بوتين في السعودية: “براغماتية” الاقتصاد والسياسة

مرحلة جديدة تدخلها العلاقات الروسية السعودية مع زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للرياض اليوم الاثنين. تعزيز العلاقات الاقتصادية يتصدر جدول الزيارة، فيما ستكون التطورات السياسية والأمنية في الخليج العربي حاضرة، إذ تراهن الرياض على دور لموسكو للعب دور في حل الأزمة اليمنية والعلاقات السعودية-الإيرانية

أمور كثيرة تغيرت في العلاقات الروسية السعودية بين زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأولى للرياض في العام 2007 وزيارته غداً الاثنين، وما بينهما زيارة الملك سلمان لموسكو في العام 2017.

زيارة بوتين والاحتفاء الخاص الذي يحضّره الملك لضيفه، تأتي لتأكيد نمو وتطور العلاقة بين البلدين في الفترة الماضية، ونقلها نحو مراحل تتخطى التعاون والشراكة نحو آفاق أخرى.

تعيش العلاقات الروسية السعودية أفضل فتراتها منذ وصول الملك سلمان لسدة الحكم في العام 2015 بعد سنوات من التقارب الهش، فيما ظل العمل على تعزيز التعاون وإقامة “علاقات ودية تصب في مصلحة شعبي البلدين”، بحسب ما نص عليه البيان السعودي-الروسي المشترك في العام 1990، حبراً على ورق نتيجة الخلاف حول العديد من القضايا، وانعدام الثقة بين الجانبين.

هذا الوضع تبدل منذ اعتلاء سلمان العرش في السعودية، وتعزيز ولي العهد محمد بن سلمان مكانته في إدارة الحكم، “لتبدأ العلاقات بين الطرفين بالانتقال تدريجيا إلى تعاون أكثر براغماتية” بحسب ما قال الكاتب الروسي، أندرية أونتيكوف لــ”180″.

كما أكد ولي العهد السعودي أن “العلاقة بين المملكة العربية السعودية وروسيا تشهد أحد أفضل أوقاتها”، ما عزز من  مصلحة موسكو والرياض في إقامة علاقات أفضل بين البلدين.

وتوّجت هذا التقارب زيارة الملك سلمان التاريخية لموسكو في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2017، وما تخللته من توقيع اتفاقيات مؤطّرة غير ملزمة ساهمت في إحراز الطرفين تقدم في الاستثمار والتعاون العسكري التقني، بجانب الاتفاق على إنشاء صندوق استثمار في مجال الطاقة بمبلغ مليار دولار وصندوق استثمار في مجال التقنية الحديثة بمليار دولار، واتفاقية لاستثمار مشترك بقيمة 100 مليون دولار في مشروعات البنية التحتية.

تعزيز العلاقات

تأتي زيارة بوتين، التي طال انتظارها بعدما أعلن عنها العام الماضي، لترسم مسارات جديدة تعزز العلاقات بين البلدين.

وتشدد روسيا على الأهمية الكبرى للزيارة في إطار تنفيذ الاتفاقات السابقة بين البلدين وفتح مجالات جديدة للتعاون، بحسب ما كشف مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، فيما أكد رئيس صندوق الثروة السيادي (صندوق الاستثمار الروسي المباشر) كيريل ديمترييف أن “الزيارة المرتقبة سوف تظهر مستوى غير مسبوق من تطور العلاقات بين روسيا والسعودية في مجالات عدة.. وإنشاء علاقات اقتصادية متينة بين البلدين”، مؤكداً “سنواصل السير قدما. نعتقد أن العلاقات الاستراتيجية مع السعودية مهمة للغاية لأننا مهتمون باستقرار سوق النفط واستقرار المنطقة والدخول في استثمارات مشتركة كبيرة”.

ومهد الطرفان على مدار العام الماضي، للزيارة عبر تعزيز التواصل من خلال الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين لبحث كل الملفات ذات الاهتمام المشترك وما فيه مصلحة البلدين.

وتتصدر الملفات الاقتصادية جدول أعمال الزيارة، حيث سيوقع الجانبان السعودي والروسي 30 اتفاقية وعقداً، بينها عشرة في مجالي الطاقة والذكاء الاصطناعي والبنى التحتية والزراعة والسكك الحديدية والأسمدة والبتروكيماويات، بقيمة تتجاوز ملياري دولار، بحسب ما أعلن رئيس الصندوق السيادي الروسي، إضافة إلى بحث آفاق التعاون في مجالات الصناعة والتعاون العسكري التقني والتبادلات الثقافية والإنسانية.

كذلك سيبحث الرئيس الروسي مع الملك السعودي وولي عهده، التعاون بهدف ضمان استقرار أسعار النفط والتوتر الذي تفاقم بين الرياض وطهران إثر استهداف منشآت “أرامكو” الشهر الماضي والوضع في كل من سوريا واليمن، بحسب ما أعلن اوشاكوف.

وسيحضر بوتين مع ولي العهد السعودي،  المنتدى الاستثماري الروسي السعودي الذي يحضره أكثر من 300 مشارك بينهم أكبر وفد لرجال اعمال روس في تاريخ العلاقات الروسية السعودية”.

كذلك، أعلن رئيس الصندوق الاستثماري الروسي أن روسيا والمملكة “تعملان على 25 مشروعاً جديداً بقيمة 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى أن قيمة الاستثمارات بلغت أكثر من 2.5 مليار دولار في أكثر من 30 مشروعاً”، كاشفاً  عن أن الصندوق العام للاستثمار في المملكة خصص 10 مليارات دولار للعمل في روسيا في إطار التعاون مع صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي.

وأضاف أن بلاده تعمل على الترويج لمشروع بناء مصنع سيبور للبتروكيماويات في السعودية بمشاركة “أرامكو” و”توتال” و”سينوبك”.

المصلحة تعزز الشراكة

ساهم تراجع أسعار النفط في العام 2014 في تعزيز التنسيق بين موسكو والرياض ما أدى لاحقا إلى اتفاق “أوبك +” في العام 2016، ليستمر ذلك في السنوات الثلاث الماضية.

بقاء الوضع في تثبيت انتاج النفط ضرورة يشكل مصلحة للبلدين، فالطرفان يحتاجان إلى بقاء سعر النفط عند مستويات جيدة، بل يفضلان ارتفاع الأسعار، وخصوصاً السعودية التي تأمل في ارتفاع وتثبيت سعر برميل النفط عند 80 دولاراً، بغرض تمويل المشاريع الاستثمارية وميزانية الدولة، بعد الاستنزاف المالي الذي تسببت به حرب اليمن.

كذلك تأمل موسكو، التي أصبحت القوة المؤثرة الأساسية في أسواق النفط من خارج منظمة “أوبك”، في استمرار وضع أسواق النفط على ما هو عليه منذ العام 2016.

وفي هذا الصدد، قال ديمتريف إن الميزانية الروسية حصلت على أكثر من 100 مليار دولار بفضل “أوبك +”، وعبر عن قناعته بأن “الاتفاقية مهمة للغاية، لا سيما في هذه المرحلة؛ حيث لا تزال السوق متقلبة”.

هذه الحاجة المشتركة والملحة دفعت بالعلاقات بين البلدين قدماً، ما فتح مجالات أوسع للاستثمار بين الطرفين في قطاع الطاقة على مختلف المستويات.

وأشار ديمتريف إلى تنشيط التعاون في الآونة الأخيرة بين الشركات السعودية والروسية. وقال إن روسيا تعمل على جذب الاستثمارات السعودية في مشاريع النفط والغاز وتقنيات الإنتاج في مجال الطاقة ومجالات أخرى، لافتاً إلى تطور نوعي في هذا المجال.

وأوضح أنه “بعدما كانت تلك الاستثمارات عند مستوى (الصفر) قبل 3 سنوات، فقد بلغت قيمتها حالياً 2.7 مليار دولار”، مؤكداً أنها “استثمارات مهمة للمشروعات القومية في روسيا”، ولافتاً إلى اهتمام من جانب الشركاء السعوديين في تطوير التعاون في هذا المجال.

إقرأ على موقع 180  مصطفى أديب إلى الإعتذار: التكليف بتصرفكم. فتشوا عن غيري!

إضافة لذلك، ترغب السعودية في الاستفادة من الخبرات الروسية في الطاقة الذرية لإنشاء محطات تساعدها على حل قضية الطاقة وتحلية المياه، بعدما وقع الطرفان اتفاقية حكومية دولية بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، فيما تأمل روسيا في تعاون أوسع وطويل الأمد بين البلدين في هذا المجال، وأن تكون لها حصة في مشروعات الطاقة في المملكة، لا سيما خطة بناء 16 مفاعلاً نووياً، خلال العقدين المقبلين، بتكلفة تزيد على 80 مليار دولار.

ويوضح الكاتب أندريه أونتيكوف في حديثه إلى “180” أن “الحكومة الروسية تأمل في أن ينسحب النجاح في المجال الاقتصادي مع السعودية في تطوير الأوضاع المالية والاقتصادية”، ذلك أن الوضع الحالي “لا يوافي مستواه القدرات المتوفرة”، وفقاً لوزارة الخارجية الروسية.

ويشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين نمواً متصاعداً، وتضاعف في الربع الأول من 2019 مقارنة بحجم التبادل التجاري للفترة نفسها من عام 2018، حيث ارتفع إلى 420.4 مليون دولار.

وسجل العام 2018 نموا في حجم التبادل بين البلدين مسجلاً نحو مليار و400 مليون دولار .”صحيح أن الرقم أعلى ممَّا كان عليه في العقد الأول من القرن الحالي، إلا أنه لا يزال رقم قليل قياسا على حجم اقتصاد البلدين” بحسب أونتيكوف الذي أعطى مثالاً حجم التبادل بين الولايات المتحدة والسعودية الذي يبلغ أكثر من 70 مليار دولار.

إضافة لذلك سجل التعاون في المجال الزراعي نمواً في السنوات الثلاث الماضية، وسجل حجم التبادل التجاري عام 2018 نحو 500 مليون دولار.

ومؤخراً  وافقت السعودية على تخفيف مواصفاتها لواردات القمح، وهو ما فتح الباب أمام واردات من منطقة البحر الأسود، خطوة من شأنها أن تعزز حصة روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، في السوق السعودية.

رهان سعودي على موسكو

تحضر تطورات الأزمة في الخليج بين السعودية وإيران وحرب اليمن إضافة إلى تطورات الوضع في الملفات الإقليمية في سوريا، وفلسطين وليبيا على طاولة المباحثات.

وتعقد الرياض أمالاً على دور روسي في إيجاد حل لحرب اليمن بحكم الدور الذي لعبته موسكو طوال الفترة الماضية على هذا الصعيد، إضافة إلى علاقاتها الجيدة مع الحوثيين. كذلك تدرك الرياض أن روسيا يمكنها لعب دور على صعيد الوساطات مع إيران.

ومن جهتها، ترغب موسكو في نيل موافقة سعودية على مبادرتها لإيجاد حل في الخليج العربي لأنها “لا يمكن السماح بانزلاق المنطقة نحو مواجهة عسكرية مدمرة، يمكن أن تسفر عن تداعيات كارثية ليس على بلدان الخليج فقط بل وعلى العالم كله” بحسب ما أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف.

صحيح أن هناك اختلاف في وجهات النظر بين البلدين حول عدد من الملفات، إلا أن تطور العلاقات الثنائية بين موسكو والرياض “لن يتجمد بل سيكتسب نبضة جديدة” لأن “اهتمام البلدين عظيم جداً في ضمان أمن الخليج، وعدم السماح بتنامي التوتر وتحوله إلى حرب كبيرة، وكذلك في مواصلة التعاون المثمر في مجال النفط والغاز وحل طائفة واسعة من مشاكل المنطقة، وفي مقدمتها تسوية الأزمة السورية” بحسب ما أوضح فيتالي نعومكين، رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية في مقاله نشر في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

ويشير نعومكين في مقاله إلى “توفر الفرصة اليوم لرفع العلاقات بين البلدين إلى درجة أعلى”، فروسيا تحاول تعزيز حضورها في الخليج العربي بعدما ثبتت حضورها في الشرق الأوسط، فيما تحاول السعودية تعزيز علاقاتها مع أكثر من شريك دولي، من الصين إلى الهند مرورا بروسيا في إطار توفير أفضل المناخات لإنجاح رؤية “المملكة 2030″، إضافة إلى محافظتها على العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن التي تواصل ابتزازها للرياض بطلب المزيد من أموالها لتأمين الحماية لها.

الإطار الإقليمي للزيارة، أوضحه بوتين شخصياً في حديثه المشترك أمس إلى الإعلام الروسي الناطق بالعربية والسعودي والإماراتي، إذ قال، رداً على سؤال حول التموضع الروسي في الصراع السعودي-الإيراني، ولا سيما بعد هجوم “أرامكو” واختزله في ثلاث نقاط:

1- لدينا مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية علاقات غير مسبوقة في الشراكة والصداقة أيضاً، لكن روسيا لا تُقيم صداقات مع شخص ضد شخص ما، فنحن  نحن نبني علاقات ثنائية على أساس الاتجاهات الإيجابية في اتصالاتنا ولا نشكل تحالفاً لمحاربة أحد ما.

2- روسيا وإيران جارتان ولا يمكننا إلا أن نأخذ هذا العامل بعين الاعتبار.

3- إيران قوة إقليمية عظمى، إنها أمة عريقة لها ثقافتها العميقة والقديمة، وأنا أنطلق من حقيقة أن جميع بلدان المنطقة تريد أن تكون لها علاقات جيدة مع بعضها بعضا، ولا أحد يسعى إلى المواجهة، ولا سمح الله… ولكن إذا كنا نريد أجندة إيجابية، فعلينا أن ننطلق من حقيقة أننا نعترف بالمصالح القانونية لشركائنا، وهنا أود التأكيد على هذا الأمر، وأنا الآن لست بصدد الإشارة إلى ما هو قانوني وما هو غير قانوني، ولكن لدى هذه القوة الكبيرة، أي إيران، الموجودة على الأرض منذ آلاف السنين (الإيرانيون والفرس عاشوا هنا منذ قرون) لا يمكن ألا تكون لديهم مصالحهم الخاصة، ويجب أن يعاملوا باحترام.

 

Print Friendly, PDF & Email
عبدالرحيم عاصي

صحافي لبناني مقيم في موسكو

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  محادثات فيينا.. إرتفاع أسهم الإتفاق بعد الإنتخابات الإيرانية