في العادة، لا يمكن توقع من سيفوز برئاسة إيران على بعد أشهر من الانتخابات، إذ أن مسار الترشح والحملات الانتخابية يختلف عن باقي دول العالم، وبرغم ذلك، قد يكون ممكنا استشراف صفات الرئيس العتيد انطلاقا من الظروف الموضوعية التي تحكم مسار من سيستقر في شارع باستور، مقر الرئاسة الإيرانية، في السنوات القادمة.
يناقش البعض أن ظروف انتخاب حسن روحاني في ولايته الأولى كانت مناسبة لاتجاه صناعة اتفاق نووي والتهدئة مع الولايات المتحدة الأميركية في ظل حكم الرئيس باراك أوباما. ليس سراً أن تعبيد الطريق أمام حسن روحاني بدأ بتقدّم هاشمي رفسنجاني للترشح وبعد رفضه من قبل مجلس صيانة الدستور، تولي روحاني قيادة حملة المفتاح واسباغ الوعود على المواطنين بإيجاد حلول جذرية للأزمات المعيشية والوضع الاقتصادي المتدهور، إلى جانب مطالب الحريات الاجتماعية والانفتاح وتعديل الصورة النمطية التي كانت مسيطرة على وجه إيران لسنوات وازدادت اثارة للجدل من خلال سياسات الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد.
لن يكون أحمدي نجاد بعيدا عن انتخابات ٢٠٢١ الرئاسية في إيران، فهو يطمح لعودة مزلزلة إلى الواجهة عبر تقديم نفسه بشكل مختلف كليا هذه المرة، ربما بصورة أقرب إلى ما يفعله على تويتر منذ أشهر ليست بقليلة. حظوظ أحمدي نجاد بالوصول إلى سدة الرئاسة مجددا تشبه تماما حظوظ دونالد ترامب في الفوز بالانتخابات الإيرانية (لا الأميركية). في الانتخابات الماضية ٢٠١٧، قدّم احمدي نجاد أحد معاونيه مرشحا، وحاول الترشح قبل ذلك، لكن القائد الأعلى الإيراني رفع “الفيتو” ليطاح بالرجل من خلال مجلس صيانة الدستور، المؤسسة المعنية بمنح المرشحين صلاحية خوض غمار كل أنواع الانتخابات الإيرانية.
سيكون مفاجئاً بشكل كبير تقديم الإصلاحيين لمرشح قوي لهم، خاصة وأن الإنتخابات النيابية في العام ٢٠٢٠، وبالتوازي مع إطاحة مجلس صيانة الدستور جزءا وازنا من مرشحي التيار الإصلاحي، لم تشهد تقديمهم لائحة موحدة
سيواجه احمدي نجاد أو أي من حلفائه المصير ذاته، كما في السابق، كما لن يكون أفضل بكثير حظ خصومه السابقين في التيار الإصلاحي، الذين خاض في مواجهتهم انتخابات العام ٢٠٠٩. الإصلاحيون يعيشون أزمة قيادة منذ مدة، وهم وإن كانوا دعموا روحاني في انتخابات ٢٠١٣ ولاحقا ٢٠١٧، إلا أنهم بالتوازي مع خيبتهم التي عبروا عنها بوضوح من سياسات روحاني لم يستطيعوا بعد إنتاج رموز جديدة وشابة غير تلك التاريخية الموجودة في الإقامة الجبرية كمير حسين موسوي ومهدي كروبي، أو الرئيس السابق محمد خاتمي الذي يواجه تضييقات على نشاطاته وصوره ممنوعة من النشر في وسائل الإعلام. سيكون مفاجئاً بشكل كبير تقديم الإصلاحيين لمرشح قوي لهم، خاصة وأن الانتخابات النيابية في العام ٢٠٢٠، وبالتوازي مع إطاحة مجلس صيانة الدستور جزءا وازنا من مرشحي التيار الإصلاحي، لم تشهد تقديمهم لائحة موحدة لمنافسة اللون الواحد الانتخابي والذي عاد تكرسًا بسيطرة التيار الأصولي على مجلس الشورى الجديد.
سيطرة الأصوليين على مجلس الشورى قد تكون مؤشرا على القادم بالتوازي مع نتائج انتخابات أميركية انتجت اتجاها ديمقراطيا ينبئ بتحول بطريقة العمل الأميركية تجاه إيران. إلى جانب ذلك، فالأزمات الاقتصادية الداخلية والمشاكل في غير قطاع تجعل من انتخاب رئيس أصولي أمرا أكثر ترجيحا لضمان عدم إعاقة العمل من مجلس الشورى أو أي من النواب الذين قد يكونوا في موقع المعارضة.
ومع بروز اتجاه لدى الناخب الإيراني لتفضيل تولي شخصيات متخصصة المسؤولية بعيدا عن الاتجاهات السياسية قد يستفيق الإيرانيون في اليوم التالي لإعلان فتح التسجيل للانتخابات الرئاسية على وجوه خبروها في المجالات الخدمية أو السياسية في مواقع تنفيذية ولديهم سيرة ذاتية ناجحة، هذه الوجوه قد تكون طامحة لتولي منصب الرئاسة الإيرانية من منطلق كونها صاحبة تجربة عملية ناجحة وبعيدة عن التجاذبات السياسية، لكنها ربما قد تكون تحظى بعلاقة جيدة أو وطيدة بالقائد الأعلى، الذي سيساعد هكذا مرشح على الأغلب في مهمته لتخطي الفوضى التي نتجت عن عاملين رئيسيين، العقوبات الأميركية وسياسة الضغط القصوى، والفساد الداخلي.
إبراهيم رئيسي قد يعود لخوض الانتخابات الرئاسية وهذه المرة متسلحا بإنجازات على مستوى مكافحة الفساد ومواجهة الفاسدين على مستويات عالية ضمن الدولة. شخصية ثالثة يتردد اسمها بشكل قوي هي برويز فتاح
ابتداء من اليوم الذي يلي الانتخابات الرئاسية الإيرانية في ربيع ٢٠٢١، سيكون على حسن روحاني مغادرة مكتبه في شارع باستور ليلتحق بشيء جديد لن يوازي صفته الرئاسية. البديل عن روحاني قد يكون أحد أعضاء حكومته من الوزراء المستقلين الحاليين أو السابقين، أي شخصية قادرة على كسب ثقة الشارع بالإضافة إلى النخب السياسية كي يتمكن من الحكم دون عوائق حقيقية. من بين الأسماء التي قد تجد نفسها في معركة انتخابية رئاسية وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أو وزير النفط بيجن زنغنة، أو وزير الصحة السابق هاشمي قاضي زاده.
التيار الأصولي قد يعمد بدوره إلى اختيار تكنوقراطييه كي يقول للعالم إن لديه قصص نجاح يمكن التعويل عليها. محمد باقر قاليباف كان كذلك في الانتخابات السابقة برغم فشله في الفوز بإجماع التيارات الأصولية (تشكيل “جمنا”) عليه. قاليباف دخل السباق محملا بتاريخ من الجهد جعله مضرب مثل كعمدة مدينة، لكن ذلك لم يعطه ما يكفي ليقطع المسافة بين شارع بهشت حيث مقر عمدة طهران ومكتب الرئاسة. شخصية ثانية تكنوقراطية أصولية خاضت معركة ٢٠١٧ ونالت الإجماع قد تكون مرشحة قوية للرئاسة مع الأخذ بالاعتبار بعض التخطيط الذي يجري لمرحلة الفراغ في موقع القائد الأعلى.
بدوره، إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية، قد يعود لخوض الانتخابات الرئاسية وهذه المرة متسلحا بإنجازات على مستوى مكافحة الفساد ومواجهة الفاسدين على مستويات عالية ضمن الدولة. شخصية ثالثة يتردد اسمها بشكل قوي هي برويز فتاح. الرجل الذي كان سابقا وزيرا وشغل أيضا منصب مدير مؤسسة إمداد الإمام الخميني الخيرية وهو حاليا مدير مؤسسة المستضعفين، كما أن له تاريخ في الحرس الثوري وإدارة مؤسساته، قد يخوض مع آخرين من التيار الأصولي سباق الحصول على الإجماع. قد ينجح وقد لا ينجح، هذا أمر منوط بالمعسكر الأصولي والإشارات التي تصل من بيت المرشد، لكن المحسوم أن رئيس إيران القادم سيكون دون شك من ثقاة خامنئي بغض النظر عن انتمائهم وتاريخهم.
(*) ينشر بالتزامن مع جاده إيران