الصنف من السيّارات لتحويلها إلى قنابل موقوتة. في الحقيقة، لم أكن أخاف أن أموت جرّاء انفجارها. بل، من ألاّ أموت. وأبقى حيّةً مع جسدٍ ميت!