
الجغرافيا الفاصلة بين كربلاء وغزة 900 كليومتر، لكن التاريخ يربط بينهما بما هو أكبر بكثير. كيف؟
الجغرافيا الفاصلة بين كربلاء وغزة 900 كليومتر، لكن التاريخ يربط بينهما بما هو أكبر بكثير. كيف؟
نشهد منذ بضعة أسابيع نقاشاً حامياً حول شخصيّة كليوباترا وما إذا كانت بيضاء البشرة أم سوداء، وهل أصلها أوروبّي أم مصري، ولعل أكثر ما لفت إنتباهي في هذا النقاش هو تمادي الخطاب العنصريّ وتمدّده في معظم ثنايا مجتمعاتنا الحديثة.
إذا نظرنا في مسألة تعريف الإسلام، فنحن أمام موضوع لطالما شغل تفكير علماء المسلمين وغير المسلمين، متديّنين وعلمانيّين، مثقّفين وجهلة، وكانت النتيجة تعريفات متعددة وأنّه لا يوجد ولا يمكن أن يكون هناك تعريف واحد للإسلام إلا في إطار نمطي نستمدّه من بعض الواقع أو من التنظير المفرط ونفرضه على كلّ الواقع فنؤثر فيه. لذلك يصبح التعريف أداة تمييز وعصبيّة وإضطهاد وإستعلاء، اي عكس المُراد له.
منذ ما يزيد عن ربع قرن وكلّما اقتربتْ الذكرى السنوية لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، يُذكّرني الدكتور جورج جبور بـ"حلف الفضول"، الذي اشتغلنا عليه وكتبنا فيه وحاضرنا عنه لسنوات غير قليلة.
تقول السرديّة الإسلاميّة التقليديّة إنّ النبي محمّد كان أمّيّاً، وتُعَرّف ذلك بمعنى أنّه كان جاهلاً بالقراءة والكتابة. ما أصل هذه الفكرة، وهل مصدرها القرآن أم خيال العلماء؟ وهل هدفت إلى تعريفنا حقاً بالنبي، أم هناك غرضٌ آخر من وراءها؟
التدقيق في نشأة الشهادة وتطوّر نصّها يدلّنا على الدور الكبير للحكّام والفقهاء المسلمين الأوائل في بناء وصياغة أهم أسس الدين الإسلامي، وذلك إستناداً إلى قناعات عقائديّة وإستجابة لتحديات واجهوها مع انتشار الإسلام وإندراج فئة كبيرة من غير المسلمين تحت الحكم الإسلامي.
ما يمكن إستخلاصه من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية أنّ النبي محمد لم تكن لديه فكرة ثابتة عن أركان الإسلام (الخمسة) وعددها. إذ لو كان له رأي واضح في ذلك، لما قال لكلّ شخص أمراً مختلفاً.
يقول إبن خلدون في مقدمته أن "التأريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الإقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا".
عندما ننظر إلى التاريخ الإسلامي كمؤرخين (وهذا مختلف عن النظرة الإيمانية للتاريخ)، علينا طرح أسئلة محرجة، ليس بهدف التشكيك في الدين بل لأجل تقييم قدرتنا كمؤرّخين على فهم الأسس الاجتماعية والمعرفية (بما في ذلك الثقافة والفكر واللغة والسياسة) التي بُني عليها الدين ومساهمة البشر في ذلك ودور العلماء في بناء الإسلام وتأسيس سرديات أصبح المسّ بها من المحرمات.
ثمة أسئلة كثيرة حول القرآن لم نتعمّق بها كمؤرخين ومفكّرين، نظراً للحساسيات الدينية والاجتماعية في مقاربة مواضيع الدين الإسلامي، أو لسطوة بعض السرديات وتقبّلنا شبه الأعمى لها، أو لتعوّدنا على الأخذ ببعض التفسيرات من دون الغوص في الـ"كيف" والـ"ماذا يعني"؟