السلام الإماراتي الإسرائيلي: مكّة المُكرمة أُلحقت بالقدس المحتلة!

القادة الشبان الجدد في السعودية والإمارات قاموا من دون أن يدروا، عبر اندفاعهم الحماسي والجامح نحو الاعتراف بحق اليهود التاريخي في فلسطين، بإلحاق مكة المكرّمة بالقدس المحتلة في رزمة واحدة تصطرع في داخلها كل عوامل التفجير: الإيديولوجي (أي إسلام نريد؟)، والثقافي (أي مسيحية ستسود: البروتستانتية الصهيونية أم الكاثوليكية والارثوذكسية)، والتاريخي، ومعنى الوجود، والحضارة، والحق والعدالة، والقيم العليا والأخلاقية. لماذا تم هذا الالحاق غير الإرادي؟
لأسباب عديدة:
– فاعتراف هؤلاء القادة بالحق اليهودي (في حلّته الصهيونية الجديدة) في فلسطين، سيعني في الدرجة الأولى أن القدس لن تكون بعد الآن الجزء المُتمم لمكة بكونها أول القبلتين وثالث الحرمين في الإسلام. معبد سليمان الفعلي أو حتى الافتراضي سيصبح هو الأساس والكعبة هي الفرع بالنسبة إليه، على الأقل في معايير موازين القوى الإديولوجية. وهذا ما سيجعل الصراع الديني في المشرق المتوسطي أسوأ بكثير مما كان عليه أيام الحروب الصليبية، لأنه سيضخ إلى الحاضر صراعات لاهوتية ماضوية رهيبة تعود ثلاثة آلاف سنة إلى الوراء.
– واضطرار القادة الخليجيين الجدد تبرير “السلام مقابل السلام” مع اليهود الصهيونيين باجتهادات فقهية إسلامية، سيطلق موجات تسونامية اعتراضية عملاقة في وجههم من قِبَل مروحة واسعة من الفرق الإسلامية السنّية كما الشيعية، التي ستطالب حينها بـ”تحرير” مكة والقدس معاً. لا بل هي ستعتبر على الأرجح هدف”تحرير” مكة هو المدخل لانقاذ القدس.
– ثم إن اندفاعة هؤلاء القادة الجدد إلى إضفاء صفة الإبراهيمية (“اتفاق إبراهيم”) على صفقة السلام الإماراتي، ولاحقاً السعودي والخليجي، مع إسرائيل، سيفتح صندوق باندورا الديني على مصراعيه، وهو صندوق  يعج بكل شرور غرائز التعصب اللاهوتي وكل شياطين الانغلاق الفكري. إذ عن أي إبراهيم نتحدث هنا: عن النبي إبراهيم الذي أسّس الكعبة وكان مُسلما، أو عن إبراهام الذي قامت سلالته العبرية ببناء هيكل سليمان في القدس وهوّدت فلسطين الكنعانية؟
تبرير “السلام مقابل السلام” مع اليهود الصهيونيين باجتهادات فقهية إسلامية، سيطلق موجات تسونامية اعتراضية عملاقة في وجههم من قِبَل مروحة واسعة من الفرق الإسلامية السنّية كما الشيعية، التي ستطالب حينها بـ”تحرير” مكة والقدس معاً
نسرع إلى القول هنا أن حظوظ القادة الجدد في السعودية والإمارات سيكون سيئاً للغاية.
 إذ لو أنهم أقدموا على “فعلة” الحق التاريخي، فيما السلطة في إسرائيل في يد قوى “علمانية” صهيونية كتلك التي كان يمثلها شمعون بيريز وحزب العمال القديم (بن غوريون وجل القادة المؤسسين لإسرائيل كانوا ملحدين أو علمانيين)، لكانت الأمور أفضل كثيراً بالنسبة إليهم. إذ كان يمكن حينها أن يقال من كلا الطرفين الخليجي والصهيوني أن أوان الإديولوجيات المغلقة ولّى في القرن الحادي والعشرين، وأنه يجب تغليب المستقبل العلمي والتكنولوجي والتطوري والديمقراطي على ماضي الحروب والعصبيات المدمّرة. حينها كانت الغُربة ستبدو طفيفة بين مكة والقدس.
لكن الصورة بالطبع ليست على هذا النحو. فميزان القوى بين العلمانيين وبين الأصوليين في إسرائيل وعلى كل المستويات الديمغرافية والسياسية والثقافية، يميل بشدة لصالح الأطراف الأصولية التلمودية أو القومية الفاشية الصهيونية المستندة إلى هذه التلمودية. كل هؤلاء لا يفكرون بمستقبل إنساني وأخوي ومتسامح مع أولاد عمومتهم، بل يعيشون في ماضٍ لا يزال يحكمه إله قبلي يهودي دموي وعنيف يطالب أسباط اليهود بقتل الاطفال، وسبي النساء، وتدمير القرى، وإحراق المدن، وإركاع كل “الغوييم الخنازير” تحت أقدام شعب الله المختار.
العنصرية الدينية – الإثنية المخيفة هي الحاكم سعيداً الآن في إسرائيل. وفي  ظلال مثل هذه العنصرية، ستكون صلاة الخليجيين في المسجد الأقصى، كما يسمح بذلك “اتفاق إبراهيم”، أكثر شبهاً بحرية الصلاة في مزرعة جورج أورويل أو بالدعوات والابتهالات داخل زنزانات معسكر أوشفيتز النازي.
المسافة بين مكة المكرمة وبين القدس المحتلة تبددت، لكن ليس لصالح الحب الإلهي والمحبة والتسامح، بل لمصلحة الكراهية والضغائن التاريخية والأمراض النفسية الصهيونية.
لذا، من الآن فصاعداً، سيكون الصراع من أجل القدس، صراعاً أيضاً من أجل مكة. والأعياد الدينية الإسلامية على أنواعها ستُعلّق إلى أجل غير محدد، خاصة منها عيد الأضحى.
***
ماذا الآن عن الصراعات الإقليمية الجديدة التي سيطلقها “إتفاق إبراهيم”؟
(للحديث صلة).
راجع للكاتب:

الزلزال الإماراتي الإسرائيلي: تهويد المشرق والخليج

https://180post.com/archives/12285

السلام الإماراتي الإسرائيلي: زلزال جيو- سياسي أم حضاري؟

https://180post.com/archives/12267

السلام الإماراتي الإسرائيلي: كان الله في عون عرب الخليج

https://180post.com/archives/12309

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  واشنطن والرياض.. علاقة غير قابلة للكسر
سعد محيو

كاتب سياسي، مدير منتدى التكامل الإقليمي

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  نحن وبايدن والآخرون